توقظك الأفكار منتصف الليل وتفكر في الماضي بصورة سلبية؟ أنت تعاني من الإفراط في التفكير، وهذه هي طرق التغلُّب عليه

الإفراط في التفكير ليس مرضاً في حد ذاته، وإنما أحد أعراض اضطراب القلق العام. المصابون به لا يستطيعون إيقاف عقولهم عن التفكير. هكذا يمكن التغلب عليه

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/29 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/22 الساعة 10:43 بتوقيت غرينتش
الإفراط في التفكير- أرشيفية

تقدمت للحصول على إحدى الوظائف، والآن جاء موعد المقابلة الشخصية. تجلس في الانتظار، تهاجمك الأفكار: ليس لدي خبرة كافية، ولن أتمكن من مجابهة أسئلتهم، حتماً سأشعر بالإحراج، ولن أتمكن من الحصول على هذه الوظيفة. توقع نتيجة سلبية من أمر ما حتى قبل أن يتم هو نتيجة ما يسمى الإفراط في التفكير Overthinking.

لا يقتصر على العمل أو الدراسة فقط، بل يمتد إلى العديد من مجالات الحياة.

ليس مرضاً وإنما عارضاً لاضطراب القلق العام

الإفراط في التفكير ليس مرضاً في حد ذاته، وإنما أحد أعراض اضطراب القلق العام، و المصابون بهذا الاضطراب لا يستطيعون إيقاف عقولهم عن التفكير.

يعانون من حِدّة الطِباع، وقد يكون الإفراط في التفكير من أبرز الأعراض التي تُميز القلق العام.

إذ أنّ أعراضه الأخرى تكون جَسدية منها الغثيان، والشدّ العضلي، والتعرّق، والهيجان والارتجاف، والصداع.

القلق والإفراط في التفكير عادةً ما يتلازمان، إذ يعدُّ الإفراط في التفكير أحد  السمات التي تُميز اضطراب القلق العام.

فالدماغ القلِق دائماً ما يتجه إلى التفكير في أشياء سلبية؛ وخطيرة أو مثيرة للقلق، وبطُرق مختلفة.

ومن أكثر ما يميز اضطراب القلق العام خَلق سيناريوهات مخيفة لما قد يحدث لنا أو لأي فرد من أحبائنا، وخلق نتائج تخيلية ووحشية لتلك التخيُلات.

الإفراط في التفكير هو حالة من القلق المستمر

يشعر المُصابون باضطراب القلق العام بالقلق المستمر والمُفرط حيال الأشياء المختلفة والأحداث اليومية.

كما يتوقعون دائماً حدوث الأسوأ بالنسبة لأعمالهم وأسرتهم وصحتهم، حتى إن لم يكن هناك ما يستدعي القلق من الأساس، كما يجدون صعوبة في السيطرة على قلقهم بشأن هذه الأشياء.

يشعرون كذلك بأن قلقهم خارج عن السيطرة، وذلك على الرغم من إدراكهم عادةً أن قلقهم أكثر حدة مما يتطلبه الموقف.

فتتحول حياتهم اليومية لحالة من القلق المستمر غير المتناسب مع الحالة التي يعيشونها، مما يبعث الخوف لديهم، ويهيمن القلق على تفكيرهم، ويحوله إلى تفكير سلبي، ويتدخل في أدائهم اليومي سواء في الدراسة، أو العمل، أو العلاقات الاجتماعية.

يحاول العديد من المصابين التخطيط للتحكم في المواقف، ويعتقدون أن قلقهم قد يمنع حدوث أشياء سيئة.

 لذا يرون أن التخلي عن القلق يعد أمراً محفوفاً بالمخاطر.

الوراثة أيضاً لها دور

ربما قد يثير ما سبق تساؤلاتنا عن السبب الحقيقي للإصابة باضطراب القلق العام؛ سبب الإصابة بهذا الاضطراب ليس معروفاً تماماً.

ولكن بحسب التوصيف العلمي والطبي  الوارد في دراسة المرض، هناك عدة عوامل قد تكون لها إسهامات في تطورُّه مثل:

  • العوامل الوراثية: بحسب ما أشار البحث العلمي المنشور في دورية Webmd الطبية؛  فإن التاريخ  المرضيّ للعائلة يلعب دوراً في زيادة احتمالية تطور المرض؛ فقد يُوَرّث اضطراب المرض العام عبر الجينات.
  • كيمياء الدماغ: يرتبط اضطراب القلق العام بأداء غير طبيعي لبعض مسارات الخلايا العصبية التي تربط المناطق الخاصة بالتفكير والعاطفة في الدماغ.
    وفي حالة إن كانت المسارات غير طبيعية، فلن تستطيع الناقلات العصبية نقل المعلومات من خلية عصبية إلى أخرى، مما ينتج عنه مشاكل مرتبطة بالمزاج والقلق.
  • العوامل البيئية: فقد تساهم الصدمات والأحداث المُجهدة في اضطراب القلق العام. لذا فالطلاق، ووفاة أحد الأحباء، والتعرض للإساءة؛ كلها أسباب قد تساهم في تفاقم وتطور الاضطراب.
    كذلك يمكن أن يؤدي استخدام المواد المسببة للإدمان كالكحول والكافيين إلى تفاقم المشكلة.

التجارب السلبية قد تُسبّب الإفراط في التفكير

يعمل الإفراط في التفكير كعدو داخلي للإنسان يناهضه، ويحفزه لنقد الذات والحد من عزيمتها.

تتشكل تلك المضادات الداخلية من التجارب السلبية التي يمر بها الإنسان في وقتٍ مبكِّر من حياته.

على سبيل المثال لو قِيل لك وأنت صغير أنك غَبي، سيستعيد عدوك الداخلي هذا الصوت ويُطاردك به وقد يدفع الإنسان إلى طريق سيئ ومدمر.

وقد يرتبط هذا النوع من الإفراط في التفكير بالاكتئاب وربما الانتحار في بعض الحالات المتفاقمة.

والاكتئاب أحد مخاطره

قد يؤدي الإفراط في التفكير إلى الإصابة بالاكتئاب، فوفقاً لدراسة علمية أجريت في جامعة Harvard، فإن الاجترار أو التفكير السلبي يعد عاملاً خطيراً يرسخ لبداية أعراض الاكتئاب الشديد والقلق.

دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة آرهوس في الدنمارك أثبتت أن الذين يعانون من الإفراط في التفكير لا يستطيعون أن ينالوا القسط الكافي من النوم، فالاجترار والقلق قد يؤديان إلى ساعات أقل من النوم.

كيف أتغلّب عليه إذن؟

من أبرز علامات الإفراط في التفكير هو الاجترار ويعني التفكير في الأمور التي حدثت في الماضي مراراً وتكراراً بصورةٍ سلبية.

فيمكن لعقلك استدعاء موقف أو محادثة ما حدثت الليلة الماضية أو منذ سنوات، ومع ذلك لا تتوقف عن التفكير فيها.

وللتغلب على استدعاء الماضي والتفكير فيه اسأل نفسك هل هناك ما يمكنك القيام به حيال هذا الأمر الآن.

فعلى سبيل المثال، هل يمكنك الذهاب إلى أحدهم لتسأله لماذا فعل هذا، أو لما وجَّه إليك هذه الكلمة قبل سنوات؟

في الغالب لن تستطيع فعل شيء، ولذا عليك أن تتقبَّل أن هذا حدث وولى في الماضي، ولن تستطيع تغييره، فاتركه وشأنه، وركز في أشياء أخرى تمكنك من تغيير حياتك للأفضل.

ومن بين العلامات أيضاً؛ عدم تفاعلك مع الآخرين رغم تواجدك معهم.

فلو كنت تركز على أفكارك أكثر من الشخص الذي أمامك، فأنت مصاب بالإفراط في التفكير.

وللتخلص من هذا الأمر، روض نفسك على التركيز على الشخص الذي أمامك، واستمع إلى ما يقوله، ووجّه انتباهك نحو بعض الأشياء الأخرى لتتمكن من الخروج من دائرة الأفكار في رأسك.

إذا هاجمتك الأفكار في وقت النوم، أو أيقظتك في منتصف الليل، فهذا قد يجعلك لا تنال القسط الوافي من النوم.

تصبح بذلك مُرهقاً، وسريع الغضب، ويقّل تركيزك، مما يترك أثره السيئ على إنتاجيتك، ووظائفك، وعلاقاتك.

ويمكنك التغلب على هذا العَرَض بتخصيص بعض من الوقت كُل مساء قبل توجهك للنوم لكتابة الأشياء التي تفكر بها، وهذا قد ينظف رأسك قبل النوم.

إذا سيطر عليك التفكير السلبي كأسئلة ماذا لو؟ فهذا يمنعك من المُضي قدماً في حياتك، إذ تذهب جميع السيناريوهات للأسوأ، وتسبب لك الخوف.

وللتغلب على هذا النمط تنفس بعمق وبشكل منظمّ، وواجه أفكارك بعقلانية.

حَدد ما يُعيقك، وما هي الخطوات التي يمكنك فعلها للتغّلب على مشاكلك، ولعلك تكتشف أن الأمور ليست سيئة كما أظهرت أفكارك ومشاعرك.

تمارين أخرى مُساعدة

هناك عدة ممارسات بسيطة يمكنك باتباعها الحدّ من أنماط التفكير السلبي والإفراط في التفكير:

أولاً: عليك أن تنتبه لطريقة تفكيرك، فعندما تلاحظ ان الأفكار تجول في رأسك مراراً وتكراراً، وأنك تقلق بشأن أشياء لا يمكنك التحكم فيها، فأقر بأن أفكارك سلبية غير منتجة.

ثانياً: طالما أيقنت حقيقة أفكارك، فعليك الآن الابتعاد عنها، وتحويل تركيزك للتفكير في كيفية التعلم من أخطائك، أو تجنب حدوث مشكلة مستقبلية، بدلاً من طرح أسئلة لا جدوى منها عن شيء ما مضى.

ثالثاً: حدد وقتاً لتفكيرك لتتجنب الإفراط في التفكير، بمعنى أن تضع في جدولك اليومي حوالي نصف ساعة تفكر خلالها في كل ما تريد، وبالطبع من الممكن أن يزورك القلق والتفكير السلبي، فعد بذلك إلى الخطوتين السابقتين.

أما إذا لاحظت أنك تفكر في أشياء سلبية خارج الوقت الذي حددته، فاقطع تفكيرك فوراً، وذكر نفسك بأن هناك موعداً للتفكير.

رابعاً: كن على يقين أنه من المستحيل أن تغير الماضي، أو تعيد صياغته وفقاً لما تريده، لذا فلا جدوى من التفكير فيه.

خامساً: إذا لم تتمكن من إيقاف التفكير، أو تغييره، فكل ما عليك أن تشتت ذهنك بعيداً عن الأفكار السيئة.

يمكنك أن تمارس حينئذ أي نشاط بدني وتفكر فيه، أو ركز على أي أداة في الغرفة وفكر فيها،  وكذلك يمكنك التحدث مع الأصدقاء والمقربين.

تحميل المزيد