لم يكَد الإعلان عن موعد انعقاد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج يرى النور حتى تسارعت لأقول الملاحظات والأسئلة والاستفسارات وحتى إبداء الاختلافات في الآراء والتطلعات والتوقعات، فهذا شيء طبيعي، لا بل ضروري؛ إذ من شأنه أن يوسع دائرة الشراكة في عملية التحضير، ويعطي إضاءات وأفكاراً جديدة للمنظمين،
وما الذي يمكن أن يصدر عنه في المستقبل من برامج وآليات، خصوصاً أن رسالة المؤتمر كما عبّر عنها المنظمون بالسعي لـ"إطلاق حراك شعبي وطني يحقق تفعيل دور شعبنا في الخارج من أجل الدفاع عن قضية فلسطين وحقوق شعبنا في تحرير أرضه والعودة إليها.."، إلا أن الانتقادات للمؤتمر وحجم المخاوف أخذت منحى آخر غير موضوعي في التشكيك في النيات، واستحضار نتائج مسبقة، وأن المؤتمر يحاول إلغاء واستبدال الآخر والمقصود منظمة التحرير الفلسطينية.
يشير المنظمون إلى أن المؤتمر يعتبر منصة شعبية مفتوحة لفلسطينيي الخارج من مفكرين وأدباء وإعلاميين ومثقفين ورؤساء مؤسسات وجمعيات، بعيداً عن أي تمثيل سياسي فصائلي، والدعوة عامة، وبالإمكان لأي كان من الفلسطينيين بغض النظر عن انتمائه السياسي أن يسجل ويحضر ويشارك، وأن يعبر عما يريد على قاعدة التنافس في خدمة المشروع الوطني الفلسطيني، والنهوض الفاعل لدور فلسطينيي الخارج، واستحضار قدرة وتأثير أكثر من نصف الفلسطينيين في العالم أمام أي استحقاق سياسي في المستقبل، فهذا الثقل الكمي والنوعي وتعدد الخبرات والكفاءات بين أبناء شعبنا الفلسطيني في الخارج لم يعد من السهولة تجاوزها أو تغييبها عن المشهد السياسي الفلسطيني العام،
خاصة بعد مرور أكثر من ربع قرن -مؤتمر مدريد في 1991- على حالة التجاهل والتهميش لا سيما على مستوى قضية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين يمثلون 72% من الشعب الفلسطيني، الذي وصل تعداده لأكثر من 12 مليون فلسطيني في الداخل والخارج، ولا يراد لهذا المؤتمر الذي سينعقد في إسطنبول أن ينتهي بانتهاء يومي 25 و26 من فبراير/شباط 2017، لا بل أن يشكل محطة لدور مفصلي لفلسطينيي الخارج في المستقبل.
مَن يحاول إلغاء أو استبدال الآخر إنما بذلك يتجرع السم السياسي الذي سيؤدي حتماً إلى الانتحار، والمزيد من التشرذم وتكريس لحالة الانقسام الفلسطيني المقيت، ومن منا كفلسطينيين، سواء كنا سياسيين منتمين تنظيمياً لفصائل وأحزاب وقوى فلسطينية وطنية أو إسلامية مؤيدة لاتفاق أوسلو أو غير مؤيدة، أو إن كنا فلسطينيين مؤيدين لهذا النهج السياسي أو آخر، أو غير مؤيدين وكنا مستقلين.
من منا لا يريد إصلاح وتفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية؟ فهذا أصبح مطلباً سياسياً وشعبياً فلسطينياً في آن، وهذا لا يعني إن استطاعت أي مجموعة من النخب الفلسطينية المبادرة للدعوة لعقد مؤتمر شعبي على هذا المستوى بأنها تسعى إلى تغييب أو استبدال الآخر، خصوصا أن الدعوات التي وجهت، سواءً لأعضاء تكون صفتهم "هيئة تأسيسية" أو الحضور بشكل عام، لم تستثنِ أحداً من أصحاب التوجهات السياسية، لكن على قاعدة التمثيل الشعبي وليس الفصائلي، ووُضعت بين يدي المدعوين خلفيات وأدبيات وأهداف انعقاد المؤتمر ومنطلقات للحوار والنقاش، وهذا بديهي في التحضير لأي مؤتمر، وليس كما يدَّعي البعض بالدعوة إلى التوقيع المسبق على النتائج.
الإعداد والتحضير لعقد مؤتمر على هذا المستوى حتماً سيواجهان صعوبات وتحديات، لكن تنوع الدعوة للحضور وتلاقح الأفكار والشفافية والتكامل في الطرح السياسي واستحضار المشروع الوطني الفلسطيني الجامع من جهة، ومعاناة شعبنا في الخارج وتهميش دوره لعقود في صناعة القرار السياسي، واستهداف صهيوني شرس لا يتوقف لحقوق شعبنا من جهة أخرى، من شأنه أن يبدد المخاوف لا أن يكرسها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.