هل تعلم أن الجينات والعوامل البيئية والقيم التي تربينا عليها ليست العوامل الوحيد التي تتحكم في قراراتنا؟ فقد ينتقل طفيلي صغير من القطط المنزلية -على سبيل المثال- إلى دماغك، ليتلاعب بعقلك ويدفعك لقيادة السيارة بتهور، أو حتى الانتحار وإنهاء حياتك في لمح البصر!
يبدو الأمر مخيفاً بالفعل لكنه حقيقي، فقد طوّرت الطفيليات ومسببات الأمراض بعض الطرق المثيرة للاهتمام للتناسل أو للانتقال إلى المرحلة التالية من دورة حياتها، بما في ذلك اختطاف عقول مضيفيهم!
يتحكم هؤلاء الغزاة الجسديون في سلوك مضيفيهم، ويجبرونهم ببراعة على اتخاذ إجراءات تؤدي إلى إتاحة الفرصة لهم للانتشار أو التكاثر، ويرجح العلماء أن السبب يرجع لتغير مستويات الناقلات العصبية في الدماغ، مثل: الدوبامين والسيروتين المعروفة بتأثيرها على السلوك.
إليك 8 طفيليات ومسببات للأمراض تتحكم في عقول البشر:
المثقبيات البروسية Trypanosoma Brucei
وهو طفيلي الدم الأوليّ الذي يصيب عدداً كبيراً من الحيوانات، وأحياناً البشر.
دورة حياتها طويلة إلى حدّ ما تبدأ في ذبابة التسي تسي، التي تعضّ البشر ثم تدخل في الجهاز اللمفاوي للإنسان، ومن هناك تنتقل إلى مجرى الدم.
يمكن أن يسبب الإصابة بهذا الطفيلي مرض النوم، الذي يمكن أن يضر بكل من الإنسان والحيوان، ويأتي في مرحلتين مختلفتين من الأعراض.
تأتي الأعراض الأولية في صورة ألم المفاصل، آلام العضلات، والحمى، وتضخم الغدد الليمفاوية، في حين أن المرحلة الثانية تسبب تغيرات سلوكية وخمول شديد، حيث يبدأ الطفيلي بمهاجمة العمود الفقري والدماغ وفي نهاية المطاف، يمكن أن يتسبب في مقتل الشخص المصاب.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الطفيليات تهدف إلى جعل المضيف يتعرض للخطر دون قتله، فمن غير المحتمل أن يقوم مضيف ميت بنشر الطفيل وإكمال دورة الحياة؛ لذا بدلاً من أن يقتل دون تمييز، يضعف مضيفه ببساطة ويجعله فريسة محتملة للحيوانات الأخرى التي تعتبر ضرورية للطفيلي للتكاثر!
البكتيريا المعوية Intestinal Bacteria
نعم، إن البكتيريا المعوية التي يحتمل أن تكون قد أصابتك من قبل ولم تكد تفكر بالأمر قادرة على إحداث بعض التغييرات غير العادية في حالتك العقلية.. علاوة على ذلك، يمكن لهذه البكتيريا أن تلعب دوراً حيوياً للغاية في الإصابة بأمراض الاكتئاب والقلق!
في يونيو 2017 حددت دراسة جديدة من جامعة كاليفورنيا، طرقاً معينة يمكن أن تتفاعل بها البكتيريا المعوية مع مناطق مختلفة في الدماغ للتأثير على المزاج والسلوك لدى البشر الأصحاء.
في عام 2015، ذكر علماء من جامعة ماكماستر أن البكتيريا المعوية لعبت دوراً في كل من القلق والاكتئاب استناداً إلى دراسة أجريت على الفئران
في هذه الدراسة، قام الباحثون بإخضاع الفئران لضغوط عن طريق فصل المواليد الجدد عن أمهم لمدة ثلاث ساعات كل يوم ما تسبب في حدوث اختلال وظيفي في القناة الهضمية أدى لحدوث تغير في الميكروبات، التي بدت، بدورها، مرتبطة بوظيفة الدماغ المتغيرة.
وفي عام 2016 نشرت دراسة في مجلة ساينس أدفانسز توضح أن التفاعل الاجتماعي المتكرر يشجع على ثراء وتنوع الميكروبات اللازمة لصحة الأمعاء في الشمبانزي
في هذه الدراسة، قام باحثون من جامعة ديوك بمراقبة التغيرات في الميكروبات الموجودة بالأمعاء وملاحظة تأثيرها على السلوك الاجتماعي للشمبانزي البري على مدى 8 سنوات في حديقة غومبي الوطنية، تنزانيا. ووجد العلماء أن كمية البكتيريا وتنوعها في الجهاز الهضمي زادت عند اختلاط الشمبانزي لرفاقه.
وقد قسمت الدراسات البشرية الحديثة الناس إلى مجموعات تعتمد على وجود بكتيريا مختلفة في أمعائها بكميات مختلفة لتحديد التأثير المحتمل للبكتيريا المعوية على الحالة المزاجية البشرية.
تم استعمال أجهزة الرنين المغناطيسي الوظيفي وكذلك غيرها من المعدات لتسجيل استجابات أدمغتهم. كان لدى مجموعة واحدة بكتيرويزيدات أكثر، في حين أن المجموعة الأخرى كان لديها المزيد من بريفوتيلا، وهما نوعان من البكتيريا تعيش في أمعاء البشر ويعتقد أنهما تؤثران على المزاج.
عندما عرضت صوراً بها معاني عاطفية، كانت أدمغة الموجودين في مجموعة بريفوتيلا تستجيب بشكل مكثف بمزيد من القلق والاكتئاب، فضلاً عن غيرها من المشاعر السلبية.
التوكسوبلازما جوندي Toxoplasma Gondii
التوكسوبلازما جوندي، الطفيلي الذي يسبب المرض المعروف باسم داء المقوسات الذي يضر الأشخاص الذين يعانون من ضعف في الجهاز المناعي ومرضى فيروس نقص المناعة البشرية، وأولئك الذين يعانون من أمراض أخرى والتي تجعل المرء مصاباً بفيروس نقص المناعة.
يؤثر هذا الطفيلي على سلوك الجرذان والفئران والقوارض الأخرى المصابة فهو يختطف عقول القوارض، والتي هي عادة فريسة للقطط، ويعطيها شعوراً بعدم الخوف من القطط الأمر الذي يجعلها فريسة سهلة للقطط لتلتهمها بكل سهولة!
سبب قيام الطفيلي بهذا الأمر هو أنه يتكاثر فقط عندما يكون داخل القطط وهو لا يزال يتمكن من شق طريقه إلى البشر من خلال براز القطط (عند التعامل معه).
تظهر الأبحاث أن هذا الطفيل يؤثر على سلوك البشر ويعزز السلوكيات المحفوفة بالمخاطر لدى الأشخاص، فيكون الأشخاص المصابين بالطفيل على استعداد للقيام بأمور أكثر خطورة وبشكل عام على استعداد للالتزام بسلوكيات غير عادية، ونتيجة لهذا ترتفع احتمالات تعرض الرجال المصابين بالعدوى لحوادث السيارات.
ربطت دراسات بين الطفيلي "توكسوبلازما جوندي" والخوف والتوحّد ومرض باركنسوون وسرطان الدماغ.
من ناحية أخرى، قد تصبح المرأة المصابة بالعدوى إما انتحارية أو أكثر عاطفية، وأقل شعوراً بالأمان، ومتزمتة أخلاقياً.
داء الكلب Rabies
عندما يفكر الناس في مرض يغير عقول الحيوانات والناس، عادة ما يتبادر إلى الذهن داء الكلب.
داء الكلب هو الفيروس الذي يصيب الدماغ والعمود الفقري، وبالتالي يسبب ضرر كبير بالنسبة للكائن الحي المضيف قد يؤدي لقتله
يعيش الفيروس المسبب لداء الكلب في لعاب البشر والحيوانات المصابة، والتي تنقل بعد ذلك إلى مضيفين آخرين عندما يعض أحدهم الآخر.
يمر البشر الذين يتعرضون للعضّ من خلال بعض التغييرات السلوكية المثيرة للاهتمام التي تساعد الفيروس على التكاثر، تماماً كما يحدث مع الحيوانات الأخرى. الكائنات التي تحمل فيروس داء الكلب تميل إلى أن تصبح مفرطة الحركة وتهيج، ومعظم الثدييات تصبح أكثر جرأة وراغبة في العض، حتى تصبح شجاعة على نحو غير عادي للقيام بذلك.
بمعنى آخر، لتعظيم فرص الانتشار إلى مضيف آخر، يغير الفيروس فعلياً عقل مضيفه لكي يتحول إلى آلة عضّ غاضبة سائلة اللعاب تنهش كل ما يقابلها.
يمكن أن يعاني البشر من الهذيان والهلوسة بالإضافة إلى أعراض تشبه أعراض الإنفلونزا في البداية. لكن عندما يسيطر المرض، يكون الفيروس قاتلاً
الأكثر غرابة هو أن فيروس داء الكلب يسبب رهاب الماء، والخوف الشديد من المياه. بالنظر إلى أن داء الكلب يعيش في لعاب المصاب، فإن هذا يجعل المضيفون الذين يخافون من الماء لا يغسلون أفواههم، مما يجعله أكثر قدرة على الانتقال والتكاثر.
الملاريا Malaria
الملاريا هي مرض معدٍّ يتسبب في حدوثه كائن طفيلي يسمى البلازموديوم، تنتقل الملاريا بشكل كبير من خلال لدغات البعوض. عندما تلدغ بعوضة من الإناث شخصاً مصاب بالملاريا، يحصلون عليه، ثم يعضون شخصاً آخر وينشرونه إليهم.
Plasmodium falciparum و Plasmodium vivax هما نوعان من 5 أنواع من الطفيليات التي تسبب الملاريا في البشر وهم يقضيان جزءاً من دورة حياتهما في البشر والجزء الآخر في البعوض.
تعتمد الملاريا بشكل كبير على السكر، وهو المادة الرئيسية في نظام البعوض، لإكمال دورة حياتها، كما أن البعوض يعضك فعلياً للحصول على سكر دمك فالبعوض يعيش بشكل رئيسي على الرحيق والسكريات النباتية الأخرى الموجودة في البرية من أجل البقاء.
الملاريا تجعل البعوض أكثر جوعاً كما تنمي لديه الرغبة الشديدة من احتضان طفيليات الملاريا في فترات معينة.
خلال الفترة التي يحتاج فيها الطفيل إلى أن يكون داخل البعوضة، فإن البعوضة سوف تتوق إلى رائحة الرحيق الحلو، وبالتالي يبقى الطفيل. عندما يحين الوقت للانتقال إلى إنسان، تبدأ البعوضة في الرغبة في دم بشري!
تلتهم الملاريا السكر والهرمونات في الدم البشري بسرعة كبيرة، ما قد يؤدي إلى انخفاض نسبة السكر في الدم ويؤدي أيضاً إلى حدوث فقر الدم ونقص الفيتامينات ما يسبب الرغبة الشديدة في السكر، ويؤدي إلى زيادة مستويات السكر في الدم البشري بحيث يمكن أن تعود الملاريا مرة أخرى إلى البعوض الذي سيتوق للسكر في الدم البشري من جديد!
بكتيريا الحلق Strep Throat
يمكن أن تؤدي بكتيريا الحلق، أو بالأحرى البكتريا التي تسببها، إلى بعض التغيرات السلوكية غير العادية للأشخاص، خاصة الأطفال.
بالنسبة لمعظم البشر تقوم المضادات الحيوية أو الجهاز المناعي بكل بساطة بإزالة بكتيريا الحلق ويستمرون في حياتهم، لكن هذا لا يحدث بشكل مستمر.
في بعض الأحيان، يعاني الأطفال من التشنجات اللاإرادية العصبية وحتى اضطراب الوسواس القهري بالكامل بعد أن يسيطر عليها العامل الممرض.
يقوم الباحثون بالبحث عن احتمالية وجود علاقة بين الإصابة ببكتيريا الحلق وحالة نادرة تسمى الاضطرابات العصبية النفسية المناعية في سن الطفولة (اضطراب البانداس).
ويستخدم مصطلح اضطراب البانداس لوف بعض الأطفال الذين تتفاقم لديهم أعراض الإصابة بالأمراض العصبية النفسية، مثل اضطرابات الوسواس القهري أو اضطرابات العرة من خلال الاصابة بعدوى عقدية.
يمكن أن تظهر بعض القلق الشديد والاضطرابات المزاجية الأخرى، مثل قلق الانفصال أو الخوف الشديد من البق أو الجراثيم.
يأتي اضطراب البانداس بين ليلة وضحاها دون سابق إنذار. وهذا يؤدي بالباحثين والأطباء إلى الاعتقاد بأن له علاقة ببكتيريا الحلق والتحكم في عقل مضيفه.
فيروس الغباء Chlorovirus ATCV-1
هناك عملية طويلة يقوم بها هذا الفيروس بإجراء عدد كبير من التغييرات الجينية في الدماغ والتي تؤثر على سلوك الكائنات المضيفة لها، ولكن باختصار، فإنه يجعل الناس غبية. نعم، إنه فيروس غبي!
يضعف بشكل كبير القدرات المعرفية للبشر المصابين به، ويسبب بلادة العقل، وأشار الباحثون ان هذا الفيروس يعيش في حلق الإنسان.
كان هذا الفيروس متواجداً في الطحالب الخضراء، عند بحيرات المياه العذبة قديماً، إلا أنه لم يتم اكتشاف وجوده لدى الإنسان وتأثيره عليه إلا في الوقت الراهن.
في دراسة أمريكية حديثة، نشرت في Proceedings of the National Academy of Sciences قام الباحثون بأخذ عينات من 92 متطوع، ووجدوا 40 منهم يحملون فيروس "الغباء"، أي حوالي 44% منهم، والذي كان السبب وراء أدائهم السيئ في الاختبارات المعرفية، التي تضمنت عدة انواع من الاختبارات المختلفة.
وعانى الحامل لهذا الفيروس، حسب الدراسة، من مشاكل في اختبارات الذكاء، مع أخذ العمر والتحصيل الأكاديمي في الحسبان.
وجد الباحثون أن هذا الفيروس تغلغل بين الدم والأنسجة، ليغير نشاط الجينات لدى أدمغة الفئران ومن ضمنها تلك التي تنتج الدوبامين ومن المعروف أن الدوبامين المنخفض يرتبط باضطرابات الصحة العقلية!
الأميبا الآكلة للدماغ Naegleria Fowleri
هو مخلوق صغير مرعب، وهو عبارة عن الأميبا التي تذهب مباشرة إلى دماغ المضيف عند الإصابة وتعرف أيضاً باسم الأميبا الأكلة الدماغ.
يعيش في الماء ويمكنه أن ينتقل عبر الأنف وإلى الدماغ، حيث يحدث ضرره، وعادة ما يؤدي إلى قتل شخص ويمكن لرحلة بسيطة إلى البحيرة أو حتى الاتصال بالماء من حول مسكنك أن يعرضك لهذه الطفيليات.
تستطيع الأميبا أن تتحرك بسرعة بحثاً عن ظروف أفضل لحياتها وعندما يسبح البشر في المياه الدافئة العذبة خلال الصيف يستنشقها الناس عبر أنوفهم بشكل طبيعي ما يجعلها تصل إلى المخ مباشرة.
تبدأ الأعراض الأولية لهذا الوحش الصغير ما بين يوم واحد وتسعة أيام بعد التعرض له، وعادة ما تبدأ في حوالي 5 أيام، ويمكن أن تشمل الصداع والغثيان والقيء، وأعراض تشبه أعراض الإنفلونزا في البداية. ولكن بعد ذلك يمكن أن تتطور إلى عدم الاهتمام بالناس والمناطق المحيطة، وكذلك الدوار أو فقدان التوازن، والهلوسة.