الخوف من الندم قد يعيق تقدُّمك أكثر مما تعتقد.. تعلّم كيف تتغلب على ذلك الشعور

عربي بوست
تم النشر: 2019/03/06 الساعة 21:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/06 الساعة 16:22 بتوقيت غرينتش
Young sad mad sitting by the window in regret

كم مرةً فكرتَ في إنشاء شركة أو التفرّغ لمدة سنة من أجل كتابة تلك الرواية المؤجلة، أو إنهاء علاقة فاترة خالية من الحب، لكن انتهى بك الأمر إلى عدم فعل أي شيء من كل ذلك؟ قد يكمن السبب في الخوف من الندم، الذي يُعد مُحرّكاً قوياً يدفعنا نحو الحفاظ على الوضع الراهن في حياتنا.

كشف أحد الأبحاث في علم النفس والعلوم العصبية والسلوكية أنَّ شعور الندم يمكن أن يؤثر بشدة على حياتنا.

يمكن القول إنَّ المال والعلاقات هما القضيتان اللتان تستهلكان معظم مواردنا العاطفية والعقلية، والندم يؤثر في سلوكنا حيال كلتيهما.

الخوف من الندم يدفع للتمسك بالوضع الراهن.. مهما كان

عندما يتعلق الأمر بالمال، ثمة انحياز معرفي شهير مرتبط بالندم يُدعى "أثر النزعة" أو "disposition effect".

يصف هذا الانحياز -وفق موقع The conversation– مدى تمسّك المستثمرين بالأصول الخاسرة، في حين يميلون إلى بيع الأصول المربحة عالية القيمة.

نتردّد بشدة في بيع أحد الأصول بخسارة، سواءٌ كانت صندوقاً استثمارياً مشتركاً أو سندات، أو حتى عملات مشفرة مثل البيتكوين.

في الواقع، نتمسّك بها بينما تستمر قيمتها في الانخفاض على أمل أن ترتفع مُجدّداً، بغض النظر ما إذا كان ذلك أمراً مرجحاً أم لا.

القوة الدافعة وراء اتّباع ذلك السلوك هي خوفنا من الندم، الذي يجعلنا نتمسّك بالوضع الراهن حتى لو كان يتعارض مع ما تخبرنا به عقولنا أو حدسنا.

نحن لا نرغب في بيع الأصول بخسارة، لأنَّنا إذا فعلنا ذلك يتعيَّن علينا الاعتراف أمام أنفسنا بارتكابنا خطأً عندما اخترنا منذ البداية شراءها.

ومن ثمَّ، يسمح لنا الاحتفاظ بها بتجنُّب خوض تجربة الشعور بالندم في الوقت الراهن.

ويوقع صاحبه في فخ التشبث بمشاريع فاشلة

وثمة مثال أعم يتمثّل في "انحياز التكلفة المنخفضة"، الذي يصف حقيقة أنَّنا كثيراً ما نبدأ مشروعاتٍ جديدة مع توقعاتٍ عالية بأنَّها ستؤتي ثمارها على نحوٍ جيد.

وبينما نبذل جهداً ضخماً ونضخ أموالاً هائلة في مشروعٍ ما، قد نلاحظ تدريجياً أنَّه لن يعود علينا بأي فائدة.

وعلى الرغم من أنَّ خيار الانسحاب يكون متاحاً أمامنا بسهولة، نجد أنفسنا بدلاً من ذلك نواصل التشبّث بذلك المشروع لمدة أطول، ونبذل مزيداً من الجهد، على الرغم من أنَّ شعورنا الداخلي وإدراكنا العام السليم يؤكدان أنَّنا لن نجني منه أي شيءٍ في المقابل.

هنا، نشعر بالندم إذا أنهينا مشروعاً قبل أن تتحقّق الفائدة منه. لذا نقع في فخ التشبّث به بشكلٍ غير عقلاني من أجل تجنّب الشعور بالندم مؤقتاً.

الخوف من الندم يمنع من إنهاء علاقات فاشلة واختبار بداية جديدة

ويوجد هذا الانحياز المعرفي غالباً في العلاقات الرومانسية.

على سبيل المثال، يتشبَّث العديد من الأشخاص بعلاقاتٍ يعرفون جيداً عدم جدواها.

لذا، لا تزال هناك علاقات فاشلة قائمة رغم افتقارها إلى الحب أو الشغف، بسبب الانزعاج من تحمُّل عناء إنهائها.

إذ يُجبرك إنهاء مثل هذه العلاقة في نهاية المطاف على الاعتراف بالفشل والشعور بالندم.

وفي محاولتنا لتجنُّب الندم، نخبر أنفسنا بدلاً من ذلك أنَّه بما أنَّنا قد وصلنا إلى هذه المرحلة المتقدمة في العلاقة، يجب منحها فرصةً أخرى على الرغم من معرفة أنَّه بالكاد يوجد أي أمل.

يمنعنا نفس الخوف من الدخول في علاقة جديدة، حيث يتسبَّب الخوف من الندم في جعل الوضع الراهن جذَّاباً بشكلٍ ملحوظ، حتى لو لم يجعلنا سعداء على المدى الطويل.

ما هو الندم من الناحية العلمية؟

السؤال هو: لماذا نقع في هذا الأمر بسهولة؟ الندم هو عاطفة شديدة الأهمية زوَّدنا بها التطور لتسهيل عملية التعلَّم.

إذ يصعب علينا التعلّم من أخطائنا من دون وجود الشعور بالندم، نحن بحاجة إلى هذا المُحفّز المؤلم لتجنّب تكرار نفس الخطأ مراراً وتكراراً.

لكن الطريقة التي يدير بها عقلنا عملية الشعور بالندم، وتحديد قدر الألم الذي نشعر به، منافية للمنطق بعض الشيء.

فعلى سبيل المثال، يثير عدم اللحاق بحافلة غادرت قبل دقيقة واحدة شعوراً بالندم أكبر من عدم اللحاق بحافلة غادرت قبل عشر دقائق (بغضّ النظر عن المدة المتوقعة لانتظار الحافلة التالية).

وبالمثل، يثير قرار تغيير الوضع الراهن، الذي يثبُت لاحقاً أنَّه خاطئ، ندماً أكبر من اتخاذ قرار غير حكيم بالبقاء في إطار الوضع الراهن.

ويبدو أنَّ اتخاذ قرار بتغيير شيءٍ ما يخلق انطباعاً خاطئاً لدينا بأنَّ القرار لا يستحق أن ننظر إلى الظروف التي أحاطت به، مما يجعل العقوبة التي نوقعها على أنفسنا من خلال الندم أكثر قسوة.

ساعدت دراسات حديثة لتقنيات تصوير الدماغ البشري في تحديد الدوائر العصبية المعنية بالشعور بالندم.

تُبيِّن تلك الدراسات أنَّ ثمة نشاطاً كبيراً يحدث في منطقة "قرن آمون"، المسؤولة عن الذاكرة في مخ الإنسان.

الأشخاص المُعرّضون للشعور بالندم أقل قابلية للمجازفة

وتبيّن أيضاً أنَّ مشاعر الندم والخوف من الندم تنطوي على دوائر عصبية مشابهة للغاية، الأمر الذي يشير إلى أنَّ مشاعر الخوف من الندم مماثلة تماماً لمشاعر الندم الفعلي من الناحية العملية.

قد يساعد ذلك بوضوح في تفسير سبب أنَّ الخوف من الندم قد يكون مؤلماً وقوياً للغاية.

ويختلف أيضاً تأثّرنا حيال الشعور بالندم، إذ يُعد الأشخاص الذين يعانون من درجاتٍ عالية من الاضطرابات العصبية أكثر عرضة لمشاعر الندم من الآخرين.

هذا يعني أنَّ الميل إلى الندم يرتبط بمشاعر الغضب والخوف والوحدة.

ويرتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بتحيز "النفور من الخسارة"، الذي يشير إلى الميل إلى التركيز على الخسائر بدلاً من المكاسب.

هذا يجعل الأشخاص المُعرّضين بدرجة أكبر للشعور بالندم أقل قابلية للمجازفة.

إذن، كيف نعالج خوفنا من الندم لتحقيق ما ننشده في الحياة؟

تتمثَّل نقطة البداية حقاً في إدراك مدى التأثير العميق للندم علينا.

إذا أدركنا أنَّ أدمغتنا تمارس الحيل علينا، قد يكون من الأسهل المضي قدماً.

لذا، إذا وجدت نفسك تفشل مراراً وتكراراً في تحقيق أهداف حياتك، اسأل نفسك ما إذا كان السبب هو الخوف من الندم.

وإذا كان الأمر كذلك، داوِم على تذَكير نفسك بأنَّه في حين أنَّ التغيير ينطوي دائماً على مخاطر، فإنَّ البقاء ساكناً دون حراك لا يقل خطورة.

بالإضافة إلى ذلك، يعكس الندم التفكير في الماضي، على عكس القلق، الذي يعكس التفكير في المستقبل.

لذا، بينما يساعدنا هذا الشعور على التعلُّم من أخطائنا، لن يسمح لنا بتصحيح تلك الأخطاء المُرتكبة بالفعل.

تشارك في قراراتك مع الآخرين.. مالياً وعاطفياً

لعل السماح لنفسك بالاستماع إلى نصيحة الآخرين هو العلاج الأكثر فاعلية.

وفيما يتعلق بالقرارات المالية يمكنك تحقيق ذلك عن طريق تعيين مستشار مالي.

يقلل المستشارون من خوفنا من الندم بصورة كبيرة للغاية، لأنَّنا نتقاسم قرارنا مع آخرين، ومن ثمَّ لن نتحمل اللوم وحدنا إذا تبيَّن خطأ القرار.

يمكن تطبيق نفس المنطق على الندم العاطفي.

اسمح لنفسك بتلقّي نصيحةٍ من صديق مُقرّب أو أحد أفراد العائلة، عند بدء علاقة جديدة أو قبل إنهاء علاقة قديمة.

سيتيح لك ذلك، بالإضافة إلى معرفة رأيٍ ثانٍ، مشاركة معاناة الندم مع شخصٍ آخر، الأمر الذي يُسهّل كثيراً اتِّخاذ قرار إنهاء الوضع السلبي الراهن.

قد يشعر المرء بالارتياح في الحفاظ على الوضع الراهن، لكن هذا ربما يعني أنّنا نضيع فرصة تجربة أشياء مهمة في الحياة.

في الواقع، الإبقاء على الوضع الراهن يمكن أن يجعلنا في كثيرٍ من الأحيان أكثر بؤساً على المدى الطويل.

كل ذلك من أجل ماذا؟ فقط من أجل تجنُّب شعورٍ مزعج –لكنه مؤقت- بالندم.

تحميل المزيد