تتعدد أسباب الطلاق بتعدد أسباب الزواج، فإذا كان زواجاً مبنياً على التفاهم والمحبة والوفاق والتناغم والانسجام، فالطلاق يقوم على عكس هذه الأمور من تنافر وتصارع وإهمال وجفاء تسبب في خراب النفوس وحزن القلوب، وهو حلال شرعه الله؛ ليتسنى للمتناحرين داخل البيت الواحد ممن بلغ بهم الكرب والهم إلى طرق مسدودة أن يوقفوا صراعاتهم ويمنحوا لأنفسهم فرصاً جديدة يعيشون بفضلها بسلام وأمان وطمأنينة.
إي نعم يعتبر الطلاق مرحلة قاسية يتجاوزها بكل قسوتها الزوج والزوجة على حد سواء، تؤثر في نفسيتهما وترهق أعصابهما، فهي بمثابة فشل مشروع استثمرت كل طاقاتك فيه، من اهتمام وحب وحنان وتضحيات ونقاشات وخصومات وأموال.. لتصاب بالخيبة ندماً على اختيارات سيئة أو تسرع أو غيره، ولكنه بمجرد ما تقيم حالتك بعد مرور الأزمة وقبلها وكيف يمكن لتجربة قاسية كهذه أن تصقل معدنك وتعرفك على نفسك وعلى الآخرين، تدرك أن لكل شيء حكمة، والطلاق حكمته وإن غابت عنك.. تبقى رزقاً من تصريف القدر.
وله أسباب كثيرة، وأحياناً معقدة ومتداخلة لا يدرك حقيقتها إلا الزوجان العاقلان اللذان عاشا في بيت واحد، وعلما من بعضهما ما يجهله أقرب المقربين منهما، فإذا وضعا القرار محط تنفيذ، فحينها يكون البديل الأوحد لفك نزاعاتهما بشكل حضاري محترم، متجاهلين بذلك كلام الناس وشماتة الشامتين وتأليف المنتهزين لهذه الفرص وما أكثرهم، لا يهمها سوى راحتهما النفسية.. وراحة أولادهما إذ وجدوا خارج بيت كله نكد في نكد.
لكن ما يؤسف بحق هو عندما يصبح الطلاق أداة لضغط طرف على طرف، يبتزه في كل فرصة شاهراً سيف الطلاق ليخيفه في مجتمع ينظر للمطلقين، وخصوصاً المرأة، على أنها عالة ووصمة عار وقليلة شرف، فيستغل كل طرف هذه العقلية المريضة ليذعنَ الطرف الآخر ملبياً رغباته وطلباته، التي تكون أحياناً شاذة كصاحبها. فمن تشتكي من رجل يطالبها براتبها كله عنوة أو الطلاق، ومن يحكي عن زوجة تطالبه ببيت فاخر أو الطلاق، ومن تروي قصصاً خيالية عن زوج شاذ في ممارساته يأمرها بتلبية شذوذه أو الطلاق، ومن تهين كرامة زوجها وتهدده بالطلاق إن هو رفض معاملتها تلك.. والأمثال تتعدد وتتنوع من سيئ لأسوأ.. وحتى لأسخف.
فمن تحكي أن زوجها أمام القاضي برر سبب طلبه الطلاق أن زوجته لا تتقن الطبخ، أو أنها لا تحسن استخدام السكين والشوكة الشيء الذي يهين بريستيجه أمام الناس، إي نعم والله هذه حالات حقيقية للأسف. ومنهن من تطلب الطلاق بمجرد ما تنجب طفلاً أو طفلة مكتفية به عن سواه فلا ترغب بالاستمرار مع رجل تهتم به وبأموره ويزعج طريقة عيشها، فتطلب الطلاق وتحتفظ بالطفل وتعيش حياتها كما يحلو لها حارمة أباً من طفله استغلته للإنجاب.. ومتحررة من صفة عانس التي كانت تخيفها.
عندنا تكلم القرآن عن الطلاق ميزه وسماه بـ" تسريح بإحسان"؛ لأنه يعتبر متنفساً رحباً وواسعاً لمن ضاقت عليهما الحياة الزوجية وفقدا لذة العيش وطعم الراحة، وكأنه انعتاق من أسر وسجن لحياة أفضل، وهذا إذا استعمل كحل حضاري وإنساني لا ابتزازاً ولا معاقبة ولا انتقاماً، فيتحقق مراد السنة الإلهية في قوله "وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.