طفلة أنا في عينَي أمي، عالة وفتنة في نظر مجتمع يقيّدني، لكنّني أبقى حرة طليقة في سماء خيالي، خيال أرسمه بحبر من الأمل والتفاؤل.
سمَّوني "فرح"، فصرت ألعن فرحاً امتلكته كاسم، لكنني لم أشعر به يوماً.
أملك من الطّموح والإرادة ما يجعلني أؤمن بأحلامي، وبأنني لن أكون يوماً كما كانت أمي ومن قبلها جدتي، لن أكون كما أرادوا لي أن أكون.
لست أطمح إلى زواج كلاسيكي، وبحفل زفاف ضخم يجد من خلاله الأقارب فرصة للنّميمة في حضرة أغانٍ مستهلكة، وابتسامات مصطنعة توهم بالفرح والانتشاء.
كما ليس في حساباتي أن أتخلّى عن تلك الـ"أنا" التي لطالما رسمتها في مخيّلتي، ولطالما حلمت أن أكونها يوماً ما.
لا أضيّق سقف طموحاتي إلى بيت صغير وزوج وأطفال ومطبخ جميل، فأنا لا أرى في هذا ما يجعله حلماً؛ بل هو حقّ مستحقّ، ولطالما آمنت أن الأحلام هي تلك التي ليس بمقدور أي كان أن يبلغها، وإلا لما سميت أحلاماً.
فأنا ورغم أنهم يرون الحب من منظورهم الدّونيّ، فمنهم من يعتبره عين الشبهات، ومنهم من قال في حقّه فتاوى باسم الدين، غير أنني ما زلت أطمح إلى أن تربطني بزوجي المستقبلي قصة حب وصداقة معاً.
لن أصبح طبيبة؛ لأن والدي يرغب بذلك، ولا مهندسة معمار لأرفع رأس أهلي بين الحشود، لن أدرس التّاريخ فلا خير في تاريخ لن يغير حاضري، سأكون كما أردت أن أكون دوماً، سأغنّي تراتيل العشق عندما أهيم حباً بأحدهم، وسأكتب نشيداً من أجل وطني، أتغنّى به دون مناسبة، سأرقص على نغمات ضجيجهم المزعج، عنفواناً وكِبراً.
سأضع مساحيق التجميل التي اشتريتها خلسة، وأرتدي ذلك الفستان الأسود المثير الذي وبّختني أمي عند شرائه؛ لأنه يظهر مفاتني، سأتزين كما تزيّن العروس، لكنني لن أذهب إلى زوج ينتظرني في تلك الغرفة تحت بركات الأهل؛ بل سأنصت لمعزوفتي المفضلة، وأرقص تحت ضوء الشموع في ليلة من ليالي مارس/آذار الباردة، كفتاة ثائرة متمرّدة، كفتاة تملك من الإرادة ما يجعلها قادرة على قول "لا" لتقاليد وأعراف تكبّل طموحاتها، سأصلّي وأحب الله كما يجب له أن يحبّ، وليس كما يخبر ذلك الشيخ خلف شاشة التلفاز.
سأقول "لا" بصوت عالٍ حين أشعر بعدم الرضا، ولن أبتسم في وجه من أكرههم فقط ليقالَ عنّي إنني لطيفة، فأنا لست بذلك اللّطف ولا أدعي البراءة.
لن أرضى بحب باهت، ولا بصداقة مبهمة تفاصيلها، سأكون "أنا" بما أحمله من مزايا ونواقص وعُقَد.
سأعرِّف ابنتي على قصائد نزار قباني منذ نعومة أظافرها، سأدعه يعلّمها كيف تحب نفسها كما يجب لها أن تحب، سأخبر طفلي أن الحب صلاة، وأن الابتسامة عبادة.
سأتمرد على القبيلة وعلى تقاليد جعلت منّي شيئاً مثيراً للشفقة والخزي معاً، تقاليد قيّدت رأيي وألبستني ثوب اللّاحرية.
بداخلي طفلة بنقاء قلبها، وسذاجة أحلامها، نقاء لا يعكس على ملامحي البدوية التي أخذت من حقارة العالم نصيبها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.