شرنقة الحزن

إن الاشتياق والحزن توأمان يتسللان كأفعى ناعمة الملمس تلدغ ضلعك الأيسر ناحية القلب، لترديك شتاتاً يضغطك حتى تختلج أضلعك، وفي محاولة يائسة منك وأنت تحاول جاهداً أن تبحت عن رائحتهم، أن تتذكر بسمتهم، ملامحهم، فتخونك الذاكرة، لكن أبداً لا تنسى كلماتهم، تُتكررها للمرة الألف دون جدوى، وأنت المرتجف قلقاً دون نو، .فلا يسعك سوى أن تبكي على صدور قبورهم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/08 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/08 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

قد تتجول في دروب الوحدة مصادفةً أو مرغَماً، لا فرق؛ ستبكي هنا أو هناك. ربما قد لا تحب ذلك لنفسك، لكن قد تُرغم عليه.

حينما تحس الوحدة وتسبقك دموعك فجأةً، تتذكر كلَّ خيباتك، كلَّ من فارقك، لكن أصعب فراق قد تتذوقه هو فراق مَن لا رجعة لهم. فراق من سرقهم الموت من بين أيدينا.

إن الاشتياق والحزن توأمان يتسللان كأفعى ناعمة الملمس تلدغ ضلعك الأيسر ناحية القلب، لترديك شتاتاً يضغطك حتى تختلج أضلعك، وفي محاولة يائسة منك وأنت تحاول جاهداً أن تبحت عن رائحتهم، أن تتذكر بسمتهم، ملامحهم، فتخونك الذاكرة، لكن أبداً لا تنسى كلماتهم، تُتكررها للمرة الألف دون جدوى، وأنت المرتجف قلقاً دون نو، .فلا يسعك سوى أن تبكي على صدور قبورهم.

وكل مرة تحاصرني رياح الشوق، وتتجمد الكلمات في حلقي، وتغمرني شرنقة الحزن المالح المنسكب على خدي، وتنقطع أنفاسي، ويصير وجهي باهتاً تملأه الزرقة، وعينايَ سوداوان دون بؤبؤ، وتأتيني ذكراك كرمح طاعن يكسر كل جميل في داخلي.. تقتلني تلك الابتسامة وهاتان العينان، وأنا أترقب المارة لعلي أصادف من يحمل العينين نفسيهما أو الابتسامة نفسها، لا لشيء مهم، فقط أشتهي أن أراك أمامي مرة أخرى. لكن، دون جدوي أعود أدراجي، كتائهة بلا مأوى، ضائعة وضعيفة كورقة خريف تعصف بها الرياح.

وعقلي لا يزال لم يستوعب بعدُ فكرة الرحيل، لقد كان ذلك صعباً جداً، لدرجة أني أتخيل أنك ستأتيني؛ لكي تدعوني لأستمع لأحاديثك الطاهرة، أتدري؟ كنتَ دائماً تستمع لترهاتي ولجنوني وأنت مبتسم دون أن تتذمر.. واستمتع بحماقتك وصوتك الهزلي.

آسفة حقاً؛ لم أكن أعلم أن القدر سيسرقك مني بهذه السرعة، وأنت من قرَّر الرحيل صامتاً دونما كلمة "وداعاً" حتى! أتدري؟ كم صرت أكره غرف الإنعاش وتلك البدلات الخضراء التي كنت أُجبر على ارتدائها في كل زيارة لك، وأَكره حد القيء تلك الممرضات التي كانن يتعقبنني بنظرة شفقة توحي بأنك راحل، أكرههن جميعاً، ربما ولم يتسنَّ لي الوقت كي أخبرك بأمور كثيرة يا ابن الخال.. وأنا أحدثك عن عودتك، لم أدرِ أن كلمات المحبة لا تقبل التأجيل. وتلك القبلة على جبين الموت أكثر إيلاماً من كل مآسي هذا العالم.

حين تحاصرني ذكراك، لا يسعني إلا أن أنظر إلى السماء وأنا أرسل لك رسائل روحية لا أحد يعلم عنها شيئاً، هي لك وحدك، متسائلةً: هل رسائلي تصلك حقا؟! هل تسمع أحاديثي التي أحدثك فيها؟! هل الحياة جميلة هناك؟!
سلام لروحك الطاهرة.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد