لأن الكلمات ثورتي ورسالتي

وأدَّعي بأن الكتابة مرض، بل مرض يصعُب الشفاء منه، مرض يجعل الفرد يكتب كلمات ثائرة، تخرج صارخة رافضة متمردة، تطلق صيحاتها في الأفق، لا يعبأ صاحبها بمن يسمعها أو يدري تفاصيلها؛ لأنه عاهد نفسه أن يطلقها مدوية في الأفق رافضة للذل، رافضة للخنوع

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/14 الساعة 01:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/14 الساعة 01:36 بتوقيت غرينتش

عندما كتبت لأول مرة في صغري، كنت حينها في المرحلة الأساسية، كتبت كلماتي عن نفسي ولنفسي، فقد وجدتها السبيل الوحيد الذي يعبِّر عني بكل شفافية، وجدتها تصطبغ بصبغة روحي، تتلون بلون أفكاري وتكتسي بثوب قيمي ومبادئي واعتقاداتي، ومنذ ذلك الحين علمت أنه لا شيء يعبر عني مثل الكلمات، علمت أنها سلاح لا يستهان به، فليس بالضرورة أن يكون لديك صاروخ أو رشاش أو سكين أو حتى حجر؛ ليتسنى لك الدفاع عن حقك وإعلاء صوتك ليسمعك العالم أجمع، وليس بالضرورة أن تكون صاحب جسم قوي؛ ليكون باستطاعتك حمل هذا السلاح.. أبداً.. هي بحاجة للكثير من الثقافة والاطلاع وتفتح الآفاق؛ ليكون بمقدور العقل أن يحمل لواءها ويخوض بها معاركه الكثيرة الشائكة.

لا شيء يبث أفكاري للآخرين مثلها، ولا شيء يتابع إبلاغ رسالتي التي نذرت نفسي لها كحروفي وكلماتي التي أقضي شطراً من ليل كل يوم أسطرها وأراجعها وأدققها قبل أن تخرج للعلن، بعد أن تكون مسؤوليات الحياة اليومية قد أنهكتني، ولكن: ربما لأنها جزء مني يصعب اقتطاعه، أو لكونها حاجة أساسية للعيش كالهواء والماء والغذاء؛ لذلك لا يمكنني أن أنام كل ليلة مهما بلغ منّي التعب من دون أن ألتقي أوراقي؛ لأبثها ما يكنه صدري وما يؤرقه.. وأسأل نفسي كثيراً باستغراب: كيف يستطيع العيش من لا يُسِرُّ مشاعره وفكره وكل ما يؤرقه للورق؟

وأدَّعي بأن الكتابة مرض، بل مرض يصعُب الشفاء منه، مرض يجعل الفرد يكتب كلمات ثائرة، تخرج صارخة رافضة متمردة، تطلق صيحاتها في الأفق، لا يعبأ صاحبها بمن يسمعها أو يدري تفاصيلها؛ لأنه عاهد نفسه أن يطلقها مدوية في الأفق رافضة للذل، رافضة للخنوع، تعبر عن نفس قد تكون حائرة، بل طموحة تحلم بغد أفضل، غدٍ حرٍ، العيش بكرامة ديدنه، فإذا لم تكن الكلمات التي تُكتب تنطبق عليها هذه الصفات، فما أهميتها؟

في كلماتي تكمن أسراري التي تحمل آلامي وآلام المستضعفين والمعذبين، وآمالي وآمال كل المضطهدين ومسحوقي الحقوق والحريات، وأحلامي وأحلام كل الحالمين بغد مشرق يحمل وعوداً صادقة بحياة حرة كريمة للإنسان في طياته؛ لأنه إنسان وليس لأية شروط أخرى، وهمومي وهموم الإنسان العربي الذي فتح عينيه في دنيا ظالمة وبلاد مغيبة من عالم الأمن والحرية والرقيِّ.. وطموحاتي وطموحات من هم أمثالي الذي تقتلهم الرغبة الجامحة؛ لأن يعيدوا بناء عزتنا وحضارتنا بأيدينا التي تاقت للبناء وملَّت القيود التي تحبسها عن الإنتاج.

التنميق الذي يعجب القارئ العادي، ليس غرض كتاباتي، فأن تحوز على شهرة واسعة وتصبح حديث الساعة على منتديات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ليس هذا ما دوَّنتها لأجله، إنما أخطها وأدوِّنها لأخص بها ذوي الفكر الراقي، الذين أبحث وإياهم عن التميز والإتقان والرقي، وسط خضم كثر فيه من يدَّعون براعتهم في السباحة مع التيار، والعوم في فنون الكلمة الدارجة الممجوجة؛ لهذا أضع كلماتي لقرَّاء ليسوا عاديين، قراء مثلي تماماً، لهم ذوق خاص جداً، ذوق رفيع يميزهم، وطابع خاص بهم يختلف عن المألوف.

أدوِّن كلماتي هنا لتغدو تياراً يحرك المياه الراكدة في نفس من يقرأها، وتعلن ثورة حق، وتقود انتفاضة كرامة، وتخلق تغييراً يزيل الغبار المتراكم في النفوس الخائفة والمترددة، الذي يمنعها من الكلام، ويمنعها من الرفض، ويفرض عليها صمتاً خانعاً، ويجعلها تستمرئ الذل والاستعباد.

أكتب كلماتي وأدوِّنها لتكون مشاعل تضيء درب مَن يبحث عن العزة والكرامة والحرية، ويسيرون في درب الحق، وتحرق عروش الظالمين، وتبيد جيوش الظلام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد