.. ثم جاء صوت البحر، تلاطمت أمواجه في أذنيك، لحظة خرجنا من الجامع الكبير، طوال الطريق من القدس كان هذا ما يشوقك، ومن محطة الباصات العجوز إلى دوار الساعة كنت تشتم رائحته بين ثنايا الرطوبة التي غمرت سماء جنوب "تل أبيب" في يوم تموزيّ قائظ.
على استقامة حادة ضلّت طريقنا، طويلة كفاية بما ضمته جنباتها، البنايات الهرمة والوجوه الغريبة كلها تغويك بالتصفح فيها، برغبة مجبولة بخوف يكبت الشوق، فالشرطة تصطاد الغرباء الجدد من نظراتهم الظمأى كأنها أديس أبابا!
أتذكر شمال "تل أبيب" التي تُهنا فيها قبل عام؟ من قال إن المدن تعوزها الجدران لتقسم عالمين فيها.. السود واليهود؟
لمثلك القادم من وراء الجدران لم تكن عيادتها سوى تتمة ما بدأه "تيرو" في (رحلة إلى جوهانسبرغ)، لولا أنها تأخرت عشرين سنة.
لم يكبّك الشرطي على قلنديا/"مكابيم" كعادته.. تركك تمضي بعيداً عن الحاجز من داخله؛ ليلقنّك أن الخروج من البلاد لا يضاهي دخولها.. دون أن يدري أن الذي بقي عليك رمل من الشاطئ الذي غرقت فيه، وبقي فيك ذكرى نشوة صامتة؛ لأنك حضرت يوماً غروب شمس بحر يافا.
ملاحظات على هامش ما سبق: التدوينة لن تكون مفهومة للبعض ممن هم خارج فلسطين، فكرتها كانت أن مدينة "تل أبيب" نفسها كان واضحاً فيها الفرق بين شمالها الذي يسكنه اليهود فقط، وجنوبها القديم الذي يعاني من عنصرية تجاه المهاجرين السود من إفريقيا؛ حيث يشكلون نسبة كبيرة نسبياً، نقطة أخرى بالفعل تستخدمها الشرطة الإسرائيلية لتمييز سكان الضفة الذين يدخلون دون تصاريح من خلال نظراتهم.
طبعاً مدينة يافا تبعد عن مكان سكني غرب رام الله نصف ساعة بالسيارة، لكن بسبب الجدران والحواجز احتجت لسنة كاملة حتى تمكنت من الوصول إليها، نقطة أخيرة التمييز تجاه بعض السكان سواء كان إجبارياً أو اختيارياً مثلاً لفترة منع العمال الفلسطينيين من الركوب في باصات مع يهود، يشابه الوضع الذي كان في قصة (بيفرلي نادو) بعنوان رحلة إلى جوهانسبرغ؛ حيث كان يمنع على السود ركوب باصات البيض، وفي النهاية الصورة المرفقة (تحمل رسالة متكاملة مع نص التدوينة)، وأتمنى في حال نشر التدوينة أن تكون معها، هي لي قبل ساعات من اعتقالي من الشرطة يومها في محطة الباصات بتهمة الدخول إلى "إسرائيل" بدون تصريح.
أتمنى أن تجدوها مثمرة وذات رسالة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.