لعنة القرار

يتطلب الأمر فقط الشجاعة والجرأة الكافيتين للوقوف في وجه كل من خوَّلت له نفسه سلب الآخرين هذا الحق الذي يؤخذ ولا يعطى، فالحياة تعاش بناءً على القرار المأخوذ قبلاً قصد عيشها من أقصاها إلى أقصاها

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/16 الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/16 الساعة 01:00 بتوقيت غرينتش

ما رأيت يوماً شيئاً أشد قسوة من الليل وسكونه، فهو عزلة، والعزلة مملكة الأفكار، ومِن الأفكار ما قَتل.

ليست التجارب ما تجعل من الإنسان إنساناً، وإنما عدد المرات التي يجد فيها المرء نفسه أمام مفترق طرق متشعبة ومتشابكة تشابك الشرايين في جسده، مع ضرورة أخد قرار معين وتحمُّل مسؤولياته ومترتباته، فليس كل القرارات متشابهات؛ منها ما يؤخذ دون تفكير مسبق، ومنها ما يستلزم كل التفكير، منها ما يؤخذ بقوانين العقل والمنطق، ومنها ما يتدخل القلب، بتمرده ونزعته العاطفية/الثورية للحكم عليه ناسفاً بذلك كل مكونات الجسم، ومتجاهلاً ما تفرضه قوانين الكون باختلاف أنواعها.

هو محفز كافٍ للخلاف بين القلب والعقل، فنادراً ما يتفقان معاً على نفس الشيء، كأنهما خُلقا لزيادة الطين بِلةً، وإشعال فتيل الصراع الداخلي، والخوف من المجهول، وما ستكشفه الأيام بناءً على الطريق الذي تم اختياره.

أن تدع فكرة واحدة بهذا الوزن الثقيل، ومن هذا النوع الفريد، تسيطر وتأخذ كل انتباهك، وتجعل منها شريكة لوسادة فراشك، ليس بالشيء الهيِّن، موقف لا يحسد صاحبه عليه، إلا أنه قَدَرٌ، والإيمان به واجب كوجوب استنشاق الهواء من أجل الحياة؛ الحياة التي لنا أن نحياها كما أراد الله عز وجل، بحلوها وبمرّها، وبهما معاً في آن واحد، فلا رادَّ لمشيئة الله، ولا اعتراض على قضائه وقَدَرِه.

القرار شبيه بصافرة حَكَم تُعلن بداية مغامرة مجهولة المعالم، مستقبلها في عالم الغيبيات، لأحداثها أن تتغير بحسب تداخل الشخصيات، وأن تتقلب تبعاً للظروف والأزمنة التي حبكت فيها قصتها، ومن الغباء أن يظن الإنسان، ولو سهواً، أنه قادر على التنبؤ بمجريات هذه المغامرة، فإرادة عيشها قرار كذلك.

أولى خطوات مسار النجاح في الحياة باختلاف جوانبها، تبدأ بالإيمان بقرار تم اتخاذه مسبقاً، والتمسك به إلى أبعد حد، والعمل من أجل إنجاحه، فالحظ لا يبتسم سُدى، وإنما يتطلب الكد والاجتهاد، وهذا ما يفرق بين الإنسان الناجح وبين من لم يتوفّق في إيصال قراراته لبرِّ النجاح، فلا يجب أن نكتفي بإعطائها مولداً، ولكن يجب مواكبتها، وتصحيح أخطائها، وتقويم اعوجاجها.

حرب أخذ القرار حرب قائمة بذاتها، تحيل على أوسع أبواب دهاليز التجارب التي تصقل بدورها شخص الإنسان ورؤيته لمحيطه.

القرار نوعان لا ثالث لهما، فهو إما مصيري يبصم التاريخ والذاكرة، بناءً على الاستفادة من الماضي، والتكيف مع الحاضر والقراءة الاستباقية للمستقبل، أو عادي كقرار الاختيار بين كوب الشاي والقهوة!

هو النعمة والنقمة معاً، وجهان لعملة واحدة، وأن تتلذذ بمرور أخطائك أهون من أن تسلب حق الاختيار وتقرير المصير، هو طوق النجاة من أجل الحيلولة دون العيش على رحمة ومزاجية أولئك المتعجرفين ممن يسمون أنفسهم صُنَّاع القرار.

يتطلب الأمر فقط الشجاعة والجرأة الكافيتين للوقوف في وجه كل من خوَّلت له نفسه سلب الآخرين هذا الحق الذي يؤخذ ولا يعطى، فالحياة تعاش بناءً على القرار المأخوذ قبلاً قصد عيشها من أقصاها إلى أقصاها.. ولهذا إن كان لحياتنا علينا حق، سيكون دون أدنى شك الحرص على صواب القرار.. لعنة لا مفر منها، أساس النجاح تارة، وسبب الفشل تارة أخرى.

ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد