تتعرض منطقة حوض البحر المتوسط لمخاطر شديدة أكثر من ذي قبل مع تسارُع معدلات التغيرات المناخية مما يهدد الأمن الغذائي في مصر ، وتسبب في مخاوف إضافية من بيئة تتأثر أيضاً بمشاكل أخرى مثل ارتفاع الحرارة والتغيرات في استخدام الأرض، والتلوث، وتراجع التنوع البيولوجي.
وطبقاً لدراسة حديثة نُشرت، يوم الإثنين 22 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" تتناول تأثيرات التغير المناخي على التنمية المستدامة في دول حوض البحر المتوسط، فإن متوسط درجات الحرارة في منطقة حوض المتوسط قد ارتفع بالفعل بمقدار 1.4 درجة مئوية منذ حقبة ما قبل الصناعة، وهو ما يمثل ارتفاعاً بمقدار 0.4 درجة مئوية عن المتوسط العالمي للارتفاع في درجات الحرارة، ما أدى إلى تفاقم المشكلات البيئية في المنطقة.
الدراسة أعدها فريق دولي من الباحثين بأقسام الجغرافيا والبيئة بعدد من الجامعات الأوروبية إضافة إلى باحثين من جامعات إسرائيلية ومغربية.
كانت دراسة سابقة نُشرت في يوليو/تموز الماضي في دورية "إنفيرونمنتال ريسيرش" قد حذرت من أن الفشل في الوفاء بتعهدات اتفاقية باريس للمناخ سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، ما يمكن أن يكلف اقتصاد العالم 14 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2100.
دلتا مصر لها وضع خاص
توضح الدراسة أن تسارُع معدلات ذوبان الكتل الجليدية في القارة الشمالية المتجمدة "أنتاركتيكا" وجزيرة غرينلاند، ومناطق أخرى في الشمال، سيتسبب في تجاوز الارتفاع في مستوى سطح البحر بشكل غير متوقع.
دول حوض البحر المتوسط ستكون من أكثر مناطق العالم تأثراً بارتفاع مستوى سطح البحر، حيث يعيش جزء كبير من السكان قريباً جداً من الساحل، ما يجعلهم عرضة لموجات البحر والعواصف، مثل المدن الساحلية في مصر وسوريا وفلسطين والجزائر والمغرب وتونس. كما يؤثر تغلغل المياه المالحة على التربة الزراعية في العديد من المناطق، مثل دلتا نهر النيل في مصر مما يهدد يهدد الأمن الغذائي في مصر ، كما توضح الدراسة.
وتعاني المناطق المطلة على ساحل البحر المتوسط في مصر من تسرّب مياه البحر المالحة إلى طبقات التربة، وسيزيد هذا التسرب مع استمرار ارتفاع مستوى سطح البحر.
وتقول الدراسة إن حوالي 30% من الأراضي الزراعية المصرية في الدلتا تأثرت بسبب تزايد معدلات الملوحة في التربة.
كما تأثرت 60% من المناطق الزراعية في شمال ووسط الدلتا، و20% من مناطق جنوب الدلتا بسبب الملوحة. وتحذر الدراسة من أن التدهور البيئي يدفع بالسكان المصريين المتنامية أعدادهم سنوياً نحو نطاق يزداد ضيقاً باستمرار.
وتشير دراسة مسحية أجرتها الجمعية الجيولوجية الأميركية، ونشرت نتائجها في شهر مايو/أيار من العام الماضي، إلى أن قرابة 20 إلى 40 كيلومتراً من ساحل الدلتا المصرية ستتعرض للغمر بفعل مياه البحر المتوسط بحلول نهاية القرن الحالي مما يهدد الأمن الغذائي في مصر .
كما تتعرض الدلتا لعمليات هبوط بمعدل 3 إلى 5 ملليمترات سنوياً، خاصة بعد إنشاء السد العالي في جنوب مصر في ستينيات القرن الماضي، ما تسبب في حجز كميات ضخمة من الطمي الذي كان يسهم في بناء الدلتا مما يهدد الأمن الغذائي في مصر .
ورغم إن الدراسة لا تركز على دولة بعينها، فإن فولفغانغ كرامر Wolfgang Cramer الأستاذ بجامعة "أكس مارسيليا" الفرنسية والباحث الرئيسي في الدراسة، يقول في تصريح لـ "عربي بوست" إن مصر تتمتع بوضعية خاصة كون مناخها جافاً جداً، إضافة إلى الانخفاض البطيء في دلتا النيل وهو ما يهدد الأمن الغذائي في مصر وموائل السكان على حد سواء. ويضيف أن الظروف المناخية في دول شمال إفريقيا العربية المطلة على المتوسط يجعلها أيضاً مهددة ولو بدرجة أقل من مصر.
من الوفرة إلى الشُّح المائي.. دول شمال إفريقيا في خطر
وتشير الدراسة إلى أنه خلال العقدين الأخيرين، ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار 6 سنتيمترات، وزادت حامضية مياه البحر بشكل كبير. وحتى في حالة الالتزام بتطبيق بنود اتفاقية باريس وخفض معدلات الاحترار العالمي بمقدار درجتين، فإن ذلك لن ينقذ كمية الأمطار الصيفية المهددة بالانخفاض بنسب تتراوح ما بين 10 و30% في بعض المناطق، وهو الأمر الذي سيتسبب في نقص المياه وفي حدوث خسائر في القطاع الزراعي، خاصة في دول جنوب المتوسط الفقيرة تنموياً.
