إنهاء الاستعمار على التعليم

وهذا يقودنا إلى جوهر نضالنا، نضال إنهاء الاستعمار على التعليم. إنهاء الاستعمار هو إزالة نظرية المعرفة الغربية التي تقدم نفسها على أنها عالمية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/23 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/23 الساعة 02:29 بتوقيت غرينتش

أثيرت ضجة في العالم الأكاديمي الصيف الماضي عندما أعلن اتحاد أكسفورد -الشهير على مستوى العالم- نفسه عنصريًّا على مستوى المؤسسة. بالنسبة لكثير من الناس، هذا لم يكن مفاجئاً، بل بياناً رسميًّا عمّا عُرِف عند معظم طلاب الأقليات لفترة طويلة. ومنذ ذلك الحين، قد ظهرت حركة في الجامعة تفتقر إلى التنوع، اسمها "رودس يجب أن يسقط"، سُمِّيَت بعد حركة مماثلة في جنوب إفريقيا، وتتابع انتشار هذه الحركة في الجامعات في كل أنحاء بريطانيا وأوروبا وأميركا. ما الدافع المشترك بين كل هذه الحركات؟ إنهاء الاستعمار على التعليم.

يتناول أحد الجوانب الأكثر إلحاحاً في إنهاء الاستعمار على التعليم مسألة أين يحدث التعليم؟ وهو يكافح في جعل مكان التعليم آمناً ومتاحاً للطلاب من جميع البيئات. لقد اختار الإعلام البريطاني أن يركز على هذا الجانب المحسوس لإنهاء الاستعمار، لأن الحركة في أكسفورد تدعو إلى إزالة المعالم المساة بأسماء المشاهير في جامعة أكسفورد "سيسل رودس". من كان سيسل رودس؟

كان رودس مستعمراً بريطانياً نموذجياً، رجل أعمال، رجل دولة، المستغل الذي لم يكن يعرف الرحمة. غزا منطقة تضم زيمبابوي وزامبيا ومالاوي المعاصرة، ذبح بلا رحمة جميع الآلاف الذين ثاروا ضده. وأما الباقي، فكانوا يضطرون للعمل كعبيد في مناجم الماس. وهو مسؤول شخصياً عن تشريد الملايين من الأفارقة لمصلحة المستوطنين البيض على أراضيهم، ووضعت سياسته كرئيس للوزراء في جنوب إفريقيا حجر الأساس لنظام الفصل العنصري "الأبرتهايد".

اُعتبر مليارديراً في وقته، تبرع رودس بجزء ضئيل من ماله لجامعة أكسفورد، بالتحديد كلية "أوريل"، التي بدورها كرّمته بتسمية المعالم المختلفة على اسمه، العديد من اللوحات التذكارية، تمثالاً له واقفاً فوق الملوك والأساقفة وهو يحدق بازدراء على الشارع الرئيسي، وبناء تُستضاف فيه منحة رودس.
ومع ذلك فإن مشهد تمثال هذا السفاح الإمبريالي ليس ما يُزعِج الناس فقط، في حقيقة الأمر إنّ أكسفورد بذاتها نصب تذكاري لجرائم الاستعمار، سواء أكان ذلك يظهر في مكتبة كودرينغتون التي بنيت على أرباح العمل العبودي في بربادوس، أو في متحف بيت ريفرز الذي يحتوي على قطع أثرية مسروقة من العديد من شعوب العالم برمته.

صوّت أعضاء اتحاد أكسفورد الشهر الماضي لإسقاط تمثال رودس على غير المتوقّع من قِبَل أعضاء قاعدة الاتحاد الرئيسيين. وعلى الرغم من ذلك، رفضت رئيسة الجامعة وهي تدافع عن المستعمِر رودس جنباً إلى جنب مع العديد من الأكاديميين البارزين والشخصيات الإخبارية، حيث قارنوا النشطاء من الطلاب بداعش وغيرها الذين يرغبون في إزالة التاريخ. المفارقة أن هؤلاء أنفسهم مَن يعتبرون أن نصب تمثال لسفاح كـ"هتلر" أمر لا داعي له على الرغم من كل التبرعات التي قدمها لمجتمعه.

ولكن كما أشارت الحركة، أن اهتمامها لا يقتصر على التمثال فقط، بل ويشمل أيضاً النظام الأكاديمي بأكمله، حيث أصدرت الحركة في بيانها: "نهدف إلى إيجاد نقلة جامعية في المجالات المادية والفكرية والكليات ومناهجها". تتناول جانباً ثانياً في إنهاء الاستعمار على التعليم مسألة مَن يدرّس ومَن يدرُس. مرة أخرى، قد فشلت أكسفورد ومعظم الجامعات عالية الرتبة في بريطانيا في تمثيل الأقليات في البلاد. على الرغم من أن هناك المزيد من الناس أصحاب البشرة الملونة في بريطانيا، وعددهم أكثر من ستة ملايين من جميع سكان أسكتلندا، هم غير ممثلين في التعليم، من 18510 الأساتذة، السود 85 فقط، ومنهم 18 من النساء. ومن جانب آخر من 3200 طالب مقبول في الجامعة العام الماضي، كان منهم 24 طالباً أسود فقط.

