كثير من العقول الجبارة والأدمغة المستنيرة قد جربت أن تتنبأ، لكن الزمان طرحها أرضاً وبكل قسوة، فلاسفة كبار وساسة عظام لهم تجارب ميدانية ونظرية كبيرة، ومع هذا لم تصدق نبوءاتهم، ورغم أن الأمور كانت تمضي نحو تحقيقها، فإنها انقلبت رأساً على عقب.
في أوروبا كان الناس يعملون 12 ساعة في اليوم، أسر بكاملها ومع ذلك لا يستطيعون توفير قوت اليوم، وذلك لضعف الراتب ومع قسوة العمل وخطورته، وفي هذه الظروف الصعبة تنبأ اثنان من أكبر العقول في القرن 19 كارل ماركس وفريدريك إنجلز، في البيان الشيوعي، تنبأ أن أول دولة ستقود الثورة الشيوعية هي ألمانيا، ليس هناك ما هو أكثر منطقية من هذه النبوءة، ولكن مع ذلك لم تتحقق رغم مرور 169 سنة، وتنبأ ماركس بعدها بسنة فقال إن الجمهورية الحمراء تبزغ في سماء باريس، واليوم قد مر أكثر من قرن ونصف ولم تبزغ هذه الجمهورية.
كان نابليون بونابرت من أعظم القواد عبر التاريخ، تنبأ بأنه لم يكتب له غير الغلبة الساحقة على من في الأرض، وبعدها بقليل كذب الزمان نبوءته، صار نابليون سنة 1815 مع جيشه العظيم الذي قهر به أوروبا ليقضي على من بقي من أعدائه، ولم تمضِ سوى أيام قليلة حتى هزم على الأراضي البلجيكية؛ ليفر ويلقى القبض عليه من الشرطة السواحل البريطانية.
تنبأ أدولف هتلر في خطابه الذي ألقاه بميونيخ في 14 مارس / آذار سنة 1931، قال إني سائر في طريقي واثقاً تمام الثقة بأن الغلبة والنصر قد كُتبا لي، واليوم الكل يعلم ماذا كتب للزعيم النازي من خزي وعار، وسط هذا الجمع من المتنبئين لم نجد غير القرآن وحده هو من صدقت نبوءته.
فإذا كان ماركس وإنجلز تنبآ بثورة والشعوب الأوروبية تعاني من الفقر والمرض والجهل، ونابليون تنبأ بأنه لم يكتب له غير الغلبة على مَن في الأرض وهو منتصر على كل أوروبا، فإن القرآن تنبأ بنصر وتمكين للمسلمين وهم فارون من أرض الوطن بلا مال ولا مسكن ولا عمل ولا سلاح، والقبائل العربية كلها متحدة ضدهم، والأرستقراطية اليهودية تحرك أموالها؛ لكي تجهض الحركة المحمدية، والمنافقون يتربصون بالداخل، وفي ظل هذه الأوضاع البائسة وهذه الإمكانيات الصعبة، وفي هذه الصحراء وهذا الحصار يتنبأ القرآن بنصر وتمكين.
إنه ليس هناك ما هو أكثر بعداً من تحقق هذه النبوءة، إن هذه المعطيات لا تجعل الهزيمة أمام العين، ولا توحي بأي نصر أو تمكين، ومع ذلك ينزل القرآن ليبشر المؤمنين: "كَتَبَ اللَّهُ لَأغلبنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِي عَزِيزٌ" (المجادلة: 21)، وقال أيضاً: "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إلا أن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (التوبة: 32)، ولم تمضِ إلا سنوات قليلة حتى كانت الجزيرة العربية بأكملها تحت قبضة هذه الفئة الفقيرة الجائعة، وفي هذه السنين القليلة كانت قد أسقطت أكبر إمبراطورية في ذلك العصر فارس، وألحقوا الهزائم بالأخرى الروم، لم يصدق كارل ماركس ولا إنجلز ولا نابليون ولا هتلر وصدق القرآن، أليس هذا برهاناً على أنه كلام الله، وليس بكلام رجل أمّي لا يعرف الكتابة ولا القراءة.
النبوءة الثانية كانت بخصوص معركة وقعت بين الإمبراطورية الفارسية وهم عباد الشمس، وبين الروم وهم من أتباع المسيح عليه السلام، فانهزم الروم أمام الفرس، وأخذوا منهم كل بلاد الشرق وغرب العاصمة وأنطاكية والقدس والعراق والشام وفلسطين ومصر وكل آسيا الصغرى، ولم يبقَ للإمبراطورية الرومانية غير العاصمة، وهي تحت الحصار، وفي هذه الأثناء سفك الفرس دم 100000 مسيحي، وكان شعب الإمبراطورية في العاصمة خائفاً من زحف الفرس، والإمبراطور هرقل لم يعد همه إلا نجاة بجلده، فكان يستعد للفرار إلى قصره في قرطاجة.
وهنا فرح كفار مكة؛ لأن الفرس عباد الشمس قريبون منهم، فيما الروم لهم وحي وكتاب ويؤمنون بالله وهم قريبون من المسلمين، وعندما استبشر الكفار بأنهم سينتصرون على المسلمين كما انتصر إخوانهم، هنا ينزل روح القدس بقول الله تعالى: "الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أدنى الأرض وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمر مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" (الروم: 1 – 5 ).
وعندما نزلت هذه النبوءة لم يكُن هناك ما هو أبعد منها، ولكنها تحققت في بضع سنين، كما قال رب العزة، فهرقل هذا كان ساقطاً عسكرياً؛ لأنه خسر كل الإمبراطورية، فهو لم يستطِع مقاومة الفرس بكل جيشه، فكيف بجيش العاصمة فقط، وساقطاً سياسياً؛ لأنه كان قد تزوج ابنة أخته، وهذا محرم في الدين المسيحي، ولكي تتصور حجم السقوط السياسي والعسكري لهرقل انظر ماذا أرسل له كسرى: من لدن كسرى الذي هو أكبر الآلهة وملك الأرض كلها إلى عبده اللئيم الغافل هرقل، إنك تقول إنك تثق في إلهك، فلماذا لا ينقذ القدس من يدي؟
وبعد هذه النبوءة تحول هرقل من رجل أبله لا يعلم ما يصيب ملكه لا يهمه غير الشهوات والكسل، إلى رجل حرب وتقي، فقد ترك ابنة أخته التي كان قد تزوج بها ليستعيد مجد روما، بعد أن كان همه الواحد هو الفرار، فإذا به يشن 6 حروب على الفرس لم ينهزم في واحدة منها، وبعدها شن 3 حروب أخرى فانتصر فيها أيضاً، حتى انتهى الأمر بالإله كسرى، كما قال عن نفسه، سجيناً ليدركه الموت في يوم سجنه الخامس.
أما آن الأوان أخي أن تعود للإيمان، وأن تستمسك بجملة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، فليس من الحكمة أن يضل المرء طريقه لحقيقة مثل هذه، إني أدعوك للإيمان.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.