و ستعرف…!

سيهجم أشخاص إلى عالمك بكل إصرار ثم سيختفون بنفس الإصرار، وستلملم نفسك مرة هنا ومرة هناك، ستفتخر بانتصاراتك، وستخفي هزائمك، أو ستتعامل معها، ستنجح وتفشل، ستنبني أحلاماً وتهدم أخرى، سيخفق قلبك كثيراً، وتفرح مرة بوجوده، وستتمنى أنه لم يوجد مرة أخرى

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/08 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/08 الساعة 02:06 بتوقيت غرينتش

تدق عقارب ساعتك، تنهض مسرعاً لتختصر الدقائق التي تتدافع الواحدة تلو الأخرى رغماً عنك، تشرب قهوتك على عَجَل يومي، فمواعيدك لا تحتمل التأخير، وكلمات الاعتذار لن تهم ما ينتظرك.

ستركض كثيراً، وتقلق كثيراً لتحسب وتخطط وتدخر، ستحلم كثيراً وستعمل كثيراً، ستسعى إلى أشياء تارة وتسعى أشياء إليك تارة أخرى، سترسم عالمك، ستجمع أحبابك، ستصنع مدينتك، ستحلق كثيراً وتهبط كثيراً.

سيهجم أشخاص إلى عالمك بكل إصرار ثم سيختفون بنفس الإصرار، وستلملم نفسك مرة هنا ومرة هناك، ستفتخر بانتصاراتك، وستخفي هزائمك، أو ستتعامل معها، ستنجح وتفشل، ستنبني أحلاماً وتهدم أخرى، سيخفق قلبك كثيراً، وتفرح مرة بوجوده، وستتمنى أنه لم يوجد مرة أخرى، ستكسب أصدقاء بأسرع مما تتوقع، وستخسرهم بأسرع مما تتوقع كذلك، ستبتعد عن الله وتعود، وأنت مدرك أن لذة قربه لا تضاهيها لذة أخرى.

ستفهم وتتظاهر بعدم الفهم مرات، ستعبر عن ذاتك بكل شجاعة مرة، أو ستقرر الصمت والتبسم في مرة أخرى، ستمر على ذكريات لم تكن تدرك لحظتها أنها ستتحول إلى ذكريات.

سيأخذ الموت منك أشخاصاً وأنت مكتوف الأيدي لا تعرف ماذا تفعل سوى أن تنظر للسماء وتستعد لوداعهم دون أدنى حيلة، وتمضي بعدها لما نسميها حياة.

ستبدأ فرصاً جديدة بكل حماس كأنها أول فرص حياتك، ستنظر إلى عيني طفل صغير حديث الولادة وتضحك بفرحة البداية، سينشرح صدرك لجمال خلق الله من حولك، وستشتاق لأن تحلق وتكتشف العالم، ستتأمل بالمستقبل الجميل وستخاف منه في نفس الوقت، ستفكر بأخبار الكوارث والزلازل والحروب من حولك وستتعجب من ضوضاء الحياة.

ستهيم حباً بقراءة ومشاهدة قصص الحب والتاريخ والخيال، وستطرب لأغنية لمست فيك أشياء جميلة، ستسمع عن تجارب وتخوض أخرى، ستكون لك حكايتك ولهم حكاياتهم، وبعد كل هذا ستعرف.. ستعرف.. ستعرف أن الحياة ليست فرصة واحدة، فالفرص تتتابع بأشكال وأرواح وصور مختلفة، ستفهم أن قصة الفرصة الواحدة خدعة، فلا واحد إلا الله.

ستمضي الأيام وستعرف، ستعرف أن نضوجك لن يأتي مع مرور الوقت؛ بل سيأتي مع تمعنك بالمواقف ونظرتك إليها بعين المدرك المتمهل، ستمضي المواقف وستعرف أن كثراً من سيبدأون معك حياتك، وقلة هم من سيستمرون معها للنهاية.

ستمضي الأيام وستعرف أن دقيقة فرح ستساوي عمراً كاملاً من الذكريات، وستعرف أن من الحكمة أن تفرح من قلبك كلما أذنت لك الحياة بذلك.

ستمضي الأيام وستعرف أن الأصدقاء الحقيقيين قلة قليلة، وأن هناك فرقاً شاسعاً بين المسميات والدرجات. ستمضي الأيام وستعرف أن شوقك لجلوسك مستمتعاً بمفردك هو أعلى درجات السلام الداخلي.

ستمضي الأيام وستعرف أن هناك أشخاصاً سيحبونك بلا سبب، وآخرين سيحقدون عليك، وعلى ما تملك بلا سبب أيضاً، وأشخاصاً سيغارون من أبسط أشيائك فقط لأنها ملكك أنت.

إن تمعنت ستعرف الكثير، ستعرف أننا نصنع الوقت إذا أردنا، ستمضي الأيام وستعرف أن هوايتك أهم من شهادتك، وأن صحتك أهم من همك، وأن الآن أهم من غدٍ.

ستمضي الأيام وستعرف أن عليك مغادرة أماكن للانطلاق إلى أخرى، وأن الالتصاق بمكان ما للأبد يعد مشكلة أحياناً.

ستمضي الأيام وستعرف أن قبولك لفكرة الوداع هو قبول خفي لاستقبال آخر استقبالاً جديداً سيظهر عندما تكون صادقاً مع نفسك ومتقبلاً لمفهوم الحياة.

ستمضي الأيام وستعرف أن هدايا الله لك مختلفة في أشكالها وصورها، ستدرك أن رحمة الله لك أوسع مما تتصور، وأن الصدف التي يخلقها لك رغماً عنك هي أجمل وأرقى من كل خططك، وأن الله يحبك أكثر من حبك لنفسك.

ساعات عمرك وتجاربك ستلاحقك، وستنضج بمقدار نظرتك وصبرك وداخلك الممتلئ باليقين والسكينة، ستنضج وستعرف أنه ليس من الحكمة أن تحاول تحويل قصتك لقصة مشابهة لمن حولك.

أنت لست هم، لك قصتك ولهم قصتهم، لك ظروفك ولهم ظروفهم، لك تصاريفك الخاصة ونظرتك الخاصة وهدايا الله الخاصة لك كذلك.

انظر وتمعَّن وانتظر وحاوِل واصبر وأحب وسامح وجرب وفكر وآمِن، وأنصت لرسائل الله لك لا لهمهمات الناس.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد