أخيراً اكتشف العلماء استخداماً جديداً للزائدة الدودية.. لكن مهلاً، هي ليست نافعة بل هذا المرض الخطير يبدأ منها

الرابط بين صحة أو مرض دماغك وسائر جسدك، وبين صحة أو مرض قناتك الهضمية باتت تتكشف لنا جوانبه يوماً بعد يوم، حتى أصغر أجزاء تلك القناة

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/03 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/03 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
A young male patient describes his symptoms to his doctor.

الرابط بين صحة أو مرض دماغك وسائر جسدك، وبين صحة أو مرض قناتك الهضمية باتت تتكشف لنا جوانبه يوماً بعد يوم، حتى أصغر أجزاء تلك القناة.

ذلك الجسم دودي الشكل القابع في الركن الأيمن السفلي لجذعك، متدلياً من أمعائك الغليظة، والذي أسميناه – استهانة به، وإنكارا لوجود وظيفة له – بـ"الزائدة الدودية" تبين أن له وظيفة هامة في جهازنا المناعي، ذلك الجهاز الذي يتأثر بما نلقيه في جوفنا من أغذية أو سموم، وما يمر بخواطرنا من أفكار ومشاعر، فيتفاعل مع كل ذلك عبر قناتنا وزائدتنا فتصدر منه رسائل كيميائية بروتينية تمر عبر العصب الحائر إلى باقي أجزاء الجسد صحة أو مرضاً.

العلاقة بين الزائدة وباركنسون

فوفقاً لأحدث الدراسات، فقد كشف تحليل لحوالي 1.7 مليون شخص عن وجود علاقة غريبة بين تلك الزائدة وبين داء باركنسون (أو الشلل الرعاش). ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين كان لديهم تلك القطعة الصغيرة من النسيج البشري وتمت إزالتها كانوا أقل عرضة بنسبة 25٪ لتطور داء باركنسون، اعتماداً على المكان الذي يعيشون فيه. ليس هذا فحسب، بل تم اكتشاف كتل من البروتين كانت مرتبطة في السابق بحالة الزائدة وأجزاء أخرى من الجهاز الهضمي، إضافة إلى الأدلة الموجودة التي تربط الأمعاء بهذا المرض الدماغي.

في هذه الدراسة قام علماء الأعصاب من الهيئات البحثية في جميع أنحاء العالم بجمع تفاصيل من "مبادرة دلالات تقدم داء باركنسون Parkinson's Progression Markers Initiative" ومن "السجل الوطني السويدي للمرضى Swedish National Patient Registery" للبحث عن العلاقة بين هذا المرض العصبي والتهاب الزائدة.

مصابة بداء باركنسون / istock
مصابة بداء باركنسون / istock

لم تكن تلك العلاقة مجرد طعنة في الظلام – فهناك مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن العديد من الناس، يبدأ مرض باركنسون لديهم هناك في الأسفل في الأمعاء ثم يسافر عبر العصب الحائر في الدماغ. وقد لا يكون في ذلك مفاجأة، فالأعراض المبكرة للداء تبدأ بالإصابة بالإمساك. كما أنه قد تم رصد كتل غير طبيعية من بروتين يسمى ألفا سينوكليين alpha-synuclein مرتبطة بداء باركنسون موزعة في المسالك المعدية المعوية. وبما أن البروتين يتراكم كرد فعل مناعي على السموم والبكتيريا، ويعتقد أن تلك القناة المسدودة التي تسمى بالزائدة الدودية لديها دور تلعبه كمأوى للقنابل من الكائنات المعوية الدقيقة، ومن الواضح أن تلك الكائنات تحفر هناك من أجل الاتصال عبر العصب الحائر.

الزائدة ليست زائدة

وكما تقول الباحثة الرئيسية للدراسة فيفيان لابري Viviane Labrie من معهد أبحاث فإن أنديل Van Andel Research Institute في ميشيغان لصحيفة الغارديان "على الرغم من وجود سمعة بأن الزائدة عضو غير ضروري إلى حد كبير، إلا أنها تلعب في الواقع دوراً رئيسياً في أنظمتنا المناعية، خاصة في تنظيم تركيبة بكتيريا الأمعاء لدينا، والآن، كما يظهر من خلال عملنا، فإن لها دوراً أيضاً في داء باركنسون".

من المعروف أن داء باركنسون هو مرض يحدث ببطء، حيث يستغرق الأمر سنوات لتتحلل خلايا الدماغ المنتجة لبروتين الدوبامين إلى الدرجة التي يعاني فيها الجسم من الارتجاف، وصلابة العضلات، وفقدان الحركات التلقائية المختلفة. ويبدو أن هذا الموت البطيء لخلايا الدماغ مرتبط بالطريقة التي تتم بها طيات وتكتلات ألفا-سينوكليين في بعض الناس، والتي يُلقى باللوم عليها إلى حد ما في إحداث الطفرات في الجين المسؤول عن بناء بروتين الدوبامين. لكن عقودًا من الأبحاث تشير إلى أن ما يتسبب في الداء ليس فقط تكتلات تؤثر على الجينات، وكان هناك شك متزايد في وجود علاقة للتفاعلات بين الدماغ والأمعاء في حدوث الداء. ولا شك أن بطء وتيرة ظهور باركنسون هو الأفضل بالنسبة للمعرضين لخطر الإصابة به، لكنه يجعل الدراسة أكثر صعوبة على الباحثين.

الزائدة الدودية في الجسم / istock
الزائدة الدودية في الجسم / istock

من خلال الاستفادة من سجلات المرضى على المدى الطويل، تمكن الفريق من الوصول إلى عقود سابقة من الزمن لمعرفة من منهم تمت إزالة الزائدة الدودية لديه، ومعرفة ما إذا كان قد قد تم تشخيصه بداء باركنسون.

وقد أكدت مقارنة الأرقام في بنكي المعلومات هذين أن هناك شيئاً غريباً يحدث. فقد أجرى أكثر من نصف مليون مريض في السجل استئصالاً للزائدة الدودية بسبب الالتهاب أو العدوى المشتبه فيها، في حين تم تشخيص حوالي 2200 من أصل 1.7 مليون مريض بداء باركنسون. وقد كان التداخل واضحاً بين الأمرين، حيث كان هناك 1.6 إنسان تم تشخيصه بداء باركنسون من بين كل 100 ألف شخص من أولئك الذين تمت إزالة الزائدة لديهم. أما أولئك الذين كانت الزائدة ما زالت سليمة لديهم، كان المعدل أقرب إلى 2.0 لكل 100 ألف. إن الزيادة في المعدل بنسبة 20 في المائة تعد كبيرة، ولكن هذا لا يعني أن إزالة الزائدة يجعلك محصناً ضد داء باركنسون. وهو ما يضيف عنصراً آخر إلى الغموض، ويساعد الباحثين على فهم أفضل لماذا تتراكم الأشكال الطافرة من ألفا سينكليين alpha-synuclein وتقتل خلايا الدماغ.

وقد وجدت المقارنات التي تستند إلى ما إذا كان المرضى الذين يعيشون في المناطق الحضرية أو الريفية أن سكان الريف الذين أزيلت الزائدة الدودية لديهم كانوا أقل عرضة بنسبة 25٪ لتطور داء باركنسون، وهو ما يساهم في تأكيد نتائج البحوث السابقة التي تبين الروابط بين التعرض لمبيدات الآفات ومرض باركنسون.

ويمكن للأبحاث المستقبلية أن تخبرنا عن الكيفية التي تنطلق بها الاستجابة المناعية التي تحدث في الأمعاء لتصبح كتلا من البروتين القاتل في الدماغ، وربما تساعد في إبطاء أو حتى منع ظهور المرض.

علامات:
تحميل المزيد