مجرى الحديث

ونعم كما أنّ البعض سيئ الحظ لدرجة أنّه يحبّ من ليس له فيه نصيب فنحن نظلم أنفسنا عندما نريد صديقاً لا يريدنا. وهذا من الابتلاء الذي أسأل الله أن يجيركم منه.

عربي بوست
تم النشر: 2016/03/06 الساعة 03:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/03/06 الساعة 03:22 بتوقيت غرينتش

ويأخذنا مجرى الحديث إلى ذات النقطة مرة أخرى. أتريد الصدق؟ لقد مللت من قول ذات الشيء كل مرة، ولقد مللت من عجزي عن إيصال فكرتي ولقد أوجعني التوقع متلواً بالخيبات كثيراً، وكل ما سأقوله هنا هو فضفضة روح وشرح أفكار ومحاولة مستميتة لكي نصل إلى ذات الطريق الذي كان يجمعنا.

بدأت بكتابة هذه الأسطر حتى أقتل الملل وأنا أنتظر أن يناديني الدكتور حتى أساعده في عملية استئصال للثدي بسبب ورم خبيث هناك. وللأسف، كانت قد تأجلت كتابة هذا المقال كثيراً حتى نسيت تفاصيله وذلك لتقصيري تجاه أدبي ولكن الفكرة ما زالت موجودة وسأخبركم بما تبقى منها في مخيلتي.

عندما دخلت غرفة العمليات، حاول طبيبي أن يشركني بشيء حتى يكون لوجودي معنى وكان واعياً لحقيقة أَنِّي لم أقف في هذا الموقف سابقاً وسأحتاج إلى صبر المعلّم الذي يوجهني. لم يكن الطبيب الآخر مقتنعاً بهذه الفكرة واكتفى بزجري وحملي على ترك ما بيدي مفترضاً أَنِّي سأتعلم دون أن أجرّب. ربما كنت صبورة حتى أبقى هناك وأقاوم كلام المحبطين الذي ظل يردده وكنت قادرة على تجاوزه وأكملت ما أردت دون أن ألقي بالاً لما أراد أن يأخذني إليه، ولكن فلنواجه الأمر أنا لست إيجابية في كل المواقف، وليس كل أحد إيجابياً في معظم المواقف. ولنسقط هذا المثال على ما أردته من هذا المقال وهو الصداقة. لنفترض جدلاً أَنِّي حاولت أن أقترب بجهد قاتل متجاهلة كل الظروف ومن ثم جاءني رفض مباشر، ما الذي عليّ فعله؟ وتخيّل أن تكون مستقبلات الحسّ حسّاسة بشكل أسوأ وتفاعلت مع عدم وجود رفض مباشر، بعض الناس بحاجة إلى إعادة تذكير أنهم مقبولون وأنهم مرغوبٌ بهم، وأنهم وبرغم سوئهم ما زلنا نريد قربهم.
ونعم كما أنّ البعض سيئ الحظ لدرجة أنّه يحبّ من ليس له فيه نصيب فنحن نظلم أنفسنا عندما نريد صديقاً لا يريدنا.
وهذا من الابتلاء الذي أسأل الله أن يجيركم منه.

بعد عناء طويل ووجع ظهر وشدّ على عضلات يدي استأصل الدكتور كل الدهون في تلك المنطقة ووصل إلى العضلات. كان منظر العضلات وهي تصعق بالكهرباء لكي يتوقف نزيفها شبيهاً بيدك وهي تبتعد عن حريق قد أتاها. تخيل أنَّك وبعد كل خيباتي بك لم يعد هناك بطانة تحميني من صدمات أفعالك وبات الفعل الصغير سبب حزن كبير. تخيّل كم قد تكون قد ضيَّعت على نفسك حتى تكون وصلت إلى هذه المرحلة. من المحزن أن تصل إلى مرحلة أنّ كل خزان أعذاري لك قد استنزف ولم يعد هناك ما يمنع جسمي من أن ينتفض. وهناك في العملية عندما قرّب طرفي الجلد مع بعضهما البعض لم يلتقيا كما كانا، لم يعد شيئاً كما كان، حاول كثيراً ولكن بقي هناك فراغ، سيحتاج وقتاً لكي يطيب ولكن للوقت الحالي سيبقى مفتوحاً وسيبقى معرضاً لفتحٍ أكثر أو لتلوث أسوأ. وقدر كبير من صدماتي وأكبر مخاوفي يتمثل في أنَّ أبغي الناصح الأمين عندما أسأل النصح، فأجاب إجابة عابر سبيل الذي ما قضى وقتاً ليفكر بجديّة. ومن سخرية المواقف، أن الكل مفضوح وتشاء الأقدار أن تدور الدوائر ونرى البعض في مواقف كنّا فيها فنراهم لا يفعلون ما كانوا يقولون وهذا إن عنى شيئاً فهو يعني أنهم لمصلحتنا لا يهتمون. وهذا يذكرني عندما أخبرني دكتوري هذا عن دكتور عالج زوجته بطريقة كان يمنع مرضاه عنها لأنه لا يعرف كيفية فعلها، فكيف سأصدّقك بعد ذلك. وتخيّل أن هذا يحدث على جرح مفتوح.

هذا جزء من يومي، ولكن في جزء آخر هناك طفلة صغيرة ما زالت حبيسة، لم تعِ كيف الخلاص بعد. متعبة، مرهقة وتكتفي بأن تكون صغيرة القوم بين اثنين من البشر. هي لم تكبر بعد، لم تصل إلى مرحلة النضوج بعد، ولم تستطع أن تتجاوز ما مضى بعد، تتوسط هذين الصديقين، تمسك يداً بالكف الأيمن ويد الشخص الآخر بالكف الأيسر وتقبض عليهما بقوة إلى مرحلة الألم أحياناً وهي تعلم أن القبض بقوة لن يغني عن شيء فالكل راحل لا محالة. أما آن لي أن أتمالك نفسي وأمضي؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد