كان مثيراً جداً للانتباه الأحداث والتفاعلات التي أفرزتها قضية لمياء معتمد خلال الأيام القليلة الماضية، مباشرة بعد نشرها لفيديو الاشتكاء -بعدما وضع في مساره الإعلامي السريع- من الكابوس الذي بخر أمانيها، بعدما كانت تطمع في عيشة بذخ يوماً ما بالمملكة السعودية، وكان مثيراً أكثر، إعادة ترتيب القضية "المستعصية بنفوذ" في يوم وليلة بـ"تدخل ملكي"، أقل ما يمكن أن يوصف به أنه "سحري".
"لمياء معتمد واحدة من المئات ممن يعانين هناك"، هكذا تحدثت سيدة في أحد البرامج الإذاعية، وهكذا تحدثت حتى لمياء بدورها، وهي تحاول نقل معانات أخريات، من باب "اذكرني عند ربك"، عل الحل السحري يشملهن، لكن هل يمكن منطقياً أن نلجأ كل مرة لـ"سحرية الدولة" لحفظ ماء وجه المغرب، ولتصحيح أخطاء كان يمكن تفاديها، أم أنه من ضرب الجنون واللامعقول، إقحام الآخر والدولة في مشاكل شخصية لكل فرد على حدة؟
كثيرون ممن عايشوا أو عاشوا تجربة العمالة المغربية بدول الخليج، أو حتى ممن سبق لهم وجربوا الانخراط المهني مع أشقاء الخليج بتراب المغرب، يعلمون جيداً أو يتسرب لفهمهم ربما، أن شروط "الأشقاء" من أجل تحقيق "العطايا" يستوجب نوعاً من "الخنوع"، وبقدر درجة هذا الأخير ترتفع قيمة العطية، وهذا لعمري حق يكفله العرف القبائلي القديم منذ جاهلية العرب وربما العجم، وحتى اليوم، لكل ذي مال وجاه، لكن العارفين الأذكياء بدروب حصد الامتيازات، كانوا دائماً ولا يزالون، يفضلون الأجر القليل على العمل الكثير بإطار من حفظ الكرامة، فبالنهاية دنيا هذا العالم هكذا، تحوي عبداً أكرمه الله، وآخر قتر عليه رزقه، وقليلين من أهل الدينار من غيروا فلسفتهم المالية تجاه المقترين.
في المغرب كما في جل "دول العرب الثالثة"، قررت الدولة عندنا، الانفتاح اقتصادياً ومالياً على الأشقاء، وهو ما فرض بالضرورة انفتاحات أخرى، سياسية، عسكرية، ترابية، وغيرها وغيرها، ومن غير الواعين بحقيقة الميزان الاقتصادي العالمي والعربي، من انتقد هذا الانفتاح وسفهه، وأنقص منه، ووافق من سماه بسياسة دفتر الشيكات، وغيرها من مسميات عيبها أنها لا تلتفت لضرورة التعاون مع الأشقاء الأغنياء، خصوصاً في الظروف الحالية، فبالنهاية تجمعنا بينهم مصالح الدين والدم، ونشترك معهم همّ التهديدات بلا شك.
من ينتقدون اليوم انفتاح الدولة على الأشقاء -وهذا للأمانة دون تزلف- يحاولون إقناعنا أن استمرار الدولة في سياستها تلك، وحده فقط من سيذيب كرامتنا ويمحو هيبتنا كمغاربة متميزين دائماً بـ"الاستثناء"، في بوتقة نماذج دول عربية باعت عزها بعرض دنيا قليل، لكنهم في ذات الآن لا يقدرون على الاعتراف، بأن حفظ تلك الكرامة، هي من مسؤوليات أفراد الشعب أنا وأنت وهو وهي، في تعاملنا مع الأشقاء، فلا يعني أبداً وبالضرورة أن أنعم بدنانير النفط الذي زرعه الله في أرض المسلمين كافة، وأوصله لنا بوساطة بشرية، مقابل إذلال النفس وإرهاقها، ناهيك عن أن هؤلاء الهؤلاء، الذين لا يفهمون كثيراً في موازين القوى العالمية، لا يعلمون بأن الأشقاء عندما عزفوا عن عدد من مجتمعات العرب، واختاروا المغرب قبلتهم الجديدة، كان عزوفهم ذاك مسنوداً بعشق أنفة المغاربة وجديتهم ومهنيتهم وكرمهم، وبعض الأشياء الأخرى، وكل ذلك لا يجتمع سوى عند المغاربة، أحب هذا الكلام من أحبه وكرهه من كره.
إن الموقف الملكي الشجاع اليوم مع قضية لمياء، وقبله مع عدد من المواقف المتشابهة، كالطيار بحتي الراحل، ورغم أنه يدخل أولاً في إطار تقدير ووعي عميق من الدولة لخطورة التفاعل مع قضية دون سواها في الفضاء الرقمي المغربي، يمنحنا اليوم نحن المغاربة من صغيرنا وحتى أكبر كبير فينا، تنبيهاً لضرورة حماية هيبتنا، وكرامتنا، وعزتنا، وسمعتنا واستثنائنا، من التمرغ في وحل الجشع والطمع، أو التماوت وعدم الاعتراف بالذات المغربية، فرغم كل شيء، نحن أهل كرم وضيافة، وحُب منثور، نرحب بالغريب فما بالك بالقريب، لكن ليعلموا ولنعلم نحن أيضاً، أنه وإن كانت لهم أموالهم، فلنا جودتنا التي لا تقاس بمال، وأن تكسب ود حرٍّ قوي، خير من أن تشتري عبداً خنوعاً.