منذ فترة طويلة والإعلام الحكومي المصري يعيش في أزمة، وأصبح يمثل، وتحديداً من قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني، أو بالتحديد في الفترة الأخيرة لعهد مبارك، عبئاً على الدولة، ميزانية سنوية تقدر بالمليارات، وآلاف مؤلفة داخل ماسبيرو والقنوات المحلية من الموظفين والعاملين، والهدف والمنتج الإعلامي ضعيف للغاية.
ظهرت المشكلة الأكبر خلال فترة الثورة – حين غلب على الإعلام الحكومي التوجه للنظام – دون النظر للمشهد العام أو استقراء الواقع ورسم ملامح حقيقية، في الوقت الذي كانت تشتعل فيه الثورة المصرية في كل محافظة وداخل الميادين، كان وزير الإعلام المصري وقتها قد أعطى أوامره بنقل صورة الحبيبة على كورنيش النيل، وظهر المشهد وكأن الدولة والأرض في حالة، والإعلام في حالة تانية خالص.
من هنا كانت أهمية أن يكون واحداً من أهداف الثورة هو التخلص من هذا التراكم السلطوي – الذي عاش لتنفيذ توجيهات الحكم والنظام دون النظر لأي تطور على الأرض، سواء كان سلباً أو إيجاباً، وأطلق عليه في وقتها إعلام موظفين، وإعلام حكومي وغيرها من الألفاظ والألقاب التي قد لا تتسع السطور لذكرها.
الحقيقة أن هذا العبء النفسي شكل حائلاً كبيراً نحو فكرة التطوير والإبداع داخل ماسبيرو وقنواته، وارتسمت ملامح التخاذل على شاشات التلفزيون المصري، وتراجعت فكرة الريادة الإعلامية لمصر، وأصبح من الطبيعي أن تشاهد المذيعات اللبنانيات على القنوات الفضائية المصرية المملوكة لرجال الأعمال كبديل ومنتج قابل للجذب.
ويبدو أن الدولة في الفترة الأخيرة اختارت أن تعيد صياغة الإعلام بشكل مختلف، وبعد أن أصبح الإعلام يشكل عبئاً غير عادي على كل من جاءوا بعد الثورة، وخصوصاً إعلام رجال الأعمال الذي يمتلك القنوات الفضائية والرأي العام، فلجأت إلى صناعة قنوات جديدة DMC وتناقلت الأخبار وتداولت المعلومات بأنها قنوات تابعة للدولة وتديرها الجهات السيادية بشكل مباشر، لتحل بديلاً عن ماسبيرو وقنواته وموظفيه، وشرعت الدولة للإنفاق ببذخ على إنشاء هذه القنوات بتأجير وشراء استوديوهات في مدينة الإنتاج الإعلامي، واستقدمت إليها مشاهير الإعلام والفن والرياضة والأخبار، وكانت الأرقام المتداولة أيضاً مدهشة – من حيث الميزانيات والرواتب وغيرها.
وظل هنا السؤال: دولة تعاني هذا الكم من المشكلات الاقتصادية، كيف تنشأ وتستحدث قنوات جديدة؟ ولماذا لعبت دوراً كبيراً في تغيير فكرة إعلام رجال الأعمال؟ والمدهش أن التغيير ليس بالتدخل أو التعديل، لكن بدفع أفراد جدد لشراء هذه القنوات من الحرس القديم.
وهذا ما تم بالفعل بعد سيطرة أبو هشيمة على قنوات ON وأصبحت هي اللاعب الرئيسي الآن في رسم ملامح جديدة للنظام والدولة المصرية، ومحاولة بث وتمهيد الرأي العام لكل الخطوات الجديدة والملامح القادمة للدولة المصرية من خلال التوك شو الذي يقوده عمرو أديب يومياً.
إذاً المشهد كالتالي:
قنوات حكومية جديدة ستكون اللاعب الرئيسي للرأي العام المصري ولا يزال أمامها فترة من الوقت حتى تستطيع أن تصل، وقنوات خاصة تم التخلص من ملاكها من الحرس القديم برجال أعمال يمثلون شريحة جديدة تعمل جنباً إلى جنب مع الدولة.
ما بين هذا وتلك أصبح " ماسبيرو " العاطل عن العمل، هو الأرض المحروقة التي لا بد من التخلص منها كاملة سواء من المباني والاستوديوهات أو من الموظفين والعاملين بكل الأشكال والوظائف، وظهرت الاقتراحات التمهيدية، بالاستغناء عن 80% من العاملين إما بمعاش مبكر أو من خلال أن يحصلوا على رواتبهم ويبحثوا لهم عن وظائف أخرى – وهو ما يطلق عليه فكرة التسريح.
بعيدا عن الشكل العام الذي ترسمه الدولة الآن التي تعاني اقتصادياً في جوانب وتنفق ببذخ في جوانب أخرى كان من المفترض أن تكون الصورة كالتالي:
1 – الاستفادة من ماسبيرو وقنواته بضخ التغيير المباشر في السياسة الإعلامية خاصة، وهناك كوادر تدير القنوات الخاصة باحترافية شديدة وكان من الأفضل الاستفادة من تجربة الـ BBC بعمل شكل متقارب في الفكرة والمضمون.
2- إعادة تأهيل الاستوديوهات والحفاظ على كيان الدولة الحكومي؛ لأنه يمثل جانب الثقة للرأي العام بعد أن فشلت القنوات الخاصة بكل ما تملكه من تقنيات وأشخاص في جذب الرأي العام، بل رأى البعض أنها تروج للكثير من السلبيات على حساب الناس، من خلال فرض ثقافة جديدة هشة سيكون لها تأثير غير مباشر على الأجيال القادمة.
3- إعادة تسويق القنوات المحلية وعرض جزء منها للبيع بنظام الإعلانات لرجال الأعمال الذين لا يملكون القنوات، ويبحثون عن فكرة الوجود الإعلامي داخل محافظات مصر والقاهرة الكبرى.
4 – دمج بعض القنوات في ساعات البث لزيادة فكرة الإعلانات والتسويق لها.
5 – استقدام الأسماء اللامعة التي نجحت في وجودها داخل قنواتها الحكومية الجديدة والتي تكلفت الملايين لإعادة الروح للقنوات الحكومية داخل ماسبيرو.
6 – زيادة فرص التدريب للجيل الأصغر في قنوات ماسبيرو داخل مصر وخارجها للاطلاع على الجديد في الإعلام.
7 – الاهتمام بشراء وبث الدوري المصري وغيره من المناسبات الهامة، وعدم خروج رئيس الدولة حتى في المداخلات إلا على القنوات المحلية والحكومية لإعطاء عامل الجذب والهيبة لها والمتابعة أيضاً والبث المباشر للبرلمان والاجتماعات الحكومية وتدوير فكرة الأخبار بما يناسب الوقت والزمن والعصر الحالي.
8 – حل مشكلات البث خاصة وهناك قنوات محلية حتى الآن غير معروف وجودها على البث الأرضي أو الفضائي.
9 – وقف التعيينات التي وصلت إلى حد أن عدد أفراد الأمن أكثر بكثير من العاملين بالإعلام وده ناتج عما حدث من تراكم في الفترات السابقة.
10 – إيجاد بديل في مادة الدستور التي ألغت منصب وزير الإعلام والتي قد تم وضع هذه المادة خصيصاً للتخلص من الإعلام الحكومي؛ لأنه هو الممثل الشرعي لهذه القنوات ولماسبيرو ومن خلاله يتم إعادة الهيبة للإعلام الحكومي.
11 – إعادة الهيكلة وعمل لجنة عليا بكل قناة لتجديد الأفكار والبرامج والاستعانة بكل الشخصيات الهامة داخل مصر في كل المجالات، كما يحدث في القنوات الفضائية الخاصة، وعمل تسويق مباشر لهذه البرامج لتغطية الجوانب الاقتصادية، وكان يتم مثل هذا في القنوات المصرية في أول ظهور برامج التوك شو قبل الفضائيات من خلال برنامج (البيت بيتك) على سبيل المثال.
وأخيراً:
النظرة المستقبلية للرأي العام، مع تحكم رجال الأعمال وقدرتهم على التغيير والمنافسة من خلال القنوات الخاصة، بالإضافة إلى الفشل الذي سيلاحق القنوات الحكومية الجديدة مهما تكلفت؛ لأن فكرة الإعلام الحكومي ستطاردها الموروثات؛ لأن الكثير يعتبرها لسان الحكومة، ستؤدي على المدى البعيد بماسبيرو جديد وفشل التوجه المطلوب الذي تريده الدولة المصرية.
ومن هنا ستتغير الخريطة الاقتصادية والسياسية، بل وربما الحزبية أيضاً وستشكل هذه القنوات برجال أعمالها سلطة لن يقدر عليها النظام الحاكم، بل ستكون منافساً شرساً على إدارة الدولة المصرية بعد أن تكون تحكمت وبشكل كلي في الرأي العام.
مصر ستتغير للأسوأ لو ظلت الدولة تهد في ماسبيرو بما يمثله من إعلام حكومي روتيني، دون اللجوء للحلول المنطقية والعقلية والعلمية والاقتصادية، ولو سرحت دون تفكير استراتيجي في شكل الدولة بعد سنوات طويلة، وكيف سيكون الرأي العام لعبة في يد رجال الأعمال؛ لذا أعيدوا لماسبيرو الحياة قبل أن تفقدوا كيان الدولة وتبكوا على الأطلال!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.