مسألة المهاجرين وإشكالية الاندماج في المجتمع المغربي

شهدت عدة مدن مغربية تدفقاً لعدد كبير من المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء، الذين استقروا داخل الأحياء الشعبية والهامشية، مما يثير معه طرح مجموعة من الإشكالات تتعلق بعملية الاستقبال وبإمكانيات دمجهم في النسيج المجتمعي، خصوصاً تلك المرتبطة بالدين واللغة والثقافة والتقاليد، إضافة إلى الإشكال المؤرق المتمثل في إدماجهم في سوق الشغل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/29 الساعة 01:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/29 الساعة 01:23 بتوقيت غرينتش

بفضل استقراره السياسي والاجتماعي، تحول المغرب إلى قوة إقليمية وقارية وذلك بنهجه لسياسة خارجية ارتكزت على أسس ومبادئ قيمية، جعلت من بين وسائلها الانفتاح والتعاون مع مختلف الشركاء، خاصة داخل القارة الإفريقية وفي بلورة صيغ نموذجية للشراكة تجاوزت العلاقات الكلاسيكية المستندة على التحالفات والأقطاب والمصالح السياسيوية الضيقة، إلى شراكة وتعاون بناءة ومتكافئة، محورها التنمية البشرية، والإقلاع الاقتصادي أحد أهدافها السامية من أجل تحقيق التنمية المستدامة لشعوب القارة الإفريقية التي ما فتئت أن خرجت من آفات المجاعات والحروب الأهلية، وما خلفتها من مآسٍ إنسانية كبيرة.

وانسجاماً مع اختياراته المنفتحة على عمقه الإفريقي، تفاعل المغرب بشكل إيجابي مع مختلف القضايا التي تؤرق دول القارة الإفريقية، سواء كان مدافعاً عنها في مختلف المحافل والمنابر الدولية، أو من خلال طرحه لمبادرات وحلول عملية، أو من خلال تبنيه لملفات إنسانية، منها ملف الهجرة؛ حيث عمل بكل شجاعة ومسؤولية، بإعلانه عن استقبال المهاجرين الأفرقة القادمين من دول جنوب الصحراء والعمل على تسوية أوضاعهم القانونية كمرحلة أولى من أجل تمكينهم من الانخراط والاندماج داخل المجتمع المغربي الذي لم يكن يوماً مجتمعاً منغلقاً على ذاته، وذلك مرده إلى مكانته الاستراتيجية واستيعابه لمختلف الثقافات والحضارات التي عرفتها منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وأمام وضع كهذا شهدت عدة مدن مغربية تدفقاً لعدد كبير من المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء، الذين استقروا داخل الأحياء الشعبية والهامشية، مما يثير معه طرح مجموعة من الإشكالات تتعلق بعملية الاستقبال وبإمكانيات دمجهم في النسيج المجتمعي، خصوصاً تلك المرتبطة بالدين واللغة والثقافة والتقاليد، إضافة إلى الإشكال المؤرق المتمثل في إدماجهم في سوق الشغل.

كما أن هناك مجموعة من الإشكالات التي يمكن أن يطرحها مع هذا الملف على المديين المتوسط والبعيد، وذلك بالحديث عن التركيبة الديموغرافية للساكنة لبعض المدن التي تعرف توافد واستقرار عدد لا بأس به من المهاجرين، إضافة لظهور لجيل جديد من المغاربة من أصول إفريقية جنوب الصحراء، والذي من المنتظر أن يحاول هذا الجيل الاحتفاظ بهوية أصوله، سواء من خلال الاحتفاظ بالأسماء الشخصية والعائلية، وممارسة العادات والتقاليد، إضافة إلى معتقداتهم الدينية والمذهبية، التي قد تكون لدى بعضهم معتقدات وثنية، مما قد يطرح معه إشكالية حماية الأمن الروحي للمغاربة.

هذه الإشكاليات يتطلب التعامل معها وحلها تضافر جهود مختلف المعنيين بهذا الملف بشكل مباشر وغير مباشر (الدولة، والمجتمع المدني القطاع الخاص) في العمل المشترك وتوحيد الرؤى للتعامل بشكل استعجالي مع هذه المسألة من أجل مساعدة ومواكبة هؤلاء المهاجرين من التأقلم التدريجي، وبالتالي الاندماج في النسيج المجتمعي.

إن البشرية عرفت عبر تاريخها لظواهر اجتماعية ساهمت بشكل كبير في تطورها وازدهار حضاراتها، وتعتبر ظاهرة الهجرة إحدى الظواهر التي ساهمت في ذلك؛ حيث تعتبر البلاد والشعوب المستقبلة لها أحد معايير وتجليات ومظاهر الرقي والنضج الإنساني، إلا أنه وفي المقابل وفي ظل غياب الشروط الذاتية للدولة (القانونية والاقتصادية والاجتماعية)، يمكن أن تتحول هذه العملية إلى مأساة لدى كلا الطرفين، مما قد تتولد وتتكون معه أفكار متطرفة هدامة من الكراهية والعنصرية والإرهاب تنعكس بشكل سلبي على مسار التطور التاريخي للشعوب.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد