من الدراسات الانكليزية الى الدراسات بالإنكليزية بالمغرب

وإلى منتصف القرن العشرين. اكتسحت بها فرنسا الإمبراطورية النقاشات الفكرية والفلسفية والحياة الاجتماعية للبلدان المستعمرة وغير المستعمرة، بالإضافة للاستعمار كان للقوة الاقتصادية والفلسفية دور كبير في عولمة هذه اللغة. في مجتمعات العالم النامي كالمغرب، استعملت النخبة الحاكمة هذه اللغة لترابط مصالحهما الاقتصادية أساساً، أما عامة الشعب فقد حاول ونجح إلى حين في تغيير واقعه الفكري والاقتصادي

عربي بوست
تم النشر: 2017/02/07 الساعة 06:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/02/07 الساعة 06:51 بتوقيت غرينتش

من أسس الانفتاح على العالم تكلم لغته أو لغاته المهيمنة على الثقافة والعلوم والسياسة والاقتصاد. ولا يمكن لعاقل أن ينكر أن اللغة الإنكليزية هي لغة الزمن المعول والمعاصر والمستقبل القريب على الأقل. وإنني لأسعد فعلاً عندما أرى جيلاً جديداً من المغاربة حاضرين في ملتقيات علمية كبرى ومساهمين باللغة الإنكليزية بأوراق بحث في تخصصات مختلفة بالعلوم الإنسانية،

أذكر مثالاً الملتقى الخمسيني لجمعية دراسات الشرق الأوسط، الذي نظم شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من سنة 2016 ببوسطن بالولايات المتحدة الأميركية؛ حيث شارك فيه نخبة من المغاربة الباحثين باللغة الإنكليزية. وأقول نفس الشيء عن جيل من الشباب ألتقيهم بالمغرب وخارجه ممن يتقنون الإنكليزية ويعبرون بها بطلاقة، ليس هذا مدحا للغة اخترتها منذ سنوات التعليم الثانوي لغة لتعلمي وعملي بعده،

فقد يكون في اختياري الخاص نوع من الغضب من تفشي الفرنسية بالمغرب دون إتقان أو من تفشي بعض مصطلحاتها دون أن تعرب كما يجب، ودون أن تكون النخبة الحاكمة بالخصوص قد جعلت منها لغة للتنمية الاقتصادية والفكرية.

إن مشكلة التعدد اللغوي معقدة، والجانب السياسي والاقتصادي يؤثر في سيرها بشكل كبير، ولا سبيل لنا في هذه المقالة القصيرة إلا استشكال الوضع ورصد مقاربات تفصيلية له، ولكن ما أود التركيز عليه هو ضرورة الاعتناء باللغات الوطنية دون الاستغناء عن الهويات التي تبنيها. وأوضح ذلك سريعاً في ثلاث نقاط، وذلك بجعل اللغة الإنكليزية لغة الانفتاح على كل الأصعدة، فكرية واقتصادية وسياسية.

أولاً، كانت للغة الفرنسية مكانتها العالمية منذ الثورة الفرنسية وخلال المرحلة الاستعمارية وإلى منتصف القرن العشرين. اكتسحت بها فرنسا الإمبراطورية النقاشات الفكرية والفلسفية والحياة الاجتماعية للبلدان المستعمرة وغير المستعمرة، بالإضافة للاستعمار كان للقوة الاقتصادية والفلسفية دور كبير في عولمة هذه اللغة.

في مجتمعات العالم النامي كالمغرب، استعملت النخبة الحاكمة هذه اللغة لترابط مصالحهما الاقتصادية أساساً، أما عامة الشعب فقد حاول ونجح إلى حين في تغيير واقعه الفكري والاقتصادي. فبالإضافة للغة العربية واللهجات الأمازيغية آنذاك كان للطموحين والمتفوقين من العامة سلك طريق التفوق اللغوي لولوج مناصب مهمة، وكذلك للانفتاح الفكري لمن كان له هم فكري طبعاً.

أما الآن، وبعد دسترة اللغة الأمازيغية – التي أتحدث إحدى لهجاتها شرق المغرب – فإنه يبدو للبعض أن اللغة العربية والعروبيين هم من يضعفون اللغة الأمازيغية. ألم تعش الأمازيغية كتراث شعبي بالعالم العربي إلى الآن؟ وهل كانت قد كتبت قبل الآن ليُتهم العروبيون بأنهم يريدون استئصالها؟ لتجنب الدخول في نقاش مستفيض هنا، أمرر ما أود قوله بالقول إن اللغتين الدستوريتين الوحيدتين هما العربية والأمازيغية، وكل استعمال إداري للغة أخرى فهو أمر غير دستوري وغير سيادي.

لا يمكن الحديث عن السيادة والديمقراطية والدستور يُقفز عليه ولا يُحترم. (يمكن استثناء الخطاب الملكي الذي ألقاه ملك البلاد محمد السادس ورئيس الدولة في أديس أبابا يوم 31 يناير/كانون الثاني 2016 عند عودة المغرب للاتحاد الإفريقي بعد غياب دام 33 سنة، واستعمال اللغة الفرنسية في الخطاب كان استراتيجياً للتواصل بشكل مباشر مع حلفاء المغرب الفرنكوفونيين في إفريقيا من أجل الدفاع عن الوحدة الوطنية المغربية ضد الحركة الانفصالية المسماة اختصاراً بالبوليساريو)، وليس هذا خطاباً ضد اللغة الفرنسية، بل نحن نتحدث عن معاني الهوية اللغوية كما هو متعارف عليها دولياً.

لا أعرف فرنسياً يتحدث الألمانية مع زميله الفرنسي في الإدارة الفرنسية مثلاً، ولا أعرف أو لم ألتقِ ألمانيين يتحدثان اللغة الإنكليزية بينهما. ولكن شاهدت مثلاً إيطاليين كانا مع طلبة غير إيطاليين فكانوا يتحدثون الإنكليزية للتواصل، ولما انصرف الأجانب غير الإيطاليين قلب الإيطاليون اللغة من الإنكليزية واستمروا في الحديث بالإيطالية، أما بعض المغاربة في بعض المؤسسات العمومية فليس لديهم مشكلة في أن يتحدثوا بالفرنسية مثلاً، ذلك حق خاص بهم خارج الإدارة الوطنية، أما وهم بداخلها فواجبهم استعمال اللغة الوطنية.

يحتج عدد من المغاربة المزدادين بأوروبا بأن بعض الإدارات المغربية المعنية بالمهاجر تنظم لهم ملتقيات حول الهوية واللغة ولكن باللغة الفرنسية أحياناً! تعجب هؤلاء المغاربة الأوروبيون لهذا؛ لأن الهوية والسيادة تتم عبر اللغة، وفي بلدانهم الأوروبية هم معتادون على أن يتكلموا اللغة الوطنية في الإدارات.

ثانياً، نحتاج في مؤسساتنا الجامعية والبحثية إلى إدراج اللغة الإنكليزية في كل التخصصات؛ لكي يتمكن الطالب من ولوج العالم والاندماج فيه باللغة الإنكليزية، بالإضافة إلى لغاته الوطنية.

يجب أن توسع الدراسات الإنكليزية بالجامعات لتصبح دراسات بالإنكليزية – و لا داعي للقول إن إدراج اللغة الصينية من الاستراتيجيات أيضاً. إن العامة من المغاربة الذين يودون متابعة دراستهم مثلاً في الأنثروبولوجيا أو الفلسفة أو الجغرافيا والطب والدراسات الإنسانية والعلوم الدقيقة عامة يتوجهون غالباً نحو فرنسا وبلجيكا أو كندا، مما يمنعهم من الحصول على منح للدراسة تمنحها دول أوروبية وغير أوروبية أخرى كثيرة. وقد يضطر الطالب بفرنسا إلى الاشتغال لساعات طويلة لربح قوت يومه؛ ليتمكن من متابعة الدراسة، وقد لا يتابعها في آخر المطاف؛ لأن المسير الدراسي طويل وشاق، فيضيع جهد الفرد ورغبته في العلم مثلاً.

والسبب لأن الإمكانيات التي فتحتها له اللغة الفرنسية ضعيفة بمقابل ما توفره اللغة الإنكليزية، إن هذا يعد تدميراً لطاقات بشرية كثيرة، والدولة مسؤولة عن حسن تكوين مواطنيها.

لا يمكن أن نطلب من عامة المغاربة تعليم أبنائهم بالمدارس الخاصة – الضعيفة التكوين والبيداغوجية عموماً، وإن وجدت واستفحلت في المجتمع كما نعرف. إن سجن التلميذ أو الطالب في تعلم لغة غير دولية إحباط لقدرات الشعب ورفض لتغيير التراتبية في المجتمع.

والديمقراطية تحتاج لحركية اجتماعية، ولقفز الفرد من حالة اقتصادية وفكرية إلى أخرى عبر التعليم وفرص الشغل؛ لذلك فإننا نرى أن تتوسع تخصصات شعبة اللغة الإنكليزية بالجامعات المغربية؛ لتصبح من المواد الأساسية في كل الشعب والتخصصات الأخرى، سيحتاج هذا لاستثمار كبير من الدولة، ولكن ذلك واجبها، مع فتح الباب للقطاع الخاص ومراقبته لكي لا يسرق جيوب الشعب،

كما يفعل الآن في القطاعات التعليمية الابتدائية. أما قوة اللوبي الفرونكوفوني الذي يقف ضد مثل هذه المبادرات فذلك من أكبر المعيقات إن لم يكن أكبرها! لذلك فللقطاع الخاص الذي له غيرة على الوطن والشعب والهوية أن يلعب دوره الفعال في الاشتغال باللغة الإنكليزية وتقوية حضورها تدريجياً في المدارس والمنتديات والمكتبات ودور النشر والاشهارات والإذاعة والراديو.. إلخ.

ثالثاً، يضاف للعوامل الفكرية والهوياتية أعلاه الجانب الاستراتيجي للمغرب.

يبدو أن مغربنا الغني لا يريد أن يعتني بالجديد وبثروته البشرية من أجل مجتمع قوي فكرياً واقتصادياً وسياسياً. كيف يعقل أن بلداً له قضايا ترابية كبرى ليس له مراكز أبحاث باللغة الإنكليزية تقدم تاريخ هذا البلد، وفكره وفلسفته وموسيقاه، وكل تراثه الغني للقارئ في العالم بلغة العالم، وبلغة النقد أيضاً! إنه لأمر عجيب فعلاً. ما دامت المؤسسات المعنية لم تفتح هذه الأوراش بهذه النظرة المنفتحة فإننا لا يمكن أن نتحدث فعلاً عن مغرب منفتح وديمقراطي يمكن أن يكون رائداً في المنطقة العربية أو القارة الإفريقية. إن الريادة بدون شعب يقرأ وفكر منفتح أمر صعب المنال، إلا إذا كانت ريادة قسرية وقاسية على الوطن بالداخل.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد