كم مرة فوجئت فيها بمشاركة على فيسبوك أو غيره من وسائط التواصل الاجتماعي خالية من أي مضمون مفيد، لكنها على العكس مليئة بعبارات البذاءة المتجلية في السب والشتم والألفاظ غير الأخلاقية، ومع ذلك تجد أن نسبة التفاعل معها من "إعجابات" و"تعليقات" تفوق نسب التفاعل مع الكثير من المشاركات الهادفة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي؟ الأمر الذي يجعلك تتساءل: هل باتت البذاءة فعلاً سبيلاً من سبل الشهرة في هذا العالم الافتراضي؟
لعل شبكات التواصل الاجتماعي على اختلافها منحت الكثيرين -خصوصاً فئة الشباب- فرصة التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم مع هامش كبير من الحرية، وذلك من خلال وسائط مختلفة، سواء عن طريق الكتابة أو كذلك بالصوت والصورة. وفي الوقت الذي استغل فيه الكثير من الشباب هذه الوسائط لتوصيل رسائل مفيدة وبطرق هادفة، فإن عدداً آخراً سلك سبيلاً مختلفاً تماماً واستغل هذا الهامش من الحرية في التعبير عن آرائه بأساليب غير مناسبة، في تنافٍ مع ما نشأنا عليه من أعراف وأخلاق حميدة.
وإن كانت هذه الظاهرة التي تنامت مع انتشار استعمال مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب دراسة من جانب المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع، فإنه ليس من العبقرية في شيء القول بأن الأمر راجع في الكثير من الأحيان إلى رغبة الكثير من هؤلاء الشباب في جلب اهتمام المتابعين بأي وسيلة كانت، والحصول على شهرة افتراضية، وبناء شخصية إلكترونية "متمردة"، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يؤكد إلا أن هؤلاء يعيشون مراهقة فكرية.
مثل هؤلاء الأشخاص ومتابعيهم يعتقدون -للأسف- مع قلة خبرتهم في كثير من الأحيان، أن التمرد من خلال كتاباتهم البذيئة على الدين والأعراف والتقاليد والأخلاق هو شجاعة، وأن كل ما سبق يعد قيوداً مجتمعية ينبغي فكها، فينظر هؤلاء لأنفسهم على أنهم شجعان يحاربون تخلف المجتمع، وينظر إليهم متابعوهم بالكثير من الإعجاب والتقدير، بما أن الكثير منهم لا يستطيع تقليدهم؛ لأنه مؤمن تماماً بوجود هذه القيود!
وللأسف، فإن وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تزيد من شهرة هؤلاء، ومن انتشار مشاركاتهم وما يكتبون، ومن ثم تفاعل طبقة واسعة من المستخدمين معها.
قد يقول قائل: إن كل هذا يدخل في باب الحرية الفردية، وأنه إن كان المرء غير معجَب بطريقة كتابة هؤلاء "المشاهير الافتراضيين" أو أن كتاباتهم ومشاركاتهم تؤذيه، فإن ما عليه إلا التوقف عن متابعتهم، وما أسهل ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي! وإننا نقول أولاً إننا لسنا حراساً للفضيلة، كما أننا نحترم تماماً حرية هؤلاء في كتابة ما يشاءون وبالطريقة التي يريدون، وما هذه التدوينة إلا محاولة لفهم هذه الظاهرة وتسليط الضوء عليها بشكل أكبر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.