دبي.. مدينة لا تعرف “حاتم”

قد يكون ذلك الانطباع الذي كونته عن إمارة السعادة يفتقد للكثير من الحقائق والمعلومات، لكنه كعين الطائر الذي رصد إجمالا الأرض التي تحته دون التعمق في تفاصيل.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/13 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/13 الساعة 03:00 بتوقيت غرينتش

أخيرا زرت دبي.. متسلحة بكل الفشخرة الفرعونية والعنصرية المصرية تدثرت لأواجه عواصف السمعة الدُّبَيَّاوِيَّة التي طافت أرجاء المعمورة زهوًا.
فكرة أن هناك مدينة أو دولة عربية تفوق مصر "التي في خاطري وفي دمي" جعلتني ما بين خاطرين متناقضين.. الأول أنني كمصرية نشأت على أن أبادل الشيخ زايد حبًّا بحب، وبالتالي فكل ما يمت للشيخ زايد هو قريب من القلب.. ناهيك عن أن عروبة دبي تبعث في النفس الفخر.. لكنني لم أستطع أن أمنع النفس من الحسرة على حال القاهرة.
ما بين هذة المشاعر العاصفة المتناقضة كانت زيارتي..

الانطباع الأول عن المدينة كان أنها ليست أجمل كثيرا من القاهرة وضواحيها.. شعرت أنني أتجول في التجمع الخامس أو مدينة السادس من أكتوبر.. أو حتى المعادي بفيلاتها الأنيقة وشوارعها الجميلة
وأشجارها العريقة.. باستثناء ناطحات السحاب المبهرة بكل المقاييس، شكلًا، وعمارة ، وزخرفة.. أحسست أن مصر بها أماكن أكثر جمالًا وأناقة.
ويبدو أنه نظرًا لأنني "دقَّة قديمة" وأفضل الطُّرُز المعمارية القديمة، فقد فقدت الناطحات الباسقات في سماء دبي ميزتها عن القاهرة.

طُفت المدينة وسعدت بل انبهرت بكل وسائل الرفاهية والإمتاع، لكن ما بهرني أكثر كان الآتي:
دبي بلا "حاتم"..
على مدار أسبوع لم أرَ عسكري مرور واحد باستثناء مرة.. ارتكب سواق التاكسي غلطة وإذا بالمصباح السحري يطلق فجأة ومن اللامكان عسكري أنيق حازم صارم يحمل كل صرامة وهيبة القانون.. لا لجان على الطرق لا وظيفة لها سوى تعطيل المرور أو جباية الإتاوات.. أجل إتاوات! أدركت في دبي أنها إتاوات.. ليس الغرض منها ردعك عن مخالفة القانون بقدر ما الغرض منها تقليبك بقرشين.. فالغرامة هناك آلاف من الدراهم تتضاعف مع مماطلتك في الدفع.. بينما عندنا مبلغ تافه لن يردعك بالطبع لكنه سيملأ جيب حاتم. ودبي مدينة لا تعرف حاتم بل تعرف القانون والنظام.. نظام يمنع شيطانك إذا راودك على مخالفة القانون.. نظام يستعمل عساكر من الستالايت والكاميرات لا تعرف "الدخان" ولا "الشاي بالياسمين" ولا "إنجز وخلَّص نفسك".

إحنا آسفين يا خط يا أبيض..
الخطوط البيضاء على الطرق طلع ليها شنة ورنة، آه والمصحف! خطوط للسيارات وخطوط للمارة
وخطوط لسيارات الخدمات.. لا يسمح بلمس الخطوط إلا لسيارات الخدمة المدنية كسيارات الإطفاء
والحريق .. والغريبة أن السيارات تفسح الطريق لسيارة الإسعاف لتمر لوجهتها بمنتهى السرعة.. إن شالله أنشك في نظري إن كنت باكذب.
كنت سعيدة جدا وأنا أستعمل الخط الأبيض في بلد عربي.. لقد وقعت في غرام الخط الأبيض وكان نفسي أبوسه وأنا مغادرة دبي لأنه هايوحشني في مصر.. فالخط عندنا وإن كان نفس اللون إلا أننا -والله أعلم- نظن أنه من أجل زخرفة الأسفلت.

التاكسي في دبي.. التاكسي هناك حاجة كده كفيلة بفقع مرارة أي مصري.. عندهم حاجة كده اسمها مكان انتظار للتاكسي ومينفعش تركب تاكسي عادي كده من الشارع زي خلق الله.. لازم تاخده من مكان انتظاره.. ودي حاجة لا تستغرق وقتًا بالمرة، والتاكسي مزود بجهاز أسطوري اسمه عداد، وتركب من غير ما يسألك مقدمًا عن المكان اللي إنت رايحة ويشغل العداد أول ما تركب، وخد التقيلة بقى.. تدفع المبلغ بالسحتوت زي ما في العداد.. وتاني إنشالله أنطس في نظري إن كنت باكدب، والسواق لابس يونيفورم قيمة وسيما، تقولش عريس ليلة دخلته.

دبي مدينة زبادي خلاط
ولعل الميزة العظمى التي تمتاز بها دبي من وجهة نظري والتي تفوق ما سبق هو هذا التناغم الرائع
وهذا النسيج الذي يشبه الدانتيلا في تشابك خيوطها ونعومة تطريزها بين جميع الجنسيات والألوان
والديانات.. إن لم تكن تعرف أن دبي مدينة عربية فقد يلتبس عليك الأمر وتَحَار.. اللغة الرسمية تقريبا للمدينة هي اللغة الإنجليزية.. والناس التقوا من كل حدب وصوب شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، ترى المجموعات وقد تناغمت أصفرها وأبيضها وأسودها، مسلم مسيحي هندوسي ملحد. مثال مصغر للكرة الأرضية. لكنه مثال رائع على إمكانية التعايش وقبول الآخر.. ميزة قبضت على معدتي بقسوة وأنا أتذكر وطني الذي يبعد سويعات قليلة وقد اصطفت جماعات شتى كل منها يبرز أنيابه للآخر والتي قد اصطبغت بدمه أو بان أثر لحمه بينها.

عدت وأنا أقول إن هذه المدينة تستحق بجدارة لقب مدينة السعادة، ليس لكل ما سبق، فكثير من الدول الغربية سبقتها إليه بكثير، لكنها تستحق اللقب لأنها اختصرت السنين والمسافات والحضارات، وبالرغم من كونها مدينة تشاركنا شرقنا الأوسطي بكل متناقضاته وآلامه وعقليته. بل إن القاهرة كانت تسبقها بسنوات ضوئية منذ أقل من خمسين عامًا، إلا أنها استطاعت وبجدارة أن تتغلب على كل ظروف المنطقة ومعتقداتها وظروفها، وحلقت بعيدا في سماء أخرى، أكثر رحابة وتقدما، بل وتخطت تلك السماء بحثا عن جنة السعادة، وعلى ما يبدو أنهم سمعوني.. إذ هي ساعات من عودتي و قرأت خبر تعيين وزير للسعادة "أي خدمة يا دبي". واستغربت أني حلمت كثيرا وقلت كثيرا وثرت كثيرا وما سمعتني بلادي
عدت وأنا أحني الرأس إجلالا لشعب استطاع أن يصنع من الفسيخ شربات، شربات طوقت سمعة حلاوته الآفاق واشتهت الدنيا تذوقه.

عدت وفي مخيلتي أهرامات الجيزة والمعابد وأماكن الغوص والصيد والمحميات الطبيعية والمغارات
والعيون الكبريتية ورمال الاستشفاء وواحات السفاري وأماكن العبادة والبحيرات العذبة والمالحة
والشواطئ المتنوعة والحياة البرية النادرة. ولسان حالي يردد فقط "هااااار إسوخ يا جدعان".

ملحوظة:
قد يكون ذلك الانطباع الذي كونته عن إمارة السعادة يفتقد للكثير من الحقائق والمعلومات، لكنه كعين الطائر الذي رصد إجمالا الأرض التي تحته دون التعمق في تفاصيل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد