بعيداً عن حب الأهل والأقارب، بعيداً عن حب الأصدقاء، وبعيداً عن حب بعض الأشخاص والأشياء التي تعتبر بديهية جداً، هنالك حب بين شخصين أحدهما آدم وآخرهما حواء، شخصين زرع الله في قلبيهما ذلك الإشعاع الذي يُنير دَربَيهِما، ذلك الإشعاع الذي يقوّي فيهما حب الحياة والإقبال عليها بكل ما أوتيا من طاقة إيجابية.
هذا النوع من الحب، بعيداً عما إذا كان في "إطار شرعي أو لا" هو أرقى شعور قد يجمع بين شخصين على الإطلاق.
وبما أنني ذكرت لفظ الإطار الشرعي، فدعوني أخبركم أنّني لا أعترف بـ"الإطار الشرعي" للحب إطلاقاً، فكل حب يرقى لمستوى الحب – بالنسبة لي – هو في حد ذاته إطار شرعي لا يُعلى عليه؛ لذا لا أستطيع أن أستوعب أولئك الذين يتَّهمون الحب بأبخس المواصفات، ولا أولئك الذين يقولون في حقّه فتاوى باسم الدين.
الحب أبرأ ما يكون من اتهامات قيلت ولا تزال تقال في حقّه من طرف أشخاص أبعد ما يكونون عن أن يزور قلوبهم هذا الإحساس النّبيل يوماً، ما داموا لم يتوبوا عن خطيئة الكفر به.
الآن وقد اتفقنا علي أن الحب شعور نبيل راقٍ، دعونا نفرّق بين ما هو حب وما هو دون ذلك، فالإعجاب ليس حباً، ووجود نقاط مشتركة بين شخصين ليس حباً، كما أن ارتياحك لشخص أيضاً لا يعتبر حباً، ثم إن "الحب من أول نظرة" ليس حباً أيضاً؛ بل ولا وجود له في قاموس الحب.
إذ إن كل إحساس لا يذهب في الاتجاهين معاً هو ليس حباً، كل شعور يجعلك تشك للحظة في مدى صِحَّة توقيته هو ليس حباً، كل علاقة تجعلك تريد الرجوع بالزمن للخلف من أجل اختيار آخر هي ليست علاقة حب، كل ما هو ناقص هو حتماً ليس حباً، فالحب نقيّ مقدَّس لا يقبل أي تدنيس أو تشويه، الحب أرقى من كل الشبهات، الحب عبارة عن لحن جميل لا تستوعبه حتى أرقى الكلمات.
هكذا هو الحب بجماليته وعفويته، عبارة عن هدية من الله إلى شخصين خيّرا ليعيشا تفاصيله الحُلوة معاً، هو إحساس لا يأتي بتخطيط مسبق، ولا بتنقيب أو بحث مطوَّل، هو كالَّرقص لا يتطلب منا دراية كثيرة بالموضوع، أو دراسة معمّقة لقواعد معيّنة، كل ما يلزم هو أن ندع أرواحنا تندمج مع الموسيقى، لا يحتاج منا إلا أن نكون نحن، ثم نطلق العنان لروحنا وندعها تنسجم مع روح اختارتها، فيعزفان معاً سيمفونية سلام.
الحب عطاء متبادل دون طلب، ففي الحب كما في الصداقة، تكمن قيمة العطاء في ألّا نشعر بأننا نقدم معروفاً؛ بل على عكس ذلك أن تكمن سعادتنا في الشيء الذي نقدّمه، سواء كان وقتاً، نصيحة، أفكاراً أو حتى حضناً، بمعنى أننا لا نعطي كي نسعد الطرف الآخر، ولا نعطي لأن اليد العليا خير من اليد السفلى؛ بل نعطي لأن سعادتنا مرتبطة بذلك العطاء، فنشعر أننا مرغمون على ذلك العطاء رغم أن لا شيء يرغمنا في الواقع.
لكن أتعلمون لماذا قد يعيش الشخص منا ويموت دون أن يكون قد عاش قصة حب تعطي لحياته معنى؟ لأن مشكلتنا أنه في عِزِّ حاجتا للحب، يأتي من يوهمنا به ليرحل فيما بعد وقد استنزف رصيدنا من الحب؛ لنصبح أولئك الأشخاص المتذمرين، الذين لا يفوتون فرصة دون أن يشكوا غدر الحياة وغدر الحب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.