مرَّ اليوم الوطني للسجين مرور الكرام، لم يحرك السواكن، اللهمَّ من فئة أخذت لها ركناً بالمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط؛ لتطل على نخبة النزلاء الذين أبدعوا في ميادين مختلفة؛ المسرح والغناء والشعر وفنون أخرى لا تعنينا في تربيتنا اليومية بقدر ما يعنينا طرف "الخبز"؛ لنحتاج للإطلال عليها عبر العبور من ذلك النفق بعد خطأ عمدي، وغالباً غير ذلك، نفق السواد الاجتماعي عندما يتوقف الزمن، ويؤشر على ملف هويتك وتوصم بـ"الحباس".
صعدت قشدة النزلاء ونخبتهم ممن تفوقوا خلال سنة 2016 من بين سجناء المغرب -صعدوا- ركح المسرح؛ ليصرخوا، ليلعبوا، ليسردوا، وليستظهروا كلمات حفظوها من مؤلف يوناني، وتبادل فيها زيد وعمر أقطاب الحديث في لباس المصارعين، وليطل عليهم نسر في تركيبة مسرحية تأبى أن تفهم للممثلين أنفسهم أو على الأقل أن تنأى بطيور أحبت أن تغرد خارج القفص.
لوحات فلكورية أدمت القلوب أكثر مما أضحكتها ومشاهد لأشخاص يتشبثون بالأمل، ينحنون عند ختام الدور، وينسحبون نحو الظلام، أحداث المشاهد مرت تحث أنين طفلة ذات أشهر قليلة حلَّت متفرجة رفقة عائلتها الكبيرة التي أتت لتعانق فرداً منها أبدع في قصيدة شعرية خلف القضبان، هالتني العائلة ونحيب الفتاة التي جلست بمقربتي مذ أن صعد قريبهم المسرح، أكرهت نفسي على تمعن الأبيات، فأبت إلا أن تسمع نحيباً يمزق الأحشاء، وتنظر لدموع انهمرت في مشهد اختلط فيه الفخر بالحزن بالأسى بلحظة تتويج سجين حملوا إليه الرضيعة؛ لتشهد أن قريبها رغم أنه سجين فهو مبدع وشاعر.
الابتسامة التي كانت تعتلي الوجوه المنظمة للحفل، والتصفيقات المشجعة التي كانت تتعالى بعد كل عرض لم تستطِع أن تمحو أو تخفي الأسى عن حال شباب لم يعرف للفنون طريقاً حتى ولجوا السجن، شباب أخطأ في لحظة سهو، في عمر الطيش، في زمن التنكر الاجتماعي والأخذ بالحضن، في وفي وفيهات كثيرة، فأستيقظ وأخيراً عندما أقفل الباب وخُتم بالشمع على هويته فسار الوصم لقبه الجديد.
حراسة مشددة تطوق المكان، والشرطة بزيهم الجديد يتابعون الأشخاص أكثر من متابعتهم للمشاهد، متأبطين أسلحتهم وعلى أتم الاستعداد، والمنظمون يقذفون بكل مبدع نحو الخشبة، والمقدم يستلطفهم؛ ليظهر لهم أن العالم جميل، وأنهم مبدعون، لوحاتهم عادية أقرب إلى الروتين الذي يقتل طموح الشباب، غير أنها لحسن الحظ موجودة، استغربت إن كانت هذه عروض نخبة النزلاء فكيف هي عروض العامة؟ هذه الأخيرة التي تأبى أن تشارك في الغالب في أنشطة كهذه ليس لأنها لا تجيد ذلك، بقدر ما أنها أتقنت أدواراً في مسرحية كبيرة اسمها الحياة، وأخذت فيها البطولة، وانعرجت لتكمل حكايتها خارج سيناريو المؤلف، الذي عادة ما يكيف الشخصيات والأحداث قدر الممكن ليخرج عن المألوف والعبث.
لو أنهم جسَّدوا حكاية واحد منهم في كلمات لكانت أبلغ، ولكانت أبدع، لكن الشخص تيقن أنه رغم كل شيء يمكن أن يصنع من الحزن الفرح، مسرحية من تأليف يوناني بتشخيص هاوٍ مغربي، وسط الكثير من الفوضى المقننة، وسط الحرص الشديد في التعامل، وكأنك تطلب للطير أن يغرد أحسن معزوفة وهو داخل القفص، أنَّى له أن يبدع حقيقة وعينك تراقبه، ويدك على مسدسك إن خرب السمفونية، وعقلك يردد بتهكم "حباس"؟! تركت ستار المسرح ليسدل، وهممت بالخروج مثقلة، فالحكومة لم تشكل، ومصلحة الوطن تستدعي التوافقات، وانتهى الكلام.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.