بعد إعلان البرلمان الجزائري رسمياً شغور منصب رئاسة الجمهورية، كلَّف البرلمان رئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح، برئاسة الجمهورية لمدة 90 يوماً، جاء ذلك بعد أن أعلن الرئيس الجزائري السابق عبدالعزيز بوتفليقة استقالته في الثاني من أبريل/نيسان 2019، قبيل انتهاء عهدته الرئاسية الرابعة، بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية والضغوط السياسية المتصاعدة.
يأتي تولي عبدالقادر بن صالح للرئاسة بحسب المادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنص على أنه في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته.
يجتمع المجلس الدستوري وجوباً ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية، كما يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوماً، تُنظم خلالها انتخابات رئاسية، علماً أنه لا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.
فلنتعرّف إذاً على عبد القادر بن صالح
عبدالقادر بن صالح، رئيس مجلس الأمة الجزائري منذ 17 سنة، وهو بدوره واحد من نتاج نظام عبدالعزيز بوتفليقة، ولد في 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941، بقرية قرب تلمسان، المجاورة للحدود المغربية، التحق بجيش التحرير الوطني الذي كان يقاتل الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، وهو في عمر 18 سنة.
بعد عودته إلى الجزائر في 1967 بدأ مشواره في الصحافة الحكومية، فعمل صحفياً في جريدة الشعب الحكومية، في وقت كانت الدولة تحتكر قطاع الإعلام، وهو منذ شبابه مسؤول في النظام الذي أسسه حزب جبهة التحرير الوطني الذي كان الحزب الوحيد الحاكم بين 1962 حتى 1989.
في عام 1962 وبطلب منه، تمّ تسريحه من جيش التحرير الوطني، واستفاد من منحة دراسية إلى الشرق الأوسط، مكّنته من الانتساب لكلية الحقوق بجامعة دمشق.
ولمدّة عامين عمل مراسلاً ومدير مكتب الشرق الأوسط لمجلة "المجاهد" الأسبوعية، وجريدة "الجمهورية" اليومية.
من عام 1970 وحتى 1974 كان مدير المركز الجزائري للإعلام والثقافة ببيروت/لبنان، وهي الفترة التي أشرف خلالها على إصدار مجلة "الجزائر: أحداث ووثائق"، ومن عام 1974 وحتى 1977 كان مديراً عاماً للجريدة الوطنية اليومية "الشعب".
المناصب التي تولّاها
بعد مشواره الصحفي شغل عدّة مناصب، ما بين نائب في مجلس الشعب وسفير وموظف وزاري، انتُخب نائباً في المجلس الشعبي الجزائري للمرة الأولى في 1977، عن ولاية تلمسان/ دائرة ندرومة، مرتين متتاليتين، كما تولى مسؤولية رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الشعبي الوطني لمدة عشر سنوات.
في عام 1989، غادر البرلمان ليبدأ مشواراً قصيراً من العمل الدبلوماسي، حيث عُيّن سفيراً للجزائر لدى المملكة العربية السعودية، ثم عُيّن مديراً للإعلام، ومتحدثاً رسمياً باسم وزارة الشؤون الخارجية في عام 1993.
في عام 1994 أصبح عