فيس بوك واقع افتراضي.. "وجارفس" واقعٌ يبدو حقيقياً إلى حد بعيد.. أو هو في طريقه إلى الواقعية، فهو يحرك الأشياء، ويغلق الأضواء، ويفتح الأبواب، ويسمعك الموسيقى.
في الحقيقة كأن له حواسّ مثل الرؤية والسماع والتحدث، تحاول أن تتشبهَ بالبشر، وتقتربَ رويداً رويداً من الوصول إلى الذكاء البشري.
مارك زوكربيرغ مؤسس فيسبوك ليس صاحبَ السبق في هذه التكنولوجيا التي أطلقها حديثاً، ربما يكون أحدَ المطورين والمسوِّقين لها، فالأمر قديم ومثير في الوقت نفسه.
فقد ظهر مصطلح الذكاء الاصطناعي أواسط القرن الماضي، وتحديدا عام 1955، عندما أطلق عليه العالم جون مكارثي هذا المصطلح.. في ذلك الوقت كان تعريفه ملهماً، قال مكارثي إن الذكاء الاصطناعي الذي نطمح إليه يدخل في صنع آلات ذكية تحاكي سلوك الإنسان.
كل القصة في الذكاء الذي تكتسبُه الآلات والبرامج بما يحاكي القدراتِ الذهنيةَ البشرية وأنماطَ عملها.
يحاول العلماء إيجاد الطريقة المثلى لتعليم الربوتات الاستنتاج، أُكرر: تعليمها خاصية الاستنتاج!! والأهم من الاستنتاج وما يبنى عليه هو "ردّ الفعل السريع" على أوضاع لم تبرمج في الآلة ذاتها في يوم ولادتها، أو حتى في تحديثات تطبيقاتها لاحقاً.
يفكر العلماء في الحياة البشرية، ويربطونها بسلوك متوقع للربوت، هل تراه سيشبه ردة فعلنا؟! ماذا يفعل الربوت إذا حصل حريق، أو إذا انهار المنزل، أو في أوقات الحروب، ماذا سيفعل إذا حصل شيءٌ لطفل ما، لم يبرمج عليه الربوت.
ماذا يمكن أن يعمل مع التهديدات الأمنية غير المتوقعة، ومع البطاقات المصرفية والتعامل مع أمن المعلومات فيها، ومع الأشخاص من ذوي الإعاقة في لحظة حاجة ماسة.
يتعلق الأمر بالخوارزميات، التي تؤهل الربوت لخلق سلسلة عمليات واحتمالات، يتخذ فيها في النهاية بلمح البصر قراراً آلياً، ومع التطور، وجمع ملايين القرارات لهذه الأجهزة، ووضعها في نظام شامل ومطور، يمكن أن نخرج إلى نظام شبيه بالعمليات العقلية البشرية.
وبلا شك، يمكن بعد ذلك زيادة القدرات، بحيث يتفوق الربوت على استخدام حواس الإنسان نفسه، فهو أدق سمعاً، وأنفذ بصراً، وأكثر إحساساً بالأنواع، ثم هو أقوى ساعداً، وأسرع ركضاً، وأروع في التسلق، ولديه القدرة على الطيران، ثم على استخدام السلاح، وربما حل مسائل الرياضيات المعقدة واقتراح صناعة المعادن، والنفاذ لاحقاً في داخل الأرض، وربما معرفة مكان السمكة في البحر العريض.
ثمة محاولاتٌ مستمرة لإدخال الذكاء الاصطناعي إلى كل أجزاء المنزل وبيئة العمل. بمعنى آخر، أن الروبوتات ليست تلك التي تمشي فقط، وتظهر كأنها إنسان، أو كلب، أو سيارة؛ بل هي ذلك العقل المخفي، الذي سيتوارى خلفَ كلِّ جهاز يستخدمه الإنسان؛ بل في داخل كل شيء من حولنا كبشر، ستكون تلك العقول في الحائط، والمشط، والبنطال، وغرفة النوم، فضلاً عن الأمور الأكبر، مثل قيادة السيارة، ومعرفة الأخبار، ودرجة الحرارة وقياس ضغط الدم، ومعرفة هل ستحتاج إلى طبيب هذا اليوم أم لا؟!!
