أغلب الناس يمارسون عادات من قبيل قضم الأظافر والشفاه وكشط الجلد والأنف، ونتف الشعر، وهي تسمى السلوكيات الجسدية المتكررة ، لكن أحياناً تسبب هذه العادات للمرء الإحراج أو يصعب عليه وقفها، الأخطر أنها أحياناً قد تكون مؤشراً لمرض نفسي.
فمتى تعتبر السلوكيات الجسدية المتكررة أمراً خطيراً يستدعي العلاج، أو مجرد عادة مزعجة وسيئة ينبغي التخلي عنها، وهل هناك من طرق لكي يتخلص المرء بنفسه منها أو يقللها على الأقل.
بعض هذه السلوكيات قد تساعد على الحفاظ على نظافة الجسم (مثل تنظيف الأظافر المتسخة)، أو الحصول على مظهر جيد عبر التخلص مثلاً من بعض الشعيرات الرمادية المزعجة).
ولكن في المقابل، فإنه في أغلب الأحيان فإن السلوكيات الجسدية المتكررة تتحول إلى مشكلة يصعب التخلص منها، حسب تقرير لموقع The Conversation الأسترالي.
ليس عليك أن تقلق على نفسك لأن السلوكيات الجسدية المتكررة شائعة أكثر مما تتصور
السلوكيات الجسدية المتكررة تحدث بصفة تلقائية دون أن تتطلب الكثير من التفكير.
كما تتصف بالديمومة، حيث يصبح من الصعب عليك التخلص من بعض العادات في حال اعتدت القيام بها.
ولكن، لا تقلق؛ إذ إن السلوكيات الجسدية المتكررة، على غرار العادات المذكورة سابقاً، شائعة جداً، ولست وحدك من تعانيها.
وقد أوضحت إحدى الدراسات أن ما يناهز 24% من طلاب الكليات في الولايات المتحدة الأميركية يمارسون بعض السلوكيات الجسدية المتكررة 5 مرات على الأقل يومياً.
إليك السلوكيات الجسدية المتكررة التي تم تصنيفها كاضطرابات نفسية
صنَّفت "الجمعية الأميركية للأطباء النفسيين" نتف الشعر وكشط الجلد ضمن قائمة الاضطرابات النفسية.
وأطلقت الجمعية عليهما اسم هوس نتف الشعر واضطراب كشط الجلد النفسي.
وقد تكون السيطرة على هاتين الحالتين تحديداً صعبةً للغاية.
كما أنهما من أكثر السلوكيات الجسدية المتكررة التي لها أضرار واضحة على جسم الإنسان الذي يمارسها.
وهذان الاضطرابان تحديداً يتركان آثاراً سيئة على الجسد
تتمثل الآثار الشائعة لهوس نتف الشعر واضطراب كشط الجلد النفسي، في الإصابة بالصلع والتهابات مؤلمة على مستوى الجلد تخلف ندوباً.
كما يمكن لهذه السلوكيات الجسدية المتكررة أن تؤثر بشكل كبير على تقديرنا لذاتنا، ونظرتنا لأجسامنا، وصحتنا.
كما أن تأثير هوس نتف الشعر واضطراب كشط الجلد النفسي يمتد إلى علاقاتنا الاجتماعية ومهامنا الحياتية.
كما أن المصابين بالسلوكيات الجسدية المتكررة معرضون أكثر لمشكلات بالصحة العقلية
ذكرت دراسة أسترالية حديثة نشرت في موقع sciencedirect أن الأشخاص الذين تم التحقق من إصابتهم بهذه السلوكيات الجسدية المتكررة معرضون أكثر بمرتين إلى أربع مرات لمواجهة صعوبات ترتبط بصحتهم العقلية، على غرار الاكتئاب والقلق.
وتوقع الباحثون أن الأشخاص الذين يقومون بقضم الأظافر وعض الفم (عض باطن الخد أو والجزء الداخلي من الشفاه) قد يتمتعون بصحة عقلية أفضل من أولئك الذين يقومون بكشط الجلد ونتف الشعر.
ولكن تبين في نهاية المطاف أن هذه التوقعات لم تكن صحيحة، حيث تم إثبات ارتباط جميع السلوكيات الجسدية المتكررة بتدهور الصحة العقلية وتدني جودة الحياة.
وتشير بعض الدراسات إلى أن بداية الاكتئاب ترجع بالأساس إلى المعاناة الشديدة الناجمة عن السلوكيات الجسدية المتكررة.
وهناك علاقة شائكة تربطها مع الوسواس القهري
السلوكيات الجسدية المتكررة مرتبطة باضطراب الوسواس القهري، لكنهما ليسا بالضرورة شيئاً واحداً.
فكما هو الحال مع السلوكيات الجسدية المتكررة، فإن المصاب باضطراب الوسواس القهري يكافح للسيطرة على السلوكيات القهرية، مثل فحص الأشياء والتنظيف وغسل اليدين والعد وترتيب الأغراض.
وكثيراً ما يشير الأشخاص إلى أن هذه السلوكيات الجسدية المتكررة تشعرهم بالراحة وتخلصهم من التوتر والقلق.
أما بالنسبة لاضطراب الوسواس القهري، فعادة ما تكون تصرفات الشخص مدفوعة بأفكار تطفلية وغير عقلانية تنم عن شعور بانزعاج.
في المقابل، لا تكون السلوكيات الجسدية المتكررة عادة مدفوعة بهواجس من هذا القبيل. وهو ما يؤكد وجود فرق مهم بين الحالتين.
الوراثة قد تكون أحد أسباب السلوكيات الجسدية المتكررة
لا تزال الأسباب الدقيقة للسلوكيات الجسدية المتكررة مجهولة إلى الآن.
وتتطور هذه السلوكيات عادة في أثناء فترتي الطفولة أو المراهقة.
وفي دراسة أُجريت على أكثر من 2500 توأم بالمملكة المتحدة لديهم عادة قرص الجلد، تبين أن العوامل الوراثية مسؤولة عن تباين الأعراض بنسبة 40%.
وتشير هذه الدراسة ودراسات أخرى مماثلة إلى وجود عامل وراثي قوي مرتبط بهذه السلوكيات، إلا أنها لم تحدد أي جينات مسبِّبة لها بشكل خاص.
وأظهرت أبحاث أُجريت على الفئران، أن التلاعب بمورِّث يسمى "SAPAP3"، يمكن أن يتسبب في تنظيفها فروها بشكل متكرر، وهو ما يؤدي إلى إصابتها بالصلع وقروح جلدية مفتوحة.
وقد رُبطت أشكال مختلفة من جينات SAPAP3 الموجودة لدى البشر، في بعض الحالات وليس كلها، بالإصابة باضطراب الوسواس القهري والسلوكيات الجسدية المتكررة.
ولكن الأبحاث البيولوجية العصبية التي تركز على السلوكيات الجسدية المتكررة معقدة وتحتاج إلى المزيد من الدراسات.
ولكن أيضاً هناك عوامل نفسية وراء هذه العادات.. إنها تكافح المشاعر السلبية
تلعب العديد من العوامل نفسية دوراً في تفاقم السلوكيات الجسدية المتكررة.
وغالباً ما يجد الأشخاص الذين يعانون السلوكيات الجسدية المتكررة صعوبة في التعامل مع بعض العواطف مثل القلق والإحباط والحزن والملل.
وحسب هؤلاء الأشخاص، فإن لمس أو فرك أو عض الجلد وقضم الأظافر أو الشعر يولّد لديهم شعوراً بالراحة أو حالة شبيهة بالنشوة، ما يشغلهم عن التفكير في المشاعر السلبية. وعند الشعور بالملل، تساعد السلوكيات الجسدية المتكررة الأشخاص على الشعور بأنهم يفعلون شيئاً، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين تعتبر النزعة إلى الكمال سمة في شخصيتهم.
وتوصلت دراسة حديثة إلى أن الأشخاص الذين يعانون هذه العادات العصبية أكثر حساسية، وعادة ما تزعجهم المشاعر المرتبطة بالقلق والضغط.
وتماماً مثلما تساعد السلوكيات الجسدية المتكررة الشخص على الانشغال عن التفكير في المشاعر السلبية، فإن هذا الاستنتاج يعني أن هذه السلوكيات ربما تساعد الشخص على الحد من وطأة الأحاسيس المزعجة التي تعتريه.
ومن هنا، فإن الإقلاع عن هذه السلوكيات يتطلب إيجاد بدائل لها.
طرق العلاج: إنها تعتمد عليك أساساً وليس الطبيب
إن العلاج السلوكي العكسي الذي يركز على المهارات هو علاج عمليّ، ومن شأنه أن يحد من خطورة السلوكيات الجسدية المتكررة.
يقوم العلاج على عدة عناصر هي (الإحساس- الإدراك- التأثر- الدافع- المكان).
وتساعد هذه العناصر الأخصائيين النفسيين في تصميم استراتيجية علاجية بناء على العوامل النفسية الفردية التي تجعل عملية كسر حلقة السلوكيات الجسدية المتكررة المؤذية صعبة، ولكن ليست مستحيلة.
إليك عدة أساليب يمكنك اللجوء إليها للإقلاع عن هذه السلوكيات
– الإحساس: عليك أن تستخدم حواسك في نشاط بديل كالـ"fidget spinner"
من شأن الأنشطة الحسية المبتكرة التي تركز على حاسة البصر والسمع واللمس والشم والتذوق تحقيق المتعة الحسية تماماً مثل السلوكيات الجسدية المتكررة.
كما تساعد هذه الأنشطة على التعامل مع الأحاسيس المزعجة التي تضطر الإنسان إلى اللجوء إلى هذه السلوكيات للتخفيف من حدتها؛ ومن ثم أشغل أحاسيسك بأنشطة حسية أو حركية بدلاً من اللجوء إلى السلوكيات الجسدية المتكررة.
وتماماً مثل الشعور بالرضا الذي تولّده فرقعة شريط الفقاعات الهوائية، فإن الألعاب التي تساعد على التخلص من التوتر مثل الدوار الذي يمسك باليد (fidget spinner) يمكنها أن تحفز دماغ الشخص عن طريق اللمس، ما يبقي يديه مشغولتين عندما تجتاحه الرغبة في النتف أو الكشط.
– الإدراك: عليك أن تحاور نفسك.. وتعقد معها اتفاقات لتضع حدوداً لهذه السلوكيات
بإمكان الحوار الباطني أن يؤثر في هذه السلوكيات.
فغالباً ما تكون الأفكار المرتبطة بالسلوكيات الجسدية المتكررة نابعة من النقد الذاتي أو السماح للنفس بالقيام بفعل ما.
مثل: عليك أن تقول لنفسك إنه عليّ "القيام بنتف شعرة واحدة ثم التوقف".
ويعتبر تحدي هذه الأفكار طريقة مفيدة للعلاج.
– التأثر: عليك أن تسترخي وتقوم بأنشطة مريحة وممتعة في مواجهة التوتر
إنَّ تعلُّم طرق جديدة ومرنة للاستجابة للعواطف هو مفتاح علاج السلوكيات الجسدية المتكررة.
على سبيل المثال، يمكن اعتماد استراتيجية استرخاء قصيرة للتحكم في التوتر المؤقت والقلق والرغبات الملحّة.
كما أن ممارسة أنشطة ممتعة تساعد على تحسين المزاج ومكافأة النفس على تحقيق تغيرات على مستوى السلوك.
– الدافع: قم بأنشطة جسدية تصعب معها ممارسة السلوكيات الجسدية المتكررة
إن أهم استراتيجية في العلاج السلوكي العكسي هي الاستجابة التنافسية، عبر تقديم بديل للسلوكيات الجسدية المتكررة.
فمن الصعب تلبية الرغبة في النتف أو الكشط إذا كنت منخرطاً في أنشطة جسدية منفصلة لا تتلاءم مع السلوكيات الجسدية المتكررة مثل إحكام قبضة اليد أو إمساك غرض ما أو البقاء مكتوف اليدين مدة دقيقة.
– المكان: عليك تغيير روتينك اليومي لأن هذه السلوكيات مرتبطة بأماكن معينة
عادة ما يمارس المرء عادة نتف الشعر أو كشط الجلد عندما يكون في الحمام أو غرفة النوم أو خلال قيادة السيارة أو حتى العمل على الحاسوب.
وبمرور الوقت، تصبح هذه الأماكن مقترنة بالعادات الجسدية المتكررة، ما يجعلها من المحفزات التي تجعل المرء يمارسها.
إن تغيير روتينك اليومي وفعل أمور تتطلب منك القيام بمجهود أكبر لكي تستطيع ممارسة هذه العادات العصبية في هذه الأماكن- من شأنه أن يساعدك على التخلص من هذه العادات المكتسبة.
لقد أفاد العديد من الأشخاص الذين هم في طور التعافي من اضطرابات السلوكيات الجسدية المتكررة المؤذية، بأن رغبتهم في ممارسة هذه العادات ما زالت قائمة، لكنها بدأت تخف مع الوقت.
لهذا السبب، من المهم تعلُّم استراتيجيات مختلفة للتعامل مع هذه الرغبات، واختيار المشاركة في أنشطة قيّمة، وتكوين علاقات، وإيجاد هويات لملء وقت الفراغ بدلاً من ممارسة هذه العادات العصبية.