وأنت تقرأ هذه الكلمات فكِّر.. فكِّر في ذلك الشخص أو الشيء الذي قابلته صدفة وصار يعرفك ويميزك عن غيرك، فقد يكون آلة، فيلسوفاً، كتاباً، هواية، شيئاً في غيابه أنت لست أنت، ويستحيل حذفك له من حياتك.
لم يكن الأمر عسيراً عندما وددت كتابة هذه التدوينة فحتى العنوان اختار نفسه بنفسه، مؤكداً لي شغفي وتعلقي باللغة العربية.
فعلى غرار مصطفى كامل حين قال: "لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً"، أقول أنا: لو لم أكن عربية لرغبت بشدة أن أكون كذلك، اللغة العربية التي تتجاوز كونها لغة فقط في حياتنا فهي الأم التي هجرناها؛ ليصبح التحدث بلغات أجنبية في مجمع ما من التحضر، فكابن عاق لوالديه كذلك نحن مع اللغة العربية حين غدونا نقرأ أدباً أجنبياً، ونحفظ أغاني غربية، فعلاقتي مع هذه اللغة بدأت في سنة مبكرة بدءاً بقراءتي لقصص "محمود عطية الإبراشي" والمجموعة الخضراء، فاكتسبت حينها قوة في الإعراب والشرح والصرف والتحويل، انتهاء بسرقة ما تكتبه أختي من شعر وإلقائه عليها، فتغضب من سرقتي وتفرح لحبي وولعي بالشعر والأدب.
حرصت على أن تعرفني على جبران وتجعلني أعشق درويش، حتى تجرأت وانهمكت في الكتابة؛ لتصبح فسحتي وفرصتي لأعيش، فكنت أكتب يوماً وأقرأ عشرة أيام، هكذا حتى أتيت هنا لأحكي عن لغة تعني لي الكثير والكثير، عن جزء لا يتجزأ من حياتي، فلم أشفِ غليلي ولم أرضِ فضولي بعد، فمن الأسرار ما يستحق أن تكشف، فهي بئر عميقة ينبغي تذوق مائها، وجبل شامخ يطل على منظر جميل، هي بمثابة الطريق الطويل المتعب الذي ستسلكه، مع أنك لا تحمل زاداً قد يسرقك لصوص ويتعرض لك حيوان متوحش، لكنه سيوصلك لوجهتك.
لو لم تكن اللغة العربية في حياتي لما عرفت نزار قباني وفاروق جويدة، ولا تأثرت بأبيات قيس بن الملوح وهو يتغزل بليلاه، ولا قرأت للمنفلوطي والعقاد، ولما أدمنت الاستمتاع لماجدة الرومي وهي تغني قصائد نزار وأم كلثوم لأحمد شوقي، ولما أحببت رباعيات الخيام ولا تعلقت بأصحاب المعلقات السبع.
لو لم تكن اللغة العربية لما حصل طه حسين على نوبل للأدب، ولا دخلت غادة السمان مصحة بعد وفاة جبران الذي عشقت أسلوبه ورسائله، ولما مات الجاحظ مدفوناً بالكتب بعدما وقع عليه رف منها.
لو لم تكن أختي في حياتي لما عرفت اللغة العربية وأحببتها لهذا الحد.
في اليوم العالمي للغة الضاد نحن نحتفي بعروبتنا وبلغتنا ووطننا، نحن نحتفي بكلمات تعبر عنا ولا تخوننا ولو خانت الدنيا، شكراً لأنك مأوانا وأُمنا وحقيقتنا دون زيف.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.