كلي آذان مصغية.. كيف كانت حاسة السمع لدى البشر قديماً

لقدرات السمعية لدى البشر القدامى منذ نحو مليوني سنة كانت تشبه تلك التي لدى قرود الشامبنزي، لكن آذانهم كانت بها اختلافات بسيطة جعلت حاسة السمع لديهم أشبه بالإنسان الحديث

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/04/18 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/06 الساعة 15:02 بتوقيت غرينتش
أُذنا الإنسان القديم كانت لهما قدرة فريدة

كشفت دراسة حديثة أنَّ القدرات السمعية لدى البشر القدامى منذ نحو مليوني سنة كانت تشبه تلك التي لدى قرود الشامبنزي، لكن آذانهم كانت بها اختلافات بسيطة جعلت حاسة السمع لديهم أشبه بالإنسان الحديث، بحسب موقع Live Science الأمريكي.

وخَلُصَت الدراسة -التي استندت إلى نماذج افتراضية من فصيلة أشباه البشر البدائيين (الهومينيني) (أسلاف الجنس البشري الحديث)، وشيمبانزي حديث، وآذان بشرية- إلى أنَّ أسلاف البشر المنقرضين تميزوا، على عكس الشمبانزي، بحساسية كبيرة تجاه الأصوات عالية التردد.

سماع التواصل قصير المدى

قال الباحثون إنَّ هذه الأنواع من الأصوات مستخدمة في التواصل بين البشر حديثاً، ومن بينها أصوات حروف "الكاف، والتاء، والثاء، والفاء، والسين"، وكان يمكن أن تساعد فصيلة الهومينيني على تحديد الاتصالات الشفهية قصيرة المدى خلال أوقاتهم.                  

وأشار معدو الدراسة إلى أنَّ القدرة على سماع التواصل قصير المدى تناسب غابات السافانا الشاسعة؛ مما يعد أدلة إضافية على أنَّ أشباه البشر البدائيين عاشوا هناك سابقاً.    

من جانبه، قال قائد الفريق البحثي رولف كوام، أستاذ مساعد في علم الإنسان الحيوي بجامعة بينغهامتون في نيويورك "النمط السمعي لدى فصيلة الهومينيني مشابه للشامبنزي، لكن مع وجود اختلافات قليلة. ويبدو أنَّ هذا الاختلاف يميل قليلاً نحو حاسة السمع عند البشر".

وقال كوام إنَّ دراسات سابقة أجريت حول الاختلافات بين البشر والشامبنزي من حيث تشريح الأذن والقدرات السمعية، لكن لا يُعرَف سوى القليل عن المهارات السمعية لدى أشباه البشر البدائيين.

ومن ثم، ولمعرفة المزيد عن ذلك، سافر الباحثون إلى جنوب إفريقيا، حيث التقطوا أشعة مقطعية محوسبة لأشباه البشر البدائيين، من بينهم بقايا فردين من نوع الأسترالوبيثيكوس الإفريقي، وفرد من نوع بارانثروبوس روباستس (أي شبيه البشر الشجاع).

تشريح الأذن البشرية

واستخدموا أيضاً أشعة مقطعية ملتقطة لـ10 من البشر حديثين (فصيلة الهوموسابيان أو البشر العاقل)، و11 شامبنزي (من سلالة التروغلوديت أو ساكن الكهوف)، لأنهم أقرب سلالة حية للبشر الحديث.                           

واستخدم الباحثون هذه الأشعة لإعادة بناء نماذج افتراضية للآذان التي تكونت من نسيج رخو، إلا أنَّ أجزاءً من هذه النماذج تضمن بعض التخمين.      

فيما قاس علماء آخرون، بحسب كوام "أبعاد الأنسجة" في الآذان البشرية الحديثة (مثل الغضاريف والجلد)؛ مستهدفين بالأساس الوصول لفهم أعمق عن حاسة السمع وتطوير أجهزة مساعدة سمعية أفضل.

وأضاف كوام أنه لم يحدث أن درس أي عالم باستفاضة الجزء اللحمي في أذن الشامبنزي، وكما هو متوقع تآكلت هذه الأجزاء في أذن فصيلة الهومينيني منذ زمن بعيد.      

ومن هنا، أوضح كوام أنَّ الباحثين استخدموا البيانات البشرية من جميع الفصائل. وفي النهاية، بنوا كل نموذج معتمدين على نصف الهيكل العظمي للفصيلة، والنصف الآخر على البيانات البشرية.      

ولفت إلى أنه على عكس المتوقع، جاء نموذج الشامبنزي بنتائج دقيقة.  

وقال كوام لموقع Live Science الأمريكي:

"أي ينطبق النموذج على الشامبنزي؛ ولهذا فيتعين أن يزودنا بنتائج موثوقة عن أي من أسلاف البشر المحتملين".      

قدرة سمعية عالية التردد

وبمجرد اكتمال بناء النماذج، مرَّر الباحثون سلسلة من الترددات السمعية من خلالهم باستخدام برنامج حاسوبي.

وعَلِمَ الباحثون مسبقاً أنَّ الإنسان الحديث لديه القدرة على سماع نطاق أوسع من الترددات -تتراوح عادة ما بين 1 إلى 6 كيلوهرتز- مقارنة بغيره من الرئيسيات.

ويتضمن هذا النطاق الأصوات المستخدمة في اللغة المنطوقة، التي لا يستطيع الشامبنزي والرئيسيات الأخرى سماعها بسهولة.  

وتشير النتائج، حسبما ذكر الباحثون، إلى أنَّ الإنسان البدائي كانت لديه حساسية أعلى لبعض الترددات عالية النبرة مقارنة بالإنسان والشامبنزي الحديثين.

وما يفسر هذه الحساسية هو الاختلافات في تشريح فصيلة الهومينيني، فمثلاً كانت لديهم قناة سمعية خارجية أوسع وأقصر قليلاً، هذه القناة هي أنبوب يصل بين الأذن الخارجية والأذن الداخلية)، وكذلك طبلة أذن أصغر.              

ومع ذلك، وجد الباحثون أنَّ الصفيحة القدمية لعظمة الرِّكّاب (عظمة في الأذن الوسطى تبعث عند اهتزازها موجات ضغط إلى الأذن الداخلية) في آذان الهومينيني قصيرة ولها مظهر بدائي.

تخيل الإنسان القديم

وأضافوا أنَّ فصيلتي الهومينيني البدائيتين لديهما حساسية عالية للترددات بين 1.5 و3.5 كيلوهرتز، مقارنةً بالإنسان والشامبنزي الحديثين.          

وكانت هذه القدرة لتساعدهم على تحديد التواصل قصير المدى؛ بمعنى آخر إصدار أصوات لبعضهم البعض من على بعد 23 متراً في غابات السافانا المفتوحة. (إذ أوضح كوام أنه كان سيَصعُب سماع هذه الأصوات في الغابات الكثيفة؛ لأن التواصل قصير المدى يناسب غابات السافانا المفتوحة).           

وقال كوام إنَّ هناك أدلة أخرى على أنَّ فصيلة أشباه البشر البدائيين سكنوا على الأرجح غابات السافانا؛ إذ وجدت دراسات أنَّ ما يصل إلى نصف غذائهم يتألف من مواد نباتية موجودة في السافانا.       

لكن كوام أكد أنَّ القدرات السمعية الحادة لدى الهومينيني واحتمال إصدارهم أصواتاً عالية التردد لا يعني بالضرورة أن لغتهم كانت تماثل اللغة التي يتحدث بها الإنسان الحديث اليوم.     

وقال كوام في تصريح: "بالتأكيد كانت لديهم القدرة على التواصل شفهياً. فالرئيسيات جميعها لديها هذه القدرة، لكننا لا نقول إنهم طوروا لغة بشرية متكاملة تنطوي على محتوى رمزي".          

الحذر عند تفسير النتائج

يُذكر أنَّ هذه ليست الدراسة الأولى التي يجريها كوام عن القدرات السمعية لهومينيني، إذ درس هو وزملاؤه سابقاً القدرات السمعية للعديد من المخلفات الأحفورية لأفراد من فصيلة الهومينيني الموجودة في كهف سيما دي لوس هويسوس بموقع أتابويركا في شمالي إسبانيا.

وأشار كوام إلى أنه كان يُعتقَد أنَّ هؤلاء الأفراد من فصيلة الهومينيني الذين تعود أعمارهم إلى 430 ألف سنة هم أسلاف النياندرتال أو الإنسان البدائي (أحد أنواع جنس هومو الذي استوطن أوروبا وأجزاء من غرب آسيا وآسيا الوسطى).

وأن لديهم قدرات سمعية تشبه تلك التي لدى الإنسان الحديث، ولا تشبه القدرات السمعية لدى الهومينيني الذين سكنوا إفريقيا، التي كانت موضوع بحث هذه الدراسة، التي بينت أنها تشبه أكثر القدرات السمعية لدى الشامبنزي.                

من جانبه، لفت بيرنارد وود، أستاذ الأصول البشرية في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأمريكية، إلى ضرورة الحذر عند تفسير نتائج هذه الدراسة. يشار إلى أن وود لم يشارك في هذه الدراسة.   

وقال وود: "أحييهم لمحاولة فعل ذلك. لكن ما أنا متخوف بشأنه هو أن هناك مجموعة كبيرة من الافتراضات التي وضعوها (بشأن آذان الهومينيني)".       

ونوه وود بأنه من غير المعروف أيضاً ما إذا كان من الممكن ربط القدرات السمعية بطبيعة البيئة التي سَكنَها الهومينيني البدائيون؛ ومن ثم"على المرء أن يتوخى بعض الحذر من ملء الفراغات".    

هذه الدراسة الحديثة نُشِرَت في 25 سبتمبر/أيلول 2015، على الموقع الإلكتروني لدورية Science Advances الأمريكية.

تحميل المزيد