يرى علماء التِّقْنية أن ثمة طفرةً نوعيةً تنتقل فيها علاقة البشر بالإنترنت، فنحن الآن نبحث في المعلومات التي نفعلها جميعاً، عندما نريد البحث عن معلومة محددة، وهذا ما جرت عليه العادة في علاقتنا مع الإنترنت، لكننا ننتقل قريباً إلى المرحلة الثانية، وهو ما سيعرف لاحقاً بالثورة الصناعية الثالثة، ويخوض هذا الجانب في البحث في الأشياء وليس المعلومات!!
وهذا ما لم نعتَدْ عليه بعد، لكننا سنبحث من خلال الإنترنت، في تحريك طاولة الطعام، وسقف المنزل ربما، وتغيير مواقع أثاث البيت، وجعل ربطة العنق أنيقة جداً، بيد الإنترنت نفسه، من غير أن نمد إليها يداً، وحتى المحجبة يمكن أن يلفَّ الربوت، أو الذكاء الاصطناعي حجابَها فوق رأسها، ولك أن تذهب إلى أبعد من ذلك.
إذ ستكون معظم الأشياء من حول الإنسان لها قدراتٌ تقنية ورقْمية للتفاعل معه، وبناءِ توقعات لردود أفعاله. سيكون الحائط رقمياً، والطاولة رقمية، وقدح الماء رقمياً، وفردة الحذاء اليسرى رقمية.
لكن هل هذا الأمر جيد؟ يبدو أنه مثير حقاً، ومفرح لما سنصل إليه كبشر، فهو تطور استثنائي، تخطو إليه البشرية؛ لكنه في الحقيقة مقلق، نعم هو مقلق؛ بل أكثر من ذلك، هو مقلق جداً لمستقبل الأرض والناس معاً.
يرى البعض أن زيادةَ ذكاء الربوتات قد يُهدد البشر.
يقول عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينغ، إن تطوير ذكاء اصطناعي كامل قد يمهد لفَناء الجنس البشري، محذراً من قدرة الآلات على إعادة تصميم نفسها ذاتياً. لتخرج عن السيطرة لاحقاً.
رغم أن ستيفن نفسه كان مطوراً لبرنامج خاص به أعانه على التواصل مع البشر، لأنه لا يتمكن من ذلك بنفسه، فطور أنظمة معقدة لفهم خريطة العقل، والتخاطب، بينه وبين الأجهزة الذكية، بمساعدة مجموعة معنية، ومن خلالها إلى البشر.
وربما يتفق كثيرون مع مؤسس مايكروسوفت بيل غيتس، حين عبَّر عن رغبته في بقاء الروبوتات غبية إلى حد ما، نعم بهذا المصطلح!! "يجب أن تبقى غبية إلى حد ما، قبل أن تسحقنا" فغباء الربوتات المقبول هو الضامن لعدم تهديد البشر لاحقاً.
في هذه المرحلة، يمكن اعتبار الربوت الذي يقود دراجة هوائية، أو يسجل هدفاً في مرمى فريق الخصم، أو يستقبل المسافر ويتحدث معه نصف ساعة، كل هذا يعد لا شيء أمام قدرات الإنسان، فهو ربوت متطور بحد بسيط جداً، ولا يمثل مصدر تهديد.
لكن كيف يمكن التعامل لاحقاً مع آلاف الربوتات، التي لديها القدرة مستقبلاً على اتخاذ قرارات تصل للحرب، وشن المعارك، من غير تدخل البشر، وكيف يمكن التعامل مع القوة التدميرية مع ربوتات عملاقة، يمكن اختراق نظامها وعقلها الاصطناعي من عدو ما، كأن يكون دولة ضد دولة أخرى، حتى تفقد الدول السيطرة تباعاً، فنخوض نحن كبشر حرباً مع هذا الجيش الرهيب، في طريقة تشبه عمل الهاكر والجنود والسلاح، ثم يتحول بعد ذلك آلاف الربوتات إلى جيش، ودبابات، وصواريخ، وطرق منظمة، تهدد الناس.
فهل تتحول تلك الأفلام الخيالية التي جذبت الملايين، وتتحدث عن قتال البشر مع الربوتات، أو الربوتات مع الربوتات في حروب مدمرة.. هل تتحول تلك الحالة إلى حقيقة ماثلة مستقبلاً؟!.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.