مع دخولي عتبات الربع قرن قمت بمشاركة الأصدقاء على أحد مواقع التواصل الاجتماعي بمنشور مُرفق بصورة جاء فيه "لم أبلغ عمر الخامسة وعشرين عاماً إلا وأنا سعيدة كل السعادة، راضية كل الرضا، وفخورة بنفسي وبما حققته، وما وصلت إليه، والطريق الذي أسير فيه بكل إيمان وثقة وإصرار وعزيمة.
بفضل الله تعالى وتوفيقه وبفضل عائلتي والأصدقاء الرائعين من حولي.. أحبكم جميعاً.. شكراً لوجودكم".
في اليوم التالي وصلتني رسائل مضمونها التساؤل والاستفسار عما حققته وما فعلتهُ، وبماذا أنا فخورة يا ترى؟ وأي الطرق أسلك؟ ومن أين ينبع هذا الرضا التام؟ وإلى أين تصب أحلامي مستقبلاً؟
رحت أفكر هل أنا يا ترى مُجبرة لأشارك الأصدقاء المقربين لقلبي والافتراضيين أيضاً ما أقوم به لأعلمهم عنه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي!
لماذا كل هذا الفضول تجاه معرفة ما يدور خلف جدران حياة بعضنا البعض؟
حياة كل منا بسيطة وليست بذاك المستوى من الإثارة والدهشة.
هل أنا مجبرة لأبرر لهم أن ما أحققهُ كل يوم يعتبر نوعاً من أنواع الجهاد، ولا وقت لديَّ لأسرد تفاصيل كل هذهِ الحروب والانتصارات والنجاحات الصغيرة والكبيرة منها أمام أعين المتابعين من خلف الشاشات.
لشديد الأسف بات الأمر منتشراً وطبيعياً جداً، إننا نفقد خصوصيتنا شيئاً فشيئاً ونسمح لجميع من حولنا أن يمسكوا المجهر ويتتبعوا خطوات حياتنا، أمسى الناس لا يقومون بأبسط شيء في حياتهم إلا وتجدهم يعرضونه للعامة ويسمحون لهم بتقييمه وتفسيرهُ ووضعه في شريط التداول والتناقل بين الأصدقاء والغرباء حتى!
ما معنى حياتك؟ ما قيمة تفاصيلها؟ أين هي أسرارها؟ عندما تكون عبارة عن بيت زجاجي كل ما فيه مكشوف للعيان!
فتنتظر رأي هذا ونقد ذاك وتأخذ أوقاتك منحنى المراقبة والتتبع بدل الحرية والراحة والخصوصية التامة.
تذكر أنك أنت مَن تزيل عن تفاصيل حياتك تلك الحشمة وتفقدها الوقار باستمرار وتكشف أسرارك أمام الناس.
الخصوصية هالة من الذكاء تحيط حياتك بها؛ لكي لا تكون عرضة للكثير من المنغصات والمشكلات، أنت في غِنى عنها.
ستقولون لماذا هي مواقع تواصل اجتماعي إذاً؟
معكم حق.. كل ما هو خارج حدود الخصوصية الشخصية، العلاقات العائلية، أحداثك المصيرية ليست للعرض.
لكن تجاربك المفيدة، الأحداث التي تتعلم وتستفيد منها، ما يعجبك من فن، هواياتك، أعمالك العلمية الأدبية الثقافية، ذائقتك في القراءة والطعام، أماكن سفرك وتجاربك خلال السفر أو من داخل بلدك، موهبة التصوير عندما تقوم بالتقاط واقتناص وتوثيق لحظات تهمك وتعجبك وتشاركها مع من حولك.
لا أحاول أن أملي على الناس ما يفعلون وما لا يجب أن يفعلوا، ما ألفت إليه أنظاركم من خلال هذا المقال هو الاحتفاظ بحياتكم الشخصية بعيداً عن أضواء الشاشات الزرقاء، ومن يهتم لأمركم وبحاجة لمعرفة أخباركم ويهمه ذلك فعلاً ستجدونه حاضراً في أيامكم يقاسمكم الأوقات بعيداً عن هذا الفضاء الافتراضي الذي ينعدم فيه التواصل بالإحساس والمشاعر الحقيقية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.