ماذا يحدث مع الألتراس في المغرب؟

مقاطعة الألتراس في المغرب تشكل الحدث خلال هذا الموسم، التزاما بقرار "اتحاد الألتراس المغربي" (الذي يضم أغلب ألتراس الفرق المغربية)، احتجاجاً على قرار وزارة الداخلية بحل الألتراس في المملكة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/01/05 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/01/05 الساعة 02:45 بتوقيت غرينتش

على غير العادة تسير البطولة الاحترافية هذا الموسم على وقع استثناء من نوع خاص، لا يتعلق بتدابير إدارية جديدة سُنَّت، أو بإصدار قوانين ممارسة اللعبة، وإنما بالعامل المسوق الأول للكرة الوطنية "متهالكة المستوى": الجمهور (أو فئة منه).

مقاطعة الألتراس في المغرب تشكل الحدث خلال هذا الموسم، التزاما بقرار "اتحاد الألتراس المغربي" (الذي يضم أغلب ألتراس الفرق المغربية)، احتجاجاً على قرار وزارة الداخلية بحل الألتراس في المملكة.

الألتراس

قبل تسليط الضوء على المشكلة، لا بأس في تقديم نبذة عن "الحركة"، التي هي روابط ومجموعات لمشجعي الفرق، من ذوي الانتماء والشغف الكبيرين بفريقهم المفضل، تعود نشأتها لأربعينات القرن الماضي بالبرازيل؛ لتجد بعدها أوروبا الشرقية مرتعاً لها ولتطورها، ثم تصل لشمال إفريقيا في بداية القرن الحالي.

تكمن غايتهم في مساندة هذا الأخير بالحضور لجميع مبارياته أينما حل وارتحل، بطريقة تشجيع إبداعية ومنظمة، عبر ترديد الأغاني والأهازيج المصوغة من طرف كل رابطة تشجيع على حدة، على مدار وقت المواجهة، إضافة للتيفوات التي تبتكر من حين لآخر، أما التمويل فحسب عرف الألتراس يكون ذاتياً من خلال عائد بيع المنتجات السنوية وواجب انخراط الأعضاء.

لا يفوتني أن أشير إلى أن مجموع الألتراس المغربي عدلوا في ثقافتهم المستوردة من الخارج بما يناسب السياق الثقافي والاجتماعي والديني في البلاد على مدار السنوات العشر الأخيرة.

ما مكانة الألتراس في الكرة الوطنية؟

فرق بين صدى الكرة المغربية الآن وذي قبل، هنا لا يمكن نكران ما أضافته روابط التشجيع على الدوري المغربي كمنتوج كروي، تغيرت طرق التشجيع؛ لتتطور بديناميكية ونشاط يليقان بحيوية وحماس كرة القدم، فأصبحت الملاعب تشهد توافد الجماهير أكثر فأكثر، تشجيعاً لمن يتغنون بحبه، وأيضاً استمتاعاً بما يجري بالمدرجات.

دون إسهاب في الحديث، يكفينا العودة قليلاً للوراء، ونجرد ما أذيع عقب أكبر المواجهات في بطولتنا المغربية "الاحترافية" من صيت، يستحوذ عليه الثناء والانبهار، بما قدمه "اللاعب رقم 1" بالمدرجات، في ظل غياب الفرجة والمتعة والفائدة الكروية على المستطيل الأخضر.

لكن، ليس كل ما يتسم بالشروق والوردية هو كذلك بأكمله، بداية ثقافة الحركة لم تكن بالوعي والتحضر الذي عليه الآن، فلا يخفى عن أحد أحداث الشغب التي حدثت ووقعت بين الجماهير في عديد المناسبات، استفادت منها الحركة بإعادة ترتيب أوراقها وتطوير تأطير كيفية أعضائها.

حب الفريق بجنون وتعصب، مساندته في أحلك الظروف وأزهاها، حمايته ورعايته، كره منافسك وغريمك "كرهاً رياضياً"، هي أبرز ما تمرره الألتراس لأعضائها، في البدايات بدرجة كبيرة، تلقى العديد من الشباب والمراهقين، بسطحية غاشمة، هذه المبادئ لا جوهرها؛ لنشهد الصدامات بين الجماهير، إثر التعصب المتطرف من بعضهم، وأخرى تسبب فيها "طرف ثالث"، في الأصل هو معنيّ بالعمل على احتواء وتجنُّب الشغب.

قرار الحل

كما هو جلي فتحسن الوضع عن ذي قبل، ارتقى تنافس الألتراس فيما بينها حول ما يهم التشجيع والإبداع فيه، بينما حوادث الشغب هل مُحيت؟ لا لأننا في بلد بتعليم يتهالك وفقر منتشر (يحتل المرتبة 40 عالمياً من حيث انتشار الجريمة سنة 2016).

في الموسم الماضي بعد سبت أسود خلف وفيات، سبقته حادثة شغب الديربي، الكل استنكر وحزن لما وقع، وتمت الإحاطة بالحادثة بشكل "احترافي" إعلامياً؛ لينزل قرار وزارة الداخلية في بلاغ تم تعميمه في جميع ولايات الفرق يقضي "بمنع كافة أنشطة المجموعة المسماة الألتراس المساندة للفرق"، ورد في البلاغ: "نظراً لكون المجموعة المسماة "الألتراس" تعدّ غير موجودة من الناحية القانونية لكونها غير مصرح بها طبقاً لمقتضيات الظهير الشريف، والمتعلق بحق تأسيس الجمعيات، وبالتالي تبقى كافة أنشطتها غير مشروعة وخاضعة للعقوبات المقررة بمقتضى القانون".

بكل واقعية فاضحة، أعضاء الألتراس من المجتمع المغربي "السائر في طور النمو"، يضم نسيجاً يتشكل من أغلبية بسيطة، من مراهقين وشباب ويافعين من فئات مختلفة، أغلبهم من الأحياء الشعبية، بتعليم هش وضعيف ووضع اجتماعي بسيط، وجدوا في الألتراس ورشة لتفريغ طاقتهم والإبداع فيها بالطرق والوسائل التي يجيدونها، ورشة وجدوا فيها شغفهم، تحسسوا فيها أن قيمة ذات شأن لهم؛ ليعيشوا في هذه الورشة حياتهم -حيث وجدوا ذواتهم- وفق النمط الذي تلقونه في حضنها.

ثمار تربية وتعليم أغلبية -مستقبل المغرب- من شريحته الواسعة الشعبية الهشة، معلوم مشهود في حياتنا اليومية (طبعاً مع وجود استثناءات)، سلوك الفرد إن كان ذا طابع إجرامي فاسد، فذاك مما تربى عليه في بيته ومحيطه وبمدرسته، رغم ذلك وجدنا الألتراس في تأطيرها بعد تربوي كبير غير منوط بهم القيام به، عملوا من خلاله على توجيه طاقات وحماس وحيوية أعضائها نحو التنافس إبداعياً، عوض التنافس عنفاً وتقاتلاً، لكن العنف يظل وسيظل في مجتمعنا ما دام الحال بهذا الازدراء فقراً وتعليماً وصحة، والواقع المجتمعي خير مرآة.

المقاطعة

ردت "روابط التشجيع" في الجهة المقابلة على القرار، بقرار مقاطعة جريء، ليس ضد قرار حلها فقط، وإنما سعياً منها لإثبات قيمتها والمطالبة بتحسين ظروف المشجع بالملعب وحفظ كرامته، على حد قولهم.

بدايةً خلال الأربع جولات الأولى، شوهد انخراط جميع الألتراس تقريباً، جعل مشهد الملاعب شاحباً بل أكثر شحوباً من جودة الصورة، بمدرجات فارغة في جل الملاعب الوطنية، تلاه حضور مؤقت لجولتين برسم منافسات الدوري المغربي، ثم معاودة إقرار "اتحاد الألتراس المغربي" إكمال المقاطعة لأجل غير مسمى.

بعد التوقف ومعاودة المقاطعة، لم تعد المقاطعة شاملة وكاملة، بقرار البعض العودة للمدرجات "لمساندة فرقها"؛ لتتعالى معها أصوات تخوين الألتراس المتشبثة بمواصلة نضالها.

ما يحبط للأسف أن طرفَي المعركة غير متوازيَي القوة؛ لذا فرغم فراغ الملاعب من الجماهير في سابقة من نوعها بالبطولة المغربية من زمن، غاب العمل الإعلامي بتنوير الرأي العام وتسليط الضوء على المستجد، الكل يعلم أن سبب غياب الجمهور هو مقاطعة الألتراس، إلا أن وسائل الإعلام ترى أن العزوف له أسباب أخرى كالمطر والحر والكلاسيكو.

وصمة عار على جبين السلطة الرابعة التي وإن أشارت للموضوع، فإنها تتناوله من زاوية واحدة، تنقص من قيمة مبدأ الإعلام، الأصل فيه "الحياد والموضوعية".

مع حظر نشاطها، فإن الأضواء تركز على روابط التشجيع حالياً، من جانبهم فإنهم يتوخون كل الحذر في ردود فعلهم رغم تواتر الشائعات، حذر يظهر كنوع من التقاعس، لكن كل حدث أو واقعة ترتبط من بعيد أو قريب بالألتراس قد يستغل حجة عليهم.

قضيتهم تنتظر حل الجلوس للحوار، وهو أمر بيد المقرر، رغم كل ما قيل ويقال فجماهير قليلة فقط تحضر، والنوادي رغم تضررها الكبير من مقاطعة الجماهير لم تحرك ساكناً (باستثناء فريق أو اثنين)، مما يثير ريبة أكثر حول مدى التزام كل الأطراف بهذا القرار، وعدم الجرأة على مناقشته.

هل فعلاً الألتراس من يتحملون مسؤولية الشغب؟
وهل من العدل تحميل شغب أفراد هم نتاج وجزء مجتمع بلد "سائر في طور التنمية" للحركة وروابطها هكذا بإسقاط عمودي؟
وإن كان الألتراس مشكلة، هل يمكن لقرار يهدف إلى منع "التيفو " أو "الباشاج" أن يمنع فكر الألتراس من الدخول إلى المدرجات؟

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد