عيد الحب، أو ما يطلق عليه أيضاً عيد العشاق، تلك المناسبة السنوية التي تختلف فيها وجهات النظر وتتضارب فيها الآراء، فهناك فئة تنظر إليها من زاوية دينية صرفة فتنبذها؛ لأنها ظاهرة تافهة وتقليد للمجتمع الأجنبي، وأخرى تنظر إليها كمناسبة يستغلها الباعة وأصحاب المحلات للترويج لمنتجاتهم ذات اللون الأحمر، فترى الأحبة بين الدببة وبطاقات المعايدة والورود متهافتين وضائعين، وفئة أخرى غير مبالية ويوم ١٤ فبراير/شباط بالنسبة لها كسائر الأيام العادية والروتينية.. لا يميزه شيء.
بغض النظر عن أصل هذا العيد وتاريخه ومدى صحة القصة وراءه، وجب التوقف عند تساؤلات عدة: هل من المعقول أن يخصص يوم واحد في السنة للاحتفاء بالحب والتعبير عنه؟ هل يعقل أن نصمت سنة كاملة للبوح بحبنا لأهلنا، وأصدقائنا، وأحبائنا؟ هل مَن نحبهم في فبراير لن نحبهم بنفس المقدار في مارس/آذار وباقي الأشهر؟ هل الاعتراف بالحب ثقل على قلوبنا؟ هل صِرنا غير مبالين بالبوح عما نشعر به من أحاسيس صادقة تجاه الآخرين؟
الحب بعد تجريده من (ال) التعريف يصير كلمة مكونة من حرفين، بسيطة النطق وسهلة الحفظ، لكن معناها عميق وتفسيرها لا متناهٍ.. فالحب هو ميل القلب لقلب آخر، هو انجذاب الروح لروح تكتمل بها، هو ذلك الإحساس الذي لا يطلب إذنك حتى يجتاحك ويعصف بكيانك، هو ذلك الشعور الذي تخضع له دون أن يسألك إن كنت مستعداً لخوض غماره أو لا.
الحب هو تلك الشرارة المنبعثة من أعماق الذات المتجهة لذات أخرى، تنصهر فيها وتذوب بين ثنايا وجدانها؛ لتتشبع بمعاني الصدق والإخلاص.
الحب.. ثقة، احترام، صراحة، ترفع عن الأنا والمصلحة، عطاء، صون للكرامة واحترام للاختلاف.. الحب حتى يكتمل وجب أن يرتوي بالصبر والتضحية، مجتازاً بذلك كل العقبات التي قد تعترض سبيل عاشقين تواعدا أن يمضيا العمر معاً، متجاهلين كل المظاهر السطحية والحسابات المادية البئيسة.
بالحب يصير الألم أخف، تنتزع منك وحدتك القاسية، يعتريك التفاؤل، ترتفع أمانيك وأحلامك لتعلو سقف السماء، تصير نظرتك للدنيا أجمل وأصفى؛ لأن في هذا الكون الواسع والشاسع هناك شخص لا يغفو ولا يرتاح باله قبل أن يطمئن عليك، شخص يراك في كل الوجوه؛ لأنك تربعت على عرش قلبه وسلمك مفاتيحه لتصونها حتى آخر نفَس.
نحن ما زلنا وسنظل ضعفاء وحائرين أمام تفسير ما نشعر به عندما نقع صامتين خاضعين أمام الحب، كيف لإنسان أن يلامس صميم شخصيتك وجوهرك؟! كيف لرسالة منه أن ترفعك لأعلى درجات السعادة أو تهوي بك في بئر من الألم والخذلان؟! كيف للخوف أن يسيطر عليك إذا ما فكرت في أنك قد تفقد من وهب لك شقه الأيسر دون سابق إنذار؟!
رغم أن جل الأدباء والشعراء كتبوا في الحب أجمل الكلام وأروع العبارات، لكن طبيعة هذا الشعور تظل غير قابلة للتفسير وصعبة الاستيعاب، فالحب لا يفهمه سوى الغارق فيه، والمنصهر في معناه الفعلي والنقي..فهو شعور ينطق به الأبكم، ويراه الأعمى ويسمعه الأصم.
هل بعد كل هذا.. يستحق الحب أن نحتفل به مرة واحدة في السنة؟
في كل دقيقة تفكر بها بحبيبك أنت تحتفل بالحب، في كل مكالمة تصلك من توأم روحك أنت تحتفل بالحب، في كل رسالة تكتبها أنامل محبوبك وتكون أنت المقصود من بين ملايين البشر تراك تحتفل بالحب، في كل نظرة خاطفة تتلاقى فيها عينك بعين ذلك المقصود وتخترق سهامك قلبه فأنت تحتفل بالحب.
فكفانا ظلماً للحب.. الحب أرفع من مجرد شهوة أو نزوة، أرقى من أن يكون رغبة عابرة.. هو تآلف روحين، تلاحم قلبين، تنازل عن لفظ "أنا" وتعويضه بـ"نحن معاً".
الحب أسمى من أن يدنس أو يهان باسم أسباب ألِفَها بنو البشر حتى يحملوه ذنوبهم وأخطاءهم.. الحب بريء من كل هذا وذاك.. فليس كل مَن تغنَّى به ونادى به مدرك لماهيته الحقيقية.
"تمسكوا بأحبتكم جيداً، وعبِّروا لهم عن حبكم، واغفروا زلاتهم، فقد ترحلون أو يرحلون يوماً وفي القلب حديث وشوق، واحذروا أن تخيطوا جراحكم قبل تنظيفها من الداخل.. ناقشوا، برّروا، اشرحوا، اعترفوا.. فالحياة قصيرة جداً، لا تستحق الحقد، والحسد، والبغض، وقطع الرحم.
غداً سنكون ذكرى فقط، والموت لا يستأذن..".
الفقيه والأديب السوري: علي الطنطاوي، رحمه الله.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.