حلَّقت النوارس عالياً بعد أن استغلت غفلة الصقور، إلى أن عادلت الصقور الكفة بعد صحوة متأخرة.
انتهى ديربي بغداد بين ناديي الزوراء والقوة الجوية، أو كما يحب أن يسميهما المحبون النوارس والصقور، هذا الكلاسيكو البغدادي يشهد أجمل سجال كروي في بغداد لما يحمله من أهمية لمشجعي الفريقين على مرّ التاريخ الكروي العراقي.
عُرس بغدادي احتضنه ملعب الشعب الدولي، الأب الحنون للكرة العراقية، أكثر من سبعين ألف متفرج، وهذا العدد يفوق الطاقة الاستيعابية للملعب، الذي يتسع لستين ألف متفرج فقط، لكن هذا الحب النابض في قلوب الجماهير الرياضية العراقية جعلهم يملأون المقاعد حتى فاضت بهم إلى خطوط التماس وخلف المرمى، دون أن يذكر هناك أي حادث عنف أو تصادم أو تجاوز، هذا الجمهور الرياضي الراقي الذي يقدم ثقافة كروية غير مسبوقة في مدينة تعتبر الأسوأ للعيش في العالم، والأخطر والأكثر دماراً.
هذا الحب للحياة والرياضة يسري في دماء البغداديين وباقي العراقيين رغم كل ذاك الخراب والحروب وتلك الأرض المتعطشة لدماء أهلها، يجب أن يرى العالم هذا الوجه البغدادي الجميل والمتحدي الذي يتجاوز كل أنواع الانقسام والفساد سوى اللونين الأزرق والأبيض، بتشجيع أبيض كبياض النوارس وزرقة سماء الصقور.
انتهت المباراة بنتيجة اللاغالب واللامغلوب، لكن انتصر الثلاثون مليون عراقي ويزيد، ومن حقنا أن نقول للعالم: نحن شعب حي، ونستطيع أن نتحدى ونفرح ونشجع ونقدم نموذجاً رائعاً للرقي الأخلاقي والثقافي والروح الرياضية العالية.
نعم هنالك حضر من الفيفا على الملاعب العراقية، ومنذ ما يزيد عن العقد يلعب المنتخب العراقي خارج أرضه وليس أمام روعة هذه الجماهير، واستطاع أن يحقق بطولة آسيا في أصعب الظروف، وما زال الجميع يتذكر كيف خرج الناس للشوارع باحتفال طُبع في ذاكرة كل عراقي لما يحمله من تحدٍّ في خضم أصعب الظروف التي مرت على بغداد السلام عام 2007، وفي ذروة الاقتتال والانقسام الطائفي، خرجت الناس تحتفل بكل عفوية، وبعثت تلك الاحتفالات روحَ الأمل للنهوض ونفض كل هذا الغبار الطارئ على شعب عاش موحداً متحاباً بكل ألوانه منذ القدم، إلى أن دخلت عليه الفتن من كل حدب وصوب.
قد يقول البعض: وماذا يعني أن يجتمع الناس لمشاهدة لعبة كرة القدم، فهو أمر شائع في أوروبا وكل بلدان العالم، نعم وهو كذلك، لكن حين نرى بغداد بهذه الحيوية والروحية الجميلة، وهي تحتضن أبناءها الفرحين بأنديتهم العريقة، نقول وبكل فخر: إننا شعب حي لن تفتك بنا أو تثنينا أصعب الظروف.
سيأتي اليوم الذي تحتفي به بغداد وتحتفل بقدوم أشقائها العرب وجيرانها وكل العالم واللعب على ملاعب بغداد والبصرة وأربيل، سيحتفي أهل العراق بكم جميعاً، هذا الشعب الحي المنتج، شعب يحب الحياة ويرتقي بالثقافة، شعب يخرج من عمق كل أزمة بالعلماء والفنانين والرياضيين والشعراء، من حقنا أن نعيد لدار السلام البسمة والأمل حتى ولو في مباراة لكرة القدم أو منتدى شعري أو معرض فني أو علمي، ويجب أن يرى العالم الوجه الجميل الذي شوَّهته الحروب ونظم الفساد والفتن.
وأخيرا وكما قال الشاعر بلهجة عراقية:
بغداد ضحكة شمس بغداد هلهولة
بغداد ليش الدمع صاير الج سولة
كوليلي شنو هلصبر جا خلكج شطولة
بغداد أنتِ الأمل بغداد أنتِ الحيل
لازم يجيلج صبح مهما يطول الليل
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.