علاوة على ذلك، كشفت استطلاع من 2015 أن 60% من الطلاب ذوي البشرة الملونة يشعرون بعدم ارتياح بسبب عِرقهم، مثبتين بذلك ثقافة العنصرية في الجامعة. عوضاً عن ذلك، فإن معظم الطلاب البيض في أكسفورد من الطبقتين المتوسطة والعليا مختارون من المدارس الخاصة القليلة. ومن المعروف أن أكسفورد أنتجت العديد من قادة العالم، وتقريباً جميع رؤساء الإدارة الاستعمارية، بما في ذلك لورانس العرب قديماً وداعمو الاستعمار المستتر حديثاً، فمن 54 قائداً بريطانيًّا سابقاً، 41 درسوا في جامعة أكسفورد أو الجامعة التوءم كامبريدج.

قبل عشرة أيام كشفت وثيقة مسربة، أن المتبرعين قد هددوا الجامعة بسحب 100 مليون باوند من التبرعات إذا أزالت الكلية تمثال رودس، وأنهم قد سحبوا بالفعل 1.5 مليون باوند، في الوقت الذي يزيد فيه اعتماد الجامعات عليهم مما أعطاهم حقًّا أوسع في ممارسة نفوذهم، وزاد الأمر سوءاً زيادة متزامنة في التكلفة السنوية للتعليم الجامعي إلى 9000 باوند، والضحية هم ذوو البشرة الملونة، لأنهم أشد الجماعات فقراً في المجتمع البريطاني. وهذه أهم العقبات التي تعمل الحركات على معالجتها بأن يكون التعليم علامة على نهاية الاستعمار.. تعليماً في متناول الجميع.

يتناول الجانب الأخير والأكثر أهمية في إنهاء الاستعمار على التعليم مسألة ماذا تدرس في الجامعة. على الرغم من أن الإمبراطورية البريطانية قد انتهت منذ فترة طويلة، إلا أن أكسفورد تستمر في دورها التاريخي كقلب فكري للإمبريالية البريطانية والاستعمار الجديد، حيث إن المناهج ضيقة الأفق ومحدودة الاطلاع. كشف استبيان في يناير أن 43% من الشعب البريطاني لا يزال يفخر بالإمبراطورية، وسبب ذلك أن ما يتم تدريسه هو أفضل الإرث الإمبراطوري على أنه مهمة حضارية مفروضة على بقية العالم. وأما الطريقة التي يتم بها تدريس علم التاريخ بشكل عام، فهي تركز على العالم الغربي باعتباره لب التاريخ، متجاهلةً الأصول والمساهمات غير الغربية. ومن غير المفاجئ أن يركز واحد من 19 موضوعاً معروضاً فقط على المسائل غير الأوروبية.

تحدث ظاهرة مماثلة في تدريس الأدب الإنجليزي، إذ يحفل منهجه الضيق تاريخياً بِسيَر الرجال وقِلة من النساء البيض في التاريخ، على الرغم من وفرة الكتّاب القدماء والجدد في كل أنحاء العالم الذين يكتبون باللغة الإنجليزية. في اللغات، تحافظ أكسفورد والغالبية العظمى من المدارس الغربية على التمييز العنصري بين "اللغات الحديثة" و"اللغات العرقية" (أو كما سمي في أكسفورد، اللغات الشرقية)، حيث تقتصر اللغات الحديثة على لغات أوروبا الغربية والروسية. على الرغم من أن المتحدثين بالبنجابية يفوقوا المتحدثين بالفرنسية في العالم -وحتى في بريطانيا! لن تعتبر البنجابية لغة حديثة في ظل النظام التعليمي الحالي. أو في الفلسفة، حيث يوجد الفلسفة (التي هي مرادف للفلسفة الغربية)، في حين أن البقية مهمشة في شكل علم الإنسان- دراسة المعتقدات غير العقلانية من المجتمعات الهمجية.

وهذا يقودنا إلى جوهر نضالنا، نضال إنهاء الاستعمار على التعليم. إنهاء الاستعمار هو إزالة نظرية المعرفة الغربية التي تقدم نفسها على أنها عالمية. جذور هذه نظرية المعرفية يمكن العثور عليها في الكلام الشهير لديكارت "أنا أشك إذن أنا موجود". عن طريق فصل العقل عن الجسم، أعطت هذه فكرة للرجل الغربي الأبيض الشعور بالتمثيل المطلق عن الإله، وهي فكرة شاذة بين الفلسفات والأديان المتنوعة. لذلك ليس من قبيل الصدفة أن السيطرة الأوروبية على بقية العالم تزامنت مع هذه الثورة في نظرية المعرفة، وهي تقدم نفسها كنظام حقيقي وحيد لإنتاج المعرفة وتقديمه للشعوب المهزومة. وهكذا يغير الفيلسوف إنريكي دوسيل عبارة ديكارت إلى "أنا أتغلّب إذن أنا موجود".

ونعرف أن الاستعمار قد عمل دائماً من خلال تدمير المعرفة غير المطابقة له عن طريق إضفاء الصبغة العالمية على التفوق الفكري الغربي ضد الفكر المحلي. في حقيقة الأمر، تستند المعرفة العالمية التي تسيطر على الأوساط الأكاديمية على التجربة الاجتماعية والاقتصادية من أميركا وعدة دول أوروبية غربية أخرى والذين يشكلون 12% من سكان العالم. وفي جامعاتنا مثل أكسفورد (نفس الجامعة التي ساعدت على تطوير هذه الأفكار ونشرها ولا تزال تروجها) هذه هي الفجوة التي نحاول أن نعوضها. من تمثال رودس المعبود في شكله المحسوس إلى روح الاستعمار داخله.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد