وأن تحبّوا خير لكم

أحسن الله عزاءنا في اليوم الذي قتلت فيه كل معالم المودة والمحبة بين بني حواء، كل تلك المجاملات وعبارات الحب السطحية التي لا عمق لها تثير اشمئزازي؛ حيث أصبحت أرى أنها مستهلكة بسخاء تنفق بدون معنى على كل عابر يصادفونه في كل طريق فتقابل بمثله

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/13 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/13 الساعة 03:48 بتوقيت غرينتش

هل جربتم يوماً أن تفتحوا أعينكم في كل استيقاظ لكم، ثم تنظروا إلى الحائط الحديدي الذي يفصل بينكم وبين المودة والمحبة؟ طبعاً لن تحسوا بوجوده لأن روتين الحياة الممل والأعمال التي لا تنتهي جمدت العواطف وحرقت كل ما هو جميل في أعماقنا؛ حيث أصبح الإنسان كآلة تأكل وتعمل وتخلد للنوم دون أن تهتم بما ينقصها أو تفكر في أخطائها وحسناتها.

نحن اليوم بحاجة إلى المحبة؛ لأننا نعيش نقصاً رهيباً فيها، والمشكلة أنها لا تصنع ولا تستورد كأي منتج يتحكم في أدق تفاصيل صناعته، ولا تعرف ولا تفسر، بل هي تمتلك وتوجد داخل كل واحد منا، وهبها الله لنا، فهي إذاً نعمة لا يجوز التفريط بها.

إن الكثير منا اليوم يعيش مع أهله بلا حب، يعمل بلا حب، يدرس بلا حب، يتعامل بلا حب، يصاحب بلا حب، وينظر إلى نفسه بلا حب، ومع ذلك تجدهم يحتفلون ويرقصون احتفالاً بعيد سمّوه عيد الحب، هل هو فرض وجب علينا اتباعه كل يوم في السنة؟ لماذا لا تكون كل أيامنا أعياد حب ومودة؟ إن في الحقيقة كل ذلك مجرد مصالح مشتركة وانتهى، نحب لا لنأخذ ما نحبه ولا وجود لحب عميق.

فاقد الحب لا يعطيه ولا يستقبله، فلا تبحثوا بعيداً عن أنفسكم عنه، ولا تبحثوا عنه في أي زاوية أخرى؛ لأنكم لن تجدوه طالما تحملون بداخلكم كل تلك الجدران التي تخفيه وتحجبه عن روحكم، فلا تقتلوها بسخطكم وموتوا معها بحبكم وطيروا في السماء بأجنحة الحب؛ لتصحوا وتنزعوا عنكم كل المآسي والآلام التي تعذبكم.

إننا نعيش فقراً في المحبة والفقر مرة يثقل ساعات أيامنا ويزرع في داخلنا مشاعر الأسى فنكره وجودنا ويثرثر صمتنا، نعيش لللاشيء، وهذا ما جعلنا نفقد شهية الحياة ثم نعود إلى الخلف مستسلمين مستغنين عن كل ما كنا نعمل لأجله؛ لنرمي بذلك الذنب على أشياء تافهة بريئة من كل التهم الموجهة إليها، نهرب من أخطائنا وكأنها سم قاتل والخير في أن نحاربها.

ونصلح ما هو قابل للتصليح منها، لماذا نقتل أنفسنا بكل ذلك؟ نجهد تفكيرنا في الطرق التي سنسلكها في هروبنا ونوع اللباس الذي سنلبسه مجدداً وفي الشخصية التي سنعاود صنعها، مدعين أننا تخلصنا من عبء تلك الأخطاء ونحن الآن نصنع حياة جديدة، كم حياة نملك؟ كم شخصاً نحن؟ أخلقنا بنفسين في جسد واحد؟ مضحك ومبكٍ هذا الموقف.

أحسن الله عزاءنا في اليوم الذي قتلت فيه كل معالم المودة والمحبة بين بني حواء، كل تلك المجاملات وعبارات الحب السطحية التي لا عمق لها تثير اشمئزازي؛ حيث أصبحت أرى أنها مستهلكة بسخاء تنفق بدون معنى على كل عابر يصادفونه في كل طريق فتقابل بمثلها، وبهذا ترد البضاعة إلى أهلها، وكل إلى سبيل حاله يعيد تمثيل نفس السيناريو إلى أن يتعب ويكل، فيجلس شائباً خائباً فيموت في مكانه يائساً متحسراً على ما فقده من أحاسيس جميلة أذبلها البغض والأنانية،

مسكين كل من دخل القبر وهو بذلك الإحساس، ومن هشت عظامه بثقل النفس الشريرة التي يحملها.

جربوا أن تستمتعوا بالحياة كاستمتاع نظرة المحب إليها الذي يبتسم لشروق شمس يومه المفعم بالمحبة والأمل يرى الشمس مبتسمة تبارك له يومه، والأشجار مثمرة تلهمه بعطائها، والورود متفتحة تقاسمه الفرح، أما الطير يغرد ويحلق في سماء تلبس زرقه الفرح، حين تحب يصاحبك الفرح وتغمرك السعادة، يصبح الجو نقياً فينساب الهدوء إلى أعماقك وستجد أن كل تلك المخلوقات العظيمة خلقت لخدمتك، ثم أحبوا الله بطاعته ليحبكم جلَّ وتعالى، فإن أحببتموه ملكتم كل شيء، ولا تنسوا أن تخلعوا نظاراتكم السوداء التي تحجب عنكم رؤية كل ذلك.

المحبة هبة إلهية تغني من امتلكها وتزيده درجة، تحافظ على توازن العيش البشري وتهذب سلوكيات البشر، فإن أحببت ستلتمس عذراً للآخر، ستسامح وستصفح، ستتغاضى عن عيوب الآخر، وستحسن الظن ثم ستنسى كل المؤامرات والخطط الشريرة فترى الأسود أبيضا، ألست تبحث عن السعادة؟ انظر الآن إنها بين يديك، ألن تكون سعيداً إن رضيت بما لديك وأحببت الخير لنفسك ولغيرك؟ ستشفى من كل حسد وحقد وبغض، وسيؤمن الناس بصدقك وحبك حينها لن تجد نفسك وحيداً، وسيهجرك فقر المحبة اللعين.

عيشوا مع أهلكم بحب، صاحبوا بحب، اعملوا بحب، ودرسوا وادرسوا بحب، أدخلوا الحب إلى بيوتكم وإلى مدارسكم ثم انظروا كيف ستكون عصارة عملكم المتقن.. أينما نظرتم وعلى أي باب وقفتكم ستجدون الحب هو المنقذ في كل أزمة؛ لذلك أحبِّوا فهو خير لكم ولأمَّتكم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد