عهدنا الحب رابطة قدسية تلف القلوب فتأسر العقول؛ لتنساب وراء عشق جميل النفوس، شعور طيب أحلَّه الله في دستوره وأجَلَه في سنة نبيه، فدعا الناس لنشره فكاد يكون عقيدة الأرواح الطاهرة.
لا يقتصر الحب على العشاق فقط؛ بل هو منتشر في كل الأرجاء، ويشمل الوجود كافة من أقصاه إلى أدناه:
– حب متبادل بين الخالق ومخلوقاته، وما أجمل أن ينادي المولى: إني أحببت فلاناً فأحبوه.
– حب النبي لأمته حتى دمعت عيناه سائلاً المولى أن ينعم علينا من فضله وعظيم غفرانه.
– حب الأم لأبنائها وحنوها عليهم سواء أكانوا كباراً أم صغاراً، فالجفن لا ينام حتى يكونوا على ما يرام.
– حب الحيوانات لأصحابها، فقد عهدناهم نموذجاً للإخلاص والوفاء، فالكلب قد يضحي بنفسه لإنقاذ مالكه.
– حب الشخص لذاته واعتزازه بإمكاناته وتقديره لكفاءاته رغم توالي إخفاقاته وانكساراته بل وتراكم أزمات حياته.
– حب الطبيعة للإنسان، ففي حضنها وجد الهناء وراحة البال، فأبدع في تشكيل أبهى اللوحات والتغني بجميل العبارات والأشعار.
إن الحب لا يقتصر على علاقة بين طرفين، قد تكون جادة لتستمر، أو كاذبة فتضرب عرض الحائط، إنما الحب متاهة تجد فيه النفس لذتها، هو مرآة تعكس الطيب ولا تفصح عن المشين، حتى يتهيأ لك أن محبوبك ملاك معصوم عن ارتكاب الخطايا.. الحب هو معانٍ تغنَّى بها الشعراء، مجدها العلماء، وأحلها الدعاة، شريطة ألا تكون دعابة تجرح مشاعر الآخرين، أو مسرحية عابرة سرعان ما تنتهي أحداثها وتختم فصولها.
يقول جبران خليل جبران: "إن القلب بعواطفه المتشبعة يماثل الأرزة بأغصانها المتفرقة، فإذا ما فقدت شجرة الأرز غصناً قوياً تتألم، ولكنها لا تموت، بل تحول قواها الحيوية إلى الغصن المجاور؛ لينمو ويتعالى ويملأ بفروعه مكان الغصن المقطوع".
لا تدنسوا الحب، ولا تحصروه في تجارب فاشلة؛ لأن كل حيثيات الحياة تعيش على وقع الحب، استمع لدقات قلبك كيف تترنح على إيقاعات حب خالقك، أبصر كيف تنير بسماتك الأجواء عند رؤية براءة الأطفال الصغار أو تستشعر دفء الكبار، اكتشف طهر المشاعر في دعوات الشيوخ الكهول وحرصهم عليك متى ستعود، أبحر في عمق صداقاتك لتلمس معاني الوفاء والإخلاص، فتلك العلاقات الصادقة المبنية على الود والإخاء.
لا تكلف نفسك عناء شراء الورود وقوالب الشوكولاتة أو تلك الهدايا غالية السعر؛ لتعبر عن حبك وصدق مشاعرك، فهي مجرد عادات ألفتها المجتمعات فباتت أموراً شبه مقدسة تتداولها في المناسبات.. الحب لا يقدر بثمن، ولا يوزن بهدية أو ذهب، كما أنه لا ينحصر في يوم واحد؛ لينقضي فيما بعده.
ابتسم فتلك أكبر الهدايا، واجعل ابتسامتك تنقل كل ما يخالج صدرك من حنين، فمن شأن سحرها أن يلطف الأجواء ويصلح ما فسد من علاقات، بل ويوطدها ويعزز أسسها، فكما قيل الابتسامة حركة بسيطة تحدث في ومضة عين، ولكن يبقى ذكرها دهراً.. ثم إن الكلمة الطيبة صدقة، فتصدق بعذب الكلمات وأرق العبارات، واجعلها جسرَ تواصُل بينك وبين الآخرين.
الحب فضيلة ألفت بين القلوب، وجمعت القبائل، ووحدت الشعوب على عقيدة واحدة هي: عقيدة الود والمحبة، بعد تاريخ دامٍ من الحروب والمعارك، بل هو جوهر الحياة المكنون، وأساس جل -إذا لم نقُل كل- قيمها من قبيل الأخوة والتراحم والعطف والتعاون.
يقول محمود درويش:
ليس الحب فكرة، إنه عاطفة تسخن وتبرد وتأتي وتذهب، عاطفة تتجسد في شكل وقوام، وله خمس حواس وأكثر، يطلع علينا أحياناً في شكل ملاك ذي أجنحة خفيفة قادرة على اقتلاعنا من الأرض، ويجتاحنا أحياناً في شكل ثور يطرحنا أرضاً وينصرف، ويهب أحيانا أخرى في شكل عاصفة نتعرف إليها من آثارها المدمرة، وينزل علينا أحياناً في شكل ندى ليلي حين تحلب يد سحرية غيمة شاردة، للحب تاريخ انتهاء كما للعمر وكما للمعلبات والأدوية، لكني أفضل سقوط الحب بسكتة قلبية في أوج الشبق والشغف كما يسقط حصان من جبل إلى هاوية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.