أوقفُ المنبّه المزعج، أغادرُ الفراش وأنا أتمتم بأدعية الصباح مصحوبة بدعوات التوفيق في الدراسة وتحقيق الأحلام الوردية، يا ربّ إن لم يكن كذا وكذا خيراً فاصرفه عني، يا رب اجعل خطواتي فيه مباركة، ولا تعلق قلبي بأشياء ليست لي، فقد سئمت الإحباط.
منذ نعومة أظافري وأنا مزعجة، يتذرع الجميع من كثرة أسئلتي حول كل المواضيع، لكن هناك من يقول إن فضولي محبوب، وعليَّ الاستمرار في التساؤلات كي أصل في نهاية المطاف إلى جواب، لا أستطيع أن أعيش دون أن أشك وأتأمل في ماهية الأمور حولي، لديَّ أحلام كبيرة وأهداف ضخمة تتطلب الجهد لتحقيقها، لست خائفة من الجهد الذي على بذله من أجل الوصول، فإني على أتم الإيمان أن لا تميز يأتي في غياب الجد والمثابرة، لكني بت خائفة من القدر الذي لا قوة لنا حياله، فأحياناً نعمل كثيراً، نقدم أفضل ما نملك، نسهر الليالي، نضحي ونتذوق المرارة من أجل ذلك الحلم، لكننا في النهاية نفشل، نهان، ونغدو خاسرين بعد أن غادر الحظ مشارفنا.
الآن أعود إلى تساؤلاتي من جديد: أين هي تلك العبارات التحفيزية التي يرفعها الجميع إلى مسامعنا في أوقات الشدة؟ يتكلم الناس عن الفرج وكأنهم صانعوه، يشحنوننا بجرعات الأمل الخيالية ثم يغادرون وكأنهم لا يعلمون أن هناك ما يحكم أحلامنا غير الأمل.
أنا لا أنكر قوة التحفيز وقدرته على منحنا بصيص الأمل، لا أنفي دور الإيمان بالذات ومؤهلاتها، لكن، مع الأسف عبارات التحفيز أصبحت مجرد كليشيهات متداولة في ألسنة البشر من أجل المواساة لا أقل ولا أكثر. صدقوني نادرا ما تتحقق! كيف لي أن أثق بها بعد كل ما تلقيه من عبارات التحفيز والأمل من والدي وأصدقائي عندما ترشحت لاجتياز مباراة ولوج معهد الصحافة، كان الجميع يظهر ثقته بي ويقول: "أنت ذكية، وسيتم قبولك"… لقد درست من أجل هذه المباراة، و"مَن جدَّ وجد"، وإذا بي أصدم في النهاية بغياب اسمي من لائحة المقبولين.
يجمع معظم الكتاب والروائيين العالميين على أن لا حدود لأحلامنا، وأننا نستطيع أن نبلغ بها عنان السماء طالما كنا مؤمنين بها، لكن أين هي الواقعية يا أصدقاء؟ لا تعارضوا ولا تقولوا إن الصواب هو الإيمان بأن المستحيل قد يحدث يوماً، وإن معجزة قد تنزل من السماء كي تفرج همك وتحقق أمنيانك، نحن بصفتنا بشراً نهرب بأحلامنا من الواقع، عندما تقسو علينا الأقدار ويصعب علينا الاحتمال، غالباً ما نشد رحالنا ونسافر بقلوبنا وعقولنا لعالم الخيال حيث الراحة والأمان والاطمئنان؛ حيث نلقى أحلامنا ماثلة أمامنا، فتلك هي السعادة والرفاهية، تلك هي الجنة على الأرض.
اليوم، بعد كل تجارب النجاح والفشل التي مررت بها في حياتي، بعد كل ما فعلته من أجل ذلك الحلم الذي لم يتحقق بعد، أجد جواباً لسؤالي وأكتب عن قراري بأن أصبح إنسانة واقعية.
أخاطب نفسي وإياكم بالجد والعمل في نطاق الصواب والواقعية، لست أدعوكم إلى أن تتخلوا عن أحلامكم، أو تتشاءموا في تحقيقها، لكن هناك دائماً خط أحمر نصل إلى مشارفه ونتوقف؛ لأنه لا جدوى من أمل قد يؤدي في نهاية المطاف إلى صدمة أخرى أكبر من عدم تحقق الحلم.
وفي الختام، أود القول إنه لا شيء مستحيل، فقط ترجمتنا للأحلام في الخيال هي المستحيلة، ففي الحلم، يمكننا القفز من ناطحة السحاب لننزل سيراً على الأقدام، أما في الواقع، ستكون قفزتنا الأخيرة، لكن إذا فكرنا بصواب وقررنا القفز بعد اتخاذ أساليب النزول الآمن، سيكون تدبرنا لأحلامنا واقعياً، وسنعمل على تحقيقها دون صدمات.
وفي النهاية، تبقى أحلام المرء برهاناً على رغبته في غد أفضل، وأكثر إشراقاً؛ لذا من الأفضل أن نحلم بعقلانية!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.