في وداع عام مضى، وعلى أعتاب عام جديد، عقولنا مشغولة بالكشف عما تخفيه لنا السنة الجديدة ومشغولة بخلق يوم رائع للاحتفال وشراء الهدايا وتحضير الحلوى وغيرها من الطقوس الروتينية!
علينا أن نستيقظ من سباتنا، وأن نقف وقفة صدق مع أنفسنا للمحاسبة الصادقة، دون أي رحمة، ودون أي خوف من الواقع، ودون أن تنافق نفسك حدِّثها وناقِشها، خُذ بيدها إلى الصواب، ولا تخجل من أن تلومها وتؤنبها، بل وتعاقبها!
اسألها مَن أنتِ؟ وماذا فعلتِ حتى الآن في حياتك؟
افتح كتاب الذكريات، راجِع كل ما فعلته خلال الأعوام الفارطة، تذكر أخطاءك، وأهدافك، وأمانيك وكل شيء قد مضى، وكم من أوقات أُهدرت، وفرص وصلوات ضيعت وأمنيات تُركت، ومعاصٍ ارتُكبت، ونحن نفرح لسنة قد مضت، ننسى ما قد مضى فيها، وما ارتكبنا من ذنوب وأخطاء؛ لنستقبل سنة أخرى، وكأن شيئاً لم يقع.
بعد تفكير طويل أيقنت أنه على الرغم من وعينا ومعرفتنا للأمور وحقيقة الأشياء، فإننا ما زِلنا مصرّين على أن نبحث عن تحقيق أهدافنا بالطريقة "السهلة المستحيلة"، فمنا من يناجي من الزمن أن يخفف من معاناته، ومن السنة القادمة أن تحمل معها مفاجأة جميلة، ومن "سانتا كلوز" أن يجلب له هدية تسعده، ومن الأضرحة أن تذهب الحزن وتبدله فرحاً، وغيرها من الأمنيات التي تتخبط في قلوبنا وعقولنا.
مصرُّون على أن نوهم أنفسنا بالأخطاء ونصدقها، نسمح لأنفسنا أن نفكر بغباء رغم كل ما نعرفه، رغم كل التجارب التي مررنا بها.. فبدل كل هذا لو أننا بحثنا عن أنفسنا وشخصيتنا، وحاولنا جاهدين تحقيق أهدافنا بأنفسنا، وطلبنا من الله أن يوفقنا لذلك.. لما ظلت حالتنا ككل الأعوام نناجي الفراغ.
تمنّوا ليس كل عام بل كل لحظة، ارسموا أهدافكم، واكتبوا خططكم الآن، وابدأوا بتنفيذها، فليس من الضروري أن تنتظروا مرور عام كامل؛ لتخططوا من جديد.
ما من شيء يقيدكم، أطلقوا العنان لأنفسكم، أبدعوا، جددوا إيمانكم، بالأمل وإصراركم على الأحلام، جددوا الحياة في أرواحكم متى أردتم ذلك.
توقفوا عن إرسال التهاني المصنعة والأمنيات مزيفة والدعوات التي ليست من القلب.. تحدثوا مع من تحبون، وتوقفوا عن مراقبة ومتابعة غيركم، اكتفوا بأنفسكم، وتعلموا من أخطائكم!
آسفة.. السنة المقبلة ليست هي من سيحقق لنا ما نتمناه، ليست هي من سيجعل منا أشخاصاً جدداً طيبين ناجحين.. ليست هي من سيمنحنا مَن أحببنا.
هي مجرد سنة ككل السنوات، هي زمن سيمضي؛ ليكون من الماضي المخلد في الذاكرة حاملاً لنا قصصاً كقصة حب الحياة، والإصرار على الاستمرار والتمسك بذواتنا وعدم الاستسلام، مهما خلفت الحياة فينا من أوجاع ومعاناة وكثرة الفشل، وقصة قلوبنا الطيبة ونفوسنا الطاهرة الأجمل دائماً مهما حاولوا تشويهها أو اغتصابها، وقصة الإنسانية والمحبة والقيم السامية المزروعة في داخلنا، مهما استهدفت وواجهت من شرور عليها أن تبقى كما هي، هذه قصصنا التي يجب أن تروى بعد موتنا بدل التفاهات الأخرى.
لا تخلقوا من احتفالات قصصاً ليست لها أي أهمية؛ لتبقى لصيقة بالذاكرة، قصصاً ليست كالقصص التي بداخلنا، تلك القصص الأجمل دون أي عناء هي قصص فطرتنا التي خلقنا بها، والتي علينا أن نبقى بها طوال حياتنا؛ لنعيش باختلاف ونموت باختلاف ونحن راضون عن أنفسنا.
قبل أن تغادروا مقالي هذا ماذا لو أن كل واحد منكم أنهى هذه السنة بشيء جميل، كأن يخبر أحدكم أمه -إن كانت ما زالت على قيد الحياة- بأنه يحبها فهي التي ذاقت من المعاناة ما هز الجبال، وظلت مبتسمة في وجهك تخبرك أنها بخير على الرغم من الوجع الذي اخترق عظامها.. أو أن يصلي ويدعو ويرفع يديه لله -عز وجل- أو يخفف عن محتاج وطء الحياة، ماذا لو دفعت لجارك الفقير فاتورة الكهرباء، أو اشتريت لأبنائه ملابس تدفئ أجسادهم الضعيفة؟.. بالمقابل لك ابتسامة وراحة لقلبك وطمأنينة لنفسك.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.