هل الإبداع شيءٌ من الممكن تعلُّمه؟

بصفتي رئيساً للمؤسسة التي تخرَّج منها نصف الحائزين على جائزة تيرنر، فربما تتوقع أن يتمحور رأيي حول أنه من الممكن المساعدة في تعلُّم واكتساب الإبداع. لكن، وقبل كل شيء، فقد علمني الوقت الذي قضيته في جامعة لندن للفنون، والتفاعل مع الطلاب والمعلمين والفنيين، كيف أن العملية الإبداعية آسرة وجذابة.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/23 الساعة 05:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/23 الساعة 05:13 بتوقيت غرينتش

لدى المعلمين اعتقادٌ راسخٌ في التنشئة، حيث يُصنع النجاح بقدر ما يكون أصيلاً في الإنسان. لكن الاستثناء الغريب هو "الإبداع"، حيث يخشى خبراء التعليم الاستراتيجيون تناول هذه الفكرة. وكما تناول كتابٌ جديد السلوكيات السبع التي تخلق النجاح، نحتاج توضيح كيف للإبداع أن يُكتسب؟ وهل من الممكن تعلُّم الإبداع؟
أوضحت دراسة تلو الأخرى أنه كلما كنت أكثر نجاحاً (في كثير من الأمور الحياتية)، فأنت على الأقل تملك قدراً من الإبداع. ولا يهتم أرباب العمل بالمواد التي درستها، بقدر اهتمامهم بمدى تأثير تلك المواد في ذكائك العقلي. كما تُعد المهارات الثلاث الأكثر طلباً لأي وظيفة هي مهارات التواصل، تليها القدرة على حل المشكلات والإبداع. وفي العام الماضي، أوضحت جامعة ولاية ميشيغان أن العلماء النخبويين، إحصائياً، هم الأكثر استعداداً لامتلاك هواية إبداعية، ويزداد الاحتمال بصورة كبيرة لدى الأشخاص الحائزين على جائزة نوبل. إنَّهم أناس شديدو الانشغال، وفائقو العقلانية، مع وجود اتصال إبداعي كبير.
ولا يزال هناك شك حول أن جذور الإبداع تنشأ من خلال مزيج من نمط التفكير الخطي والقدرة على التخيُّل والتأمل". يُذكر أنه في عالمٍ يعترف بالاتصال المباشر بين السبب والنتيجة، يجد الناس صعوبة في فهم آلية الإبداع. ومن المعروف أن القدرة على الإبداع تُشكل جزءاً من المهارة في العمل والحياة الشخصية. ويوصف الأشخاص المبدعون الناجحون بـ"العبقرية"، كما يرى الكثيرون أن الإبداع يُعد صفة فطرية يولد بها الإنسان، ولا سبيل لمعرفته.
وبدورها، تُعرِّف الاقتصادات الصناعات الإبداعية بأنها "مميزة" أو تُصنفها على أنها غير عملية. ويركز النقاش العام على الأعمال المدعومة، مثل الفنون الجميلة والمسرح، بدلاً من التركيز على التصميمات الصناعية وتصميمات المنتجات أو الاتصالات. يحدث هذا في قطاع تبلغ قيمته للاقتصاد البريطاني 86 مليار جنيه إسترليني (105 مليار دولار)، ويوجد به واحدة من كل 10 وظائف.
الجدير بالذكر أنه من الخطأ تصوُّر أن كل المبدعين عباقرة بالضرورة، حتى العلماء والمهندسين. فربما يُحسن الأشخاص المبدعون استخدام النصف الأيمن من الدماغ أكثر من النصف الأيسر، وربما يُصنف البعض منهم كونهم أكثر ذكاءً من غيرهم، ومن الممكن أن يتمكن البعض من الوصول لمكانة عالية. حيثُ يُعد لكل منهم مكانة خاصة في المجتمع والحياة العملية.
يُذكر أن جيمس دايسون وتوماس أديسون مروا بالآلاف من التجارب والنماذج الأولية قبل إنجاز ما توصلوا إليه. وهو ما يطرح التساؤل حول أين تبدأ المرونة والإصرار وأين ينتهي الإبداع والإلهام؟
في الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان "الموقف الإبداعي" أو "The Creative Stance"، تم تحديد أرقام وقوالب إبداعية تُشكِّل السلوكيات اللازمة للنجاح من خلال عرض سلسلة من المقالات والمناقشات، التي تدور حول الصرامة والدقة، والمخاطرة، والمرونة، والغموض، والقدرة على التخيُّل والإثارة. وقام المؤلفون، ومنهم الفنان والمذيع غرايسون بيري، بتقديم الدلائل والبراهين على هذه السلوكيات من مختلف الفروع الإبداعية، من الصناعة وحتى الأكاديميا. حيث يبرزون الفكر والنمط الإبداعي في جميع التخصصات ومختلف نواحي الحياة، ومدى تأثير ذلك وما يُشكله من قيمة وفائدة للمجتمع في مختلف التخصصات، مثل تصميم الأزياء، ومكافحة الجريمة. ويُعد هذا الكتاب بمثابة كُتيب مُخصص للتعليم الإبداعي في العالم، ودليل شامل صنعه الأشخاص المبدعون للمهتمين بالعلاقة بين الأسباب والنتائج.
بصفتي رئيساً للمؤسسة التي تخرَّج منها نصف الحائزين على جائزة تيرنر، فربما تتوقع أن يتمحور رأيي حول أنه من الممكن المساعدة في تعلُّم واكتساب الإبداع. لكن، وقبل كل شيء، فقد علمني الوقت الذي قضيته في جامعة لندن للفنون، والتفاعل مع الطلاب والمعلمين والفنيين، كيف أن العملية الإبداعية آسرة وجذابة.
ومن وجهة نظر أخرى، فهناك بُعد أخلاقي للإبداع يجب أن يصبح جزءاً رئيساً من العملية التعليمية. ولا مفر من أن يُهدد رفض الإبداع للأوضاع القائمة، يهدد ذوي السلطة. فنحن نعيش في العصر الذي تقسَّم فيه الأمم بسبب الإصرار على استخدام الحلول التقليدية لمواجهة التحديات الجديدة، وقد خلق احتياجنا من الطاقة العديد من المشاكل التي لا يمكن للعلم وحده حلها. لذا، يجب أن يكون التفكير الإبداعي جزءاً من الطريقة التي نتعامل بها مع مثل هذه القضايا.
من الممكن تبنِّي الفكر الإبداعي ورعايته، لتعزيز أثره في مستقبل الاقتصاد والمجتمع، حيث يعتمد على الإبداع بشكلٍ أساسي. فلا يوجد وقت أكثر أهمية وضرورة من وقتنا هذا لفهم العملية الإبداعية، ومدى ضرورة جعلها جزءاً أساسياً من طرق التدريس.

– هذا الموضوع مُترجم عن النسخة البريطانية لهافينغتون بوست. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

تحميل المزيد