الهدف الذي صنع من أبو تريكة إرهابيّاً

آلام وصرخات الفلسطينيين لم تجد الآذان إلاّ في كان غانا 2008، كان لا بد لأبو تريكة الذي عشقه الفلسطينيون والعرب أكثر من كره نظام السيسي الانقلابي له، موقف التضامن الجليل لأبو تريكة مع إخوانه المحاصرين في غزة، كان يعلم أنه سيحاسب عليه ولو بعد حين

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/20 الساعة 03:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/20 الساعة 03:46 بتوقيت غرينتش

في وقت كانت فيه غزة محاصرة حتى الاختناق، كانت أعين وقلوب العرب والمصريين متجهة ومصوبة نحو ملاعب غانا كثيفة العشب؛ حيث كانت تجري منافسات كأس إفريقيا للأمم 2008، بينما كان قلب وعقل أبو تريكة في "غزة هاشم" كان في لحظة جسده الرشيق يداعب الكرة بمهارة غير معهودة، كان جميع العرب من البحرين إلى المغرب الأقصى يتغنون بالساحر أبو تريكة، لدرجة أن كل مَن عنده حساسية من منتخب الفراعنة، يقف عند الساحر ويبتلع ما أوتي قلبه تجاه منتخب الساجدين.

في تلك المباراة سطع حب أبو تريكة ليبلغ مداه، كيف لا وهو من تحدى الفيفا قبل الكاف؟! كيف لا وهو من تحدى الصهاينة قبل أن يتحدى نظام مبارك؟! وأخيراً كيف لا وهو من تذكر إخوانه في غزة في وقت نسيهم العالم أجمع؟! رغم أن المباراة كانت ليست ذات أهمية كبيرة للفراعنة، رغم أن المباراة كانت مع الأشقاء السودانيين، ورغم أن أبو تريكة لم يكن لاعباً أساسياً قبل تلك المباراة،

فإن الماجيكو أراد تلك المباراة أن تكون للتاريخ، الدقيقة الثامنة والسبعون أرادها تريكة أن تكون خالدة في تاريخ نضال العرب ضد الصهاينة، نتيجة كانت تشير إلى تفوق الفراعنة بهدف مقابل صفر أمام صقور الجديان، في وقت كانت فيه المباراة تعيش نوعاً من الجمود والركود، يطلق المدافع كرة نحو رأس الحربة، الذي لم يرَ سوى أبو تريكة ليمرر له الكرة، لتصل إلى الفنان ومالك قلوب العرب والمسلمين قبل المصريين،

يتلاعب الساحر بالدفاع في لحظة كانت فيها قلوب المصريين والغزاويين تخرج، كان هدوء الساحر يبشر بعاصفة، لن يستحملها غير الأشراف من العرب والمصريين؛ ليصيح الجميع هدف إنّه هدف.

ردّ فعل كل لاعب مصري حين يسجل كان السجود، لكن أبو تريكة كان مختلفاً عن الجميع، كان متيقناً من التسجيل، لم يكن أحد يعلم أن أبو تريكة كان يرتدي قميصاً داخلياً مكتوباً عليه باللغتين العربية والإنكليزية، كأن أبو تريكة كان همّه مخاطبة العالم أجمع وليس إيصال رسالة لمصر وللعرب، رفع قميص منتخبه مغطيّاً وجهه البشوش، لتظهر للملأ مفاجأته.

في تلك المرحلة كان يعيش الفلسطينيون في غزة عامهم الثاني في الحصار، كانت أوضاعهم كارثية، والأسوأ من ذلك كان موقف العرب وربانهم إبّان ذاك الوقت حسني مبارك، كان التواطؤ العربي والمصري مع الاحتلال في تجويعهم وإخضاعهم يؤلم الغزّاويين أكثر من ألم الجوع نفسه،

وكان المتنفس الوحيد والشريان النابض لقلب غزة هو منفذ ومعبر رفح، أحكمت السلطة المصرية بقبضتها النارية الحصار، ومنعت السلطات المصرية جميع التفاعلات والنشاطات التي تخص التنديد والتضامن مع القطاع، إلى حد أن وصل بأهل غزة إلى قطع الأمل بتضامن يأتي من خارج حدود مدينة غزة.

آلام وصرخات الفلسطينيين لم تجد الآذان إلاّ في كان غانا 2008، كان لا بد لأبو تريكة الذي عشقه الفلسطينيون والعرب أكثر من كره نظام السيسي الانقلابي له، موقف التضامن الجليل لأبو تريكة مع إخوانه المحاصرين في غزة، كان يعلم أنه سيحاسب عليه ولو بعد حين، حين لم يطل،

فبعد تسع سنوات من الملحمة، أراد السيسي أن يحوّل البطل إلى إرهابيّ كما فعل مع سابقيه، فأصدرت محكمة جنايات القاهرة تهمة الإرهاب لشخص محمد أبو تريكة، الإرهاب صار عند السيسي وجَمعِه، هو التضامن مع الفقراء والمحتاجين والمحاصرين.

لا ولم أستغرب تهمة الإرهاب التي أصدرها حكم السيسي في أبو تريكة؛ لأن إرهاب أبو تريكة جعله المحبوب والمعشوق الأوّل لدى العرب وحتى العجم.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد