دائماً ما نجيب بكلام لا يشبهنا، ولا يعبّر عنا، دائماً ما نجبر أنفسنا على السكوت، مع أنه بداخلنا أكوام من الكلام المخزون، وحتى لو تجرأنا وتحدثنا، نجبر أنفسنا على أن نقول كلاماً بارداً سخيفاً يتناقض مع إحساسنا.
الإحساس الذي نراه ضعفاً، وأن الحديث عنه والتعبير عنه عيب، الإحساس الذي نؤخر الإفصاح عنه، مع أننا بحاجة ليصل للعالم كله، بحاجة ألا يظل بداخلنا، قُل شعورك في هذه اللحظة فقط، لا يهم ما كنت تشعر به قبلها أو بعدها، إننا أبناء هذه اللحظة.
نحب ونخاف أن نخبر مَن نحب بذلك، ونمل ونتعب من أحدهم، ونخجل من أن نخبره بأننا لم نعد نتفق، وأن مشاعرنا تجاهه تغيرت، ونكابر ونخاف، ونستمر في العلاقة معه، لمجرد أننا نخاف من نهايتها، نخاف من ألا تستمر الحياة دونه، وينقطع الأكسجين عن الرئتين.
نضحك فقط حتى لا يرى آخرون دموعنا مع أننا بحاجة لمن نرتمي في حضنه، ونخبره بحزننا، نكتب رسالة طويلة، رسالة حب، وربما عتاب أو اشتياق، أو بوح، ونمسحها قبل إرسالها، نقف كثيراً أمام رقم في الهاتف، تجتاحنا رغبة غريبة في أن نحادث صاحب ذلك الرقم، وأن نخبره عن أشياء كثيرة قد لا تهمه، لكن يهمنا نحن أن ينصت إلينا، قد لا نتصل، وقد نتصل، ونحادثه عن أحوال الطقس أو عن صديق ما، أو عن العمل، أي شيء إلا ذلك الشيء الذي يجول في صدرنا.
نزور مكاناً ما لا يعجبنا، ونقضي اليوم مع أشخاص لا يشبهوننا، ونشتري ملابس لا يستهوينا لونها، فقط كي لا نكسر الطرف الآخر، ولا يهم انكسارنا وحزننا.
نفكر في الآخرين، في مصائبهم، قد لا ننام الليل؛ لأنهم ليسوا بخير مع أننا لا نستطيع أن نخبرهم بذلك أننا نفكر بهم، ويعنون لنا الكثير، فيظنون أننا لا نهتم بهم.
نتزوج لأنهم قالوا لنا تزوجوا، ونترك من نحب فقط؛ لأنهم قالوا لنا إنه لن يصلح كزوج، ونفارق حبيباً؛ لأننا نسمع دائماً أن للحب نهاية، كما له بداية، وأن الزواج يعني أن نفكر بعقولنا لا قلوبنا، نتزوج ونعيش حياة بعيدة عن الحياة، حياة كئيبة؛ فقط لأن كل الأزواج الذين نعرف يعيشون في نكد وغم وهم.
على فكرة.. الحياة ليست بتلك القساوة التي تظهر لنا، نحن من نجعلها كذلك، ومن نختار أن تكون كذلك، من نعقد الأمور مع أننا باستطاعتنا أن نقول لبعض كلمة جميلة دون سبب، أن نقول كل الكلام الذي أخفيناه عنهم دون سبب، كل إحساس صادق ينبض به قلبنا عند رؤيتهم.
لا تنهِ علاقتك بأحد ما دمت أنت لا تريد، ما دام وجوده في حياتك مهماً، حارب العالم لأجله؛ لأنك قد لا تقابل شخصاً مثله مرة أخرى، لتعلم أن ما أنت ساع إليه ساع إليك، أيضاً كما قال جلال الدين الرومي، ولا تجعل حياتك واقفة على كلمة منك، على رسالة كنت تنتظرها، ووصلتك، وستموت لترد عليها، لكنك غاضب من صاحبها، وفي نظرك جوابك عنها، هزيمة لا تجعلها واقفة على فراق وابتعاد، أنت اخترته وندمت عليه، لاحِق الحياة، لا تحتاج كل هذه التعقيدات بكثرة، ما تحتاج أن نعيشها بشجاعة، نحن من نقهر ونعذب أنفسنا، الحياة لا دخل لها بذلك، أخبروا بعضكم البعض عن الحب والاهتمام والمشاعر الكثيرة التي نكنّها لبعض، أخبروهم بها الآن قبل أن يفوت الأوان قبل أن ينتهي شغفها وسحرها، فيعودون لا بحاجة لها ولا بحاجة لكم، لا تؤخر مشاعرك ولو لدقيقة، أرجوك فقد لا تمنحك الحياة دقيقة أخرى لتعبر عنها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.