ولسد النقص المتوقع في كميات المياه اللازمة لتلبية الاحتياجات المائية الزراعية، يجب زيادة معدلات الري بنسبة تتراوح بين 4 و22% بنهاية هذا القرن، خاصة في ظل التزايد المطرد في أعداد السكان الذي قد يرفع هذه النسبة إلى 22 إلى 74%.
لكن الدراسة تشير إلى أن تزايد الحاجة إلى مياه الري في الاستخدامات الزراعية سيتسبب في نقص موارد المياه اللازمة للاستخدامات الأخرى مثل مياه الشرب والمياه الداخلة في قطاعي السياحة والصناعة يهدد الأمن الغذائي في مصر . ومن ثمَّ، كما يقول أسامة سلام، الباحث بالمركز القومي لبحوث المياه، في تصريح لـ "عربي بوست" فإن على مصر وضع خطة لمواجهة الزيادة في الاستهلاك الحالي للمياه في المنازل المتوقع ارتفاعها من حوالي 9.2 مليار متر مكعب في عام 2016 إلى نحو 15 مليار مكعب متر من المياه بحلول عام 2040.
بينما يستهلك القطاع الزراعي قرابة 70% من موارد مصر المائية. ويضيف سلام أن المياه الجوفية وتحلية مياه البحر هما المصدر الواعد لتلبية الاحتياجات المائية المستقبلية في مصر.
التغير المناخي يهدد الأمن الغذائي في مصر
ووفقاً لنتائج الدراسة، فإنه بالتزامن مع تزايد اعتماد دول جنوب المتوسط (شمال إفريقيا) على الغذاء المعتمد على منتجات اللحوم، فإن هذه الدول تواجه مخاطر زيادة حاجتها إلى الاستيراد لتلبية العجز المتوقع في الغذاء.
كما ستتعرض مصائد الأسماك في دول جنوب المتوسط إلى مخاطر ارتفاع نسبة حموضة مياه البحر، والصيد الجائر، بالإضافة إلى مخاطر التغير المناخي الأخرى.
وطبقاً لنتائج الدراسة، فإن مصر يتوقع أن تواجه نقصاً حاداً في إنتاجية المحاصيل الزراعية بحلول عام 2050، إذ سينخفض إنتاج مصر من محاصيل البقوليات بنسبة 40%. وتتوقع الدراسة أن تنخفض إنتاجية عباد الشمس في أوروبا بنسبة 12%، وينخفض إنتاج محاصيل الدرنيات في دول جنوب أوروبا (شمال المتوسط) بنسبة 14%.
الدراسة أشارت أيضاً إلى تأثيرات صحية على السكان بسبب التغير المناخي والتلوث، تشمل أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي.
وتشير دراسة سابقة نُشرت نتائجها في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم الأميركية "PNAS" في 8 أكتوبر/تشرين الأول، إلى وجود علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وتدهور الصحة العقلية. وهو ما أشارت إليه دراسة سابقة نُشرت في دورية "نيتشر كلايمت تشينج" نهاية يوليو/تموز الماضي، من أن ارتفاع درجات الحرارة يُسهم في زيادة معدلات الانتحار، ويرتبط أيضاً بتدهور الصحة العقلية وارتفاع معدلات الاكتئاب.
تحسين نظم الزراعة والبنية التحتية يسهم في تقليل المخاطر
يشير كرامر إلى أن كل الدول يجب أن تلعب دوراً في عملية التكيف مع التغيرات المناخية، مضيفاً أنه لا توجد طريقة لإزالة الكربون طبقاً لأحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهو التقرير الذي اعترفت به الدول مسبقاً بتوقيعها على اتفاقية باريس. "لكننا لا نزال نفتقر إلى مزيد من الجهد في عملية تقليل الانبعاثات. فمن الناحية الفعلية، بالنسبة إلى إزالة الكربون، يجب على المدن الكبرى في جنوب المتوسط مثل القاهرة وتونس والرباط إعادة بناء أنظمة النقل الخاصة بها".
بالمقابل يحمل كرامر خبراً ساراً وهو أن إزالة السيارات المسببة للملوثات من الشوارع واستبدالها بالسكك الحديدية على سبيل المثال، ستكون لها الكثير من النتائج الإيجابية مثل تقليل مخاطر الإصابة بالأمراض. ووفق الباحث الرئيسي فإن التكيف يمكن أن يحدث من خلال استخدام تقنيات زراعية حديثة وتحديث البنية التحتية الساحلية.
أما هشام الصفتي، الباحث بقسم الميكانيكا الهيدروليكية وهندسة السواحل، في جامعة براونشفايج University of Braunschweig الألمانية، فيقول في تصريح لـ "عربي بوست" إن على مصر تطوير حمايات لساحل البحر المتوسط، والبناء بالتقنيات المتوافقة مع الطبيعة المستخدمة في هولندا.
وتقوم هذه التقنية على حقن النظام البيئي البحري بالرواسب التي يمكن أن توفر وسيلة عضوية للساحل لبناء نفسه بشكل طبيعي مع زيادة مستويات سطح البحر. ويضيف الصفتي أنه لا غِنى أيضاً عن الحلول الهندسية الصديقة للبيئة الأخرى، مثل الحواجز الصخرية والأواليس وكاسرات الأمواج.