يا معشر القراء.. ما حاجتنا ليوم واحد في السنة نلقبه بعيد الحب ونقضي شهوراً وأياماً من البغض والكراهية؟!
كلما جاء عيد الحب وبعيداً عن المنشورات التافهة التي تلقي نفسها أمامنا في كل مواقع التواصل الاجتماعي.
أحزن.. أحزن لأننا نكره بعضنا كل يوم، ونحقد على بعض، ولا نسأل عن بعض، وحين يأتي عيد الحب نصبح كنزار قباني ومحمود درويش، حين يأتي الرابع عشر من فبراير/شباط نتحول إلى أناس مفكرين ومحللين عميقين، نتحدث عن المحبة والود والصدق والزواج إن لزم الأمر.
أنفسهم الذين سيملأون الفيسبوك بصور حمقاء وتهنئات حاضرة الحروف غائبة المحتوى يوم الثلاثاء، سيستيقظون يوم الأربعاء ويتجهون نحو موضوع آخر كما كانوا خلال هذه الأيام منشغلين بكأس إفريقيا وقبله بترامب وقبله وقبله.. إلخ.
ما حاجتنا لعيد الحب؟ إن كان يكتب أن الزواج أسمى العلاقات، إنه شجرة تثمر وتزهر كلما سقيت بالحب والشراكة والاحترام، إن زوجتك هي صديقتك وأختك وأمك قبل أن تكون مجرد امرأة يربطك بها عقد وسرير، يكتب هذا المنشور وتنهال عليه التعليقات واللايكات والقلوب، تهمس واحدة في قرارة نفسها من خلف الشاشة: شاب رائع إنه يقدس الحياة الزوجية! وتتمنى أخرى لو أنه حبيبها.
بينما خلف هذه الصورة الوردية زوجته تنام بجانبه يعنفها ويشتمها ويخونها ولا يشعر بها، ويخطئ حتى في اسمها، إنها لا أمه ولا أخته ولا حتى زوجته هي مجرد امرأة يفرغ فيها كإناء كبته وغضبه وعقده.
فماذا ستضيف له تلك الكلمات وهي خارجة من لوحة المفاتيح لا من قلبه ووجدانه؟ ماذا سنستفيد من تعليقاتهم وإعجابهم بأفكارنا إن كانت تمكث هناك في الافتراض نتصل بها فقط باتصالنا بالإنترنت.
الأمر مقرف ومغيظ، تخبرها في يوم الفلانتين أنها زوجة أحلامك، وأنها حبك الأول، وتتمنى أن تقضيا السنة المقبلة في بيتكما، لماذا تخبرها بهذا وأنت لا تحبها حقاً ولن تتزوج بها وتتسلى بها ككرة؟ بل الفظيع أنها ليست واحدة ربما هن أربع أو خمس ستنسخ نفس الكلمات وتبعثها عبر الواتساب لهن. ألهذه الدرجة صارت المشاعر رخيصة نفصح بها لأي عابر سبيل عنها؟! ألهذه الدرجة صار الحب مجرد يوم والكلمات سلعة تباع وتشترى؟!
ترددت كثيراً قبل أن أكتب التدوينة؛ بل لم أجد ما أكتبه فيها؛ لأنني لا أرى أي حب يعتري مجتمعنا، حبنا لجيراننا، لإخوتنا، لمديرنا في العمل، وقد حتى لبائع الخبز الذي في حيّنا، حبنا للحياة، للأحلام للفرح.
وجدت أننا لا نعرف إلا عيداً واحداً، عيد اللاحب الذي نحتفي به كل يوم، ونحن نسلم على بعض بابتسامة صفراء، ونحن نغدر ببعض، ونتحدث عن كل أحد بالساعات عن عيوبه وأخطائه كأننا آلهة، عن الشر واللاإنسانية التي باتت ملقاة على طرقات العالم بالمجان عن الحروب والأوطان التي سقطت والبيوت التي هجرت.. عن طريق اللاحب الذي نسلكه بإرادتنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.