"أول مرة" عبارة تحمل بين طياتها العديد من الذكريات والأحلام والآمال.. كشعور امرأة بالأمومة بعد انتظار دام سنوات؛ سنوات من الألم الممزوج بالأمل، سنوات من توالي الخيبات؛ ليتحقق بعدها الحلم، أو كشعور طفل اكتملت سنواته الست، فآن أوان أن تطأ قدماه حجرة الدرس لأول مرة، أن يكتشف عالماً جديداً، أن تزداد الأمور جدية أكثر مما كانت عليه في الروضة؛ حيث كان همّه الوحيد ماذا حضرت له والدته من أجل استراحة الغداء.
وهو نفس شعورنا عندما نجرب ذلك الشيء الذي لطالما كان مخيفاً بالنسبة لنا لسنوات طويلة، ثم اكتشفنا بعد تجربته أنه لم يكن يستحق منا كل تلك الأحاسيس التي استنزفناها من أجله، كأن نقف أمام حشد هائل من الناس؛ لنطلق العنان لموهبتنا التي لطالما آمنا بها.
ثم أول مرة يخفق فيها قلبنا بشدة كلما رأينا ذلك الشخص، أو كلما ذكر أحدهم اسمه، وأول كلمات غزل نسجناها من أجله، لكن كبرياءنا منعنا من البوح بها، أو أول قصة حب عشنا تفاصيلها فكان آخرها ألماً أو أملاً.
وأول صداقة حقيقية علّمتنا أن ما كان قبلها مجرد علاقات سطحية لا ترقى لمستوى "الصداقة"، صداقة خضنا فيها دون تخطيط مسبق منّا، صداقة تساوي كل الدنيا بما فيها.
وعند فراق عزيز، يحدث ألا تكون أول مرة تذرف فيها دموعنا، لكنها حتماً أول مرة نكتشف فيها أن الحياة بلا طعم، أنه لم يعُد من سبب مقنع للعيش عدا أن نوفي قدَرَنا، فتصبح الأيام مجرد أرقام.
"أول مرة" قد تشمل أيضاً أول كتاب نقرأه فيفتح شهيتنا للقراءة، لنكتشف هواية أخرى لم نكن نعلم مدى متعتها من قبل.
أو أول مرة قرّرنا أن نتخطى فيها مخاوفنا، وأن نخوض التجربة من أجل بلوغ الهدف، غير مبالين بالنتيجة.
ثم أول مرة قلنا فيها "لا" لأشياء قبلنا بها لفترة طويلة دون أن نكون مقتنعين بها، لأشياء لطالما كانت مصدر إزعاج لنا، لكننا لم نستطِع أن نتمرد عليها وقتها.
وأول حلم سعينا إليه جاهدين؛ ليتحقّق بعد كل تلك التضحيات التي قمنا بها من أجله؛ ليكون لنا الدّافع من أجل مستقبل لا مجال فيه للاستسلام أو الرجوع للخلف.
ومن بين التجارب أيضاً أول مرة نخفق في شيء سعينا إليه وأحببناه بشدّة، لكن الحياة أبت أن تقدمه لنا هذه المرة، إلّا أننا رفضنا أن نستسلم للإحباط والخيبة طويلاً، فاستجمعنا قوانا وأدركنا أن الحياة تجارب، وأن التجارب ليس شرطاً أن تكون ناجحة دوماً، أدركنا أن الحلم إن لم يتحقق اليوم فربما لأنه سيتحقق غداً، وإن لم يكتب له أن تسطع شمسه هنا، فربما ستشرق هناك.
فليتذكر كل منا أولى المرّات التي شكّلت فارقاً في حياته، فليكن هذا الفارق إيجابياً حتى لو لم يكن كذلك فعلاً، فلنتقمّص دور السعداء حتى إن اعتقدنا أنه لا يوجد سبب للسعادة.
دعونا نرى أنفسنا أننا نملك من الشجاعة ما يجعلنا غير خائفين مما بعد لحظات السعادة، وأنهم مهما قالوا إن لحظات الفرح لا تدوم طويلاً، إلاَّ أننا سنجعلها تدوم أبداً.
دعونا نتخيل أننا نعيش في المستقبل، وأن ما نعيشه حالياً، مهما كان صعباً، هو مجرد لحظات عابرة لا محالة.
دعونا نعتبر كل يوم بمثابة فرصة لن يكررها الزّمن مرة أخرى، حتى نعيشه كما ينبغي له أن يعاش، فنجعله ذكرى جميلة من أجل يوم ما في المستقبل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.