مسمَّيات عنصرية

في قريتنا الصغيرة، إن كنت عاملاً أجنبياً، لا تحتاج حقاً إلى اسم، تكفي بشرتك السوداء لتلقيبك بالزُّول أو العِبيد، وإن كنت عاملاً عربياً، فتفي جنسيتك بالغرض، فالمصريون والتونسيون والمغربيون يشبهوننا ليس فقط في عنصريتنا بل في ملامح وجوهنا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/30 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/30 الساعة 07:58 بتوقيت غرينتش

انتهت الخطبة، انتهت الصلاة، الشيخ يقوم بالتسليم؛ ليسرع المصلُّون إلى الأبواب المؤدية إلى الشارع، إلى البيت، إلى العمل إلى اللاشيء.
أنا جالس في نهاية الصف الثالث.. محشور، الحائط عن يساري، ورجل غارق في بِركة من العرق يخنقني، وهو يلهث من أجل الأكسجين عن يميني، أظل جالساً إلا أن رغبتي في الإسراع خارجاً تُوقفها الحشود أمام الأبواب.

الشيخ يسعل في الميكروفون؛ ليوقف الجموع الهاربة ويفاجئها بعد السكوت المفروض بحكم العادة بدعوتهم لحضور إعلان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، يقول الشيخ : "ندعو الجميع إلى البقاء لحضور دخول (عِبيد) للإسلام".

استغربت، ثم انزعجت، وقلت في نفسي: "ألم يتعب نفسه بمعرفة اسمه؟".
بدأت أنظر خلفي وجانبي وفي اتجاه الأبواب، أرى حيرة المصلين العائدين إلى أماكنهم، وفكرة واحدة تخطر في أذهانهم: "وااك بس، خطبة ساعة ومزال يبي ساعة تانية توا".

أعيد صب تركيزي إلى الأمام، أنظر إلى "العِبيد" وهو يأخذ موقعه أمام الشيخ ليأخذه بيده البيضاء الناصعة وهما يتجاذبان أطراف الحديث.
قلت في نفسي من جديد: "مؤكد يسأله عن اسمه!".

في قريتنا الصغيرة، إن كنت عاملاً أجنبياً، لا تحتاج حقاً إلى اسم، تكفي بشرتك السوداء لتلقيبك بالزُّول أو العِبيد، وإن كنت عاملاً عربياً، فتفي جنسيتك بالغرض، فالمصريون والتونسيون والمغربيون يشبهوننا ليس فقط في عنصريتنا بل في ملامح وجوهنا.

العِبيد يشبه الممثل الذي لعب شخصية بلال بن رباح في أيقونة العقاد.
أفكر في بلال بن رباح ورسالة خاتم الأنبياء فأجد نفسي مخطئاً بحق الاثنين، فلا من أمامي بلال ولا من حولي يشبهون إسلامه رضي الله عنه.

أنا أقارنهما بشعب لا يمُت لهم بصلة، بعيدون كل البعد عن الحب وراء كلمة الاستسلام لشيء أكبر وأقوى، وأهم من كل شيء أرحم منا!

أتذكر هُراء التليفزيونات عن الغرب والحرية ثم يخطر في بالي مسلمونا الذين يسألون ويدينون ويطالبون بنقاب هناك ومآذن وغيرها من المُسَلمات.
نعم مُسَلمات، فعندما تجد نفسك في بلد الإسلام وأفكار البُغض والتحريض والكراهية والانشقاق والتحيز بسبب لون أو جنس أو شكل أو طبقة أو أي من تصنيفات العُهر الفكري، هناك تجد الداء!
نُطالب بما لا نُوفره، لا نوفر الفكر والمشاعر والإحساس، فقط الادعاء بالسلام!
"واحد.. واحد"، يصدح صوت الشيخ في أرجاء المكان، يتأكد أن الجميع يسمعونه بآذانهم لا بقلوبهم.
أصلاً ليست لديهم قلوب، فقط بطون، تخرخر كالقطط في انتظار انتهاء المشهد من أجل الإسراع إلى الغداء لا لأحضان أخوهم الجديد، "(العِبيد) المفقود اسمه حتى إيجاد الإسلام".

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد