طريق الوصول إلى المسجد الأقصى

منذ سن التاسعة وأنا أخطط للوصول إليه، وبعد الاستعانة بالطرق القانونية من تصاريح للصلاة والعلاج والزيارة لكن دون جدوى، قررت أنا وصديقي أن ندخل المسجد الأقصى، وأن نخترق بذلك جميع الحواجز والجدران؛ لنصلي هناك قبل صلاة المغرب.

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/10 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/10 الساعة 05:12 بتوقيت غرينتش

لم أكن أتخيل يوماً أنني سأدخل المسجد الأقصى وأرى قبة الصخرة المشرفة؛ لتذرف عيناي دمعاً ويسري الشوق في عروقي، نبضات قلبي توشك على الانقطاع من شدة الفرح، جبيني خرَّ لله ساجداً شاكراً حامداً لما رأت عيناي، جهاد طويل ومشقة طويلة لليلة في ربوع المسجد الأقصى.

منذ سن التاسعة وأنا أخطط للوصول إليه، وبعد الاستعانة بالطرق القانونية من تصاريح للصلاة والعلاج والزيارة لكن دون جدوى، قررت أنا وصديقي أن ندخل المسجد الأقصى، وأن نخترق بذلك جميع الحواجز والجدران؛ لنصلي هناك قبل صلاة المغرب.

في ليالي رمضان المباركة، انطلقت أنا وصديقي من منازلنا دون أن نحمل شيئاً سوى البطاقات الشخصية، لعلنا لا نعود بعدها.

هدوء يعم شوارع القرية، لا أحد بالطرقات، الجميع ينتظر أذان المغرب بين أهله وأحبته، لكن نحن قررنا أن ينتظرنا الأذان حتى ندخل المسجد ونصلي هناك، انتظرنا على قارعة الطريق لعل سيارة تأتي؛ لتوصلنا للجدار القريب أو لأقرب نقطة للمعبر.

لن ننتظر كثيراً فقد تعاهدنا على أنفسنا أن ندخل المسجد رغم كل العقبات، وألا ننكسر أو نحيد عن طريق الوصول للمسجد الأقصى، ولا نرجع بيوتنا مهما كلف الثمن.

ها قد أقدمت سيارة إلى المعبر؟!
– نعم.. السيارة مسرعة والوقت يجري مسرعاً والأحداث تتوالى دون عائق أو عسر، وصلنا سريعاً، الطرقات خالية من البشر، كان موعد الإفطار، وصلنا لمسافة قريبة من المعبر.

وقفت السيارة على قارعة الطريق، تقدمنا على أرجلنا ووقفنا أمام المعبر متأهبين للدخول، استكشفنا المكان جيداً، برج عسكري في قمة الجبل، يليه جدار طويل يبدأ طوله بالنقصان كلما اقترب من محاذاة الشارع، تتصل به أسلاك طويلة معقدة وحادة كالشفرة، بعد هذا الشيك هناك طريق سريع، دوريات لجيش الاحتلال تمشي ذهاباً وإياباً مسرعة كالصاروخ؛ لتصل إلى طرف السلك حتى تصبح بطيئة على مهل، كمن يترصد فريسته.

هنا بدأت اللحظات الحاسمة؛ إما أن نقع في مصيدة الاحتلال أو نكون بين يدَي الرحمن في صلاة تعادل خمسمائة صلاة.

تعاهدت أنا وصديقي على ألا نفترق مهما كانت الظروف، ندخل معاً أو أن نقع بالأسر معاً، اقتربنا من فتحة في طرف الشيك بعيدة عن مرأى البرج العسكري، قام بفتحها أبطال قد سبقونا بالدخول من هنا، دخلنا من هذه الفتحة الصغيرة زحفاً على أقدامنا، فهي لا تتسع الدخول بشكل طولي.

قطعنا الطريق مسرعين بحذر، فالسيارات كانت على عجل، وبعد هذا الطريق جبل شديد الانحدار مليء بالحجارة الكبيرة، أي عثرة قد تودي بحياتنا، سرعة جنونية في الركض، ليس خوفاً، ولا إرادة منا، ولكن انحدار الجبل الشديد فرض علينا ذلك.
كنا قد وصلنا إلى قاع الجبل في بضع دقائق، لكن كان في مقابل هذا الجبل شديد الانحدار جبل آخر، قمنا أيضاً بصعوده ببطء شديد بعد أن انقطعت أنفاسنا من الجبل شديد الانحدار.

أين نحن الآن؟! وأين الطريق المؤدي للمسجد الأقصى؟

لا أحد في الطرقات، الجميع ينتظرون مائدة الإفطار داخل بيوتهم، كانت هناك بيوت كثيرة في أعلى الجبل، وصلنا للبيت الأخير في أعلى الجبل، كان هناك شخص يبحث أيضاً عن طريق يؤدي للمسجد الأقصى كان قد سبقنا بالدخول، أسرعنا جميعاً إلى طرف الطريق ننتظر سيارة، قبل أن نقع في مصيدة الاحتلال.

انطلقنا في سيارة نقل خصوصية أنا وصديقي والشخص الذي التقينا به، لا نعرف أين نحن ولا لأي طريق سنذهب، كانت المرة الأولى التي ندخل بها القدس الشريف.

انطلقت السيارة مسرعة بطرق مختصرة وضيقة وصولاً لباب الأسباط، كان هناك أعداد كبيرة من النساء أمامنا في طريق طويلة.
قبل الوصول إلى باب الأسباط الرئيسي، افترقت أنا وصديقي لمسافات ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، حتى نبعد انتباه الجنود.

الطريق طويلة، والخوف بدأ يملأ الصدور، دقات القلب تتعالى أصواتها، خطوات بطيئة وجريئة مع ثقة بالنفس.
التفتنا إلى البائعين المتجولين على مشارف الطريق؛ لنشتت الانتباه قدر الإمكان، اقتربنا من الجنود على باب الأسباط، كانوا عشرة جنود وأكثر، الباب طويل وواسع، ليس كغيره من الأبواب، حاولنا ألا نبتعد عن مجموعة النساء الكبيرة، حتى لا نكون مكشوفين تماماً، وصلنا الباب ودخلنا بحذر دون أن يلتفت إلينا أحد، بقيت الخطوات كما هي حتى لا نلفت الانتباه بعد الدخول.

لكن ما زال بداخلنا الشك أننا لم نصل بعد؛ لأننا لم نرَ قبة الصخرة المشرفة، ومخافة أن يظهر جنود آخرون بعد مسافة أخرى.
سألنا من تجاورنا من النساء إن كنا حقاً بالمسجد الأقصى، فأجابت نعم، وهل من جنود أمامنا؟ فقالت: لا.

حينها طِرنا من الفرح، نحن في أكناف المسجد الأقصى، سجدنا شاكرين لله، تقدمنا بعدها بخطوات بطيئة جداً مع دقات قلب تعلو ضرباتها، وقدمين ترتعشان من هول الموقف، لحظات صمت وتأمل.

قبة ذهبية تعانق عنان السماء، جمالها يسرّ الناظرين، جدرانها ثمانية الأبعاد، تبعث في النفس هدوءاً، وبالجسد راحة، وبالبال اطمئناناً لكل من وقف أمامها، لم أترك حجراً فيها إلا لمسته أو قبَّلته، طفت حولها لأرى جميع تفاصيلها، ونمتُ بجوارها لأستيقظ على أصوات أذان الفجر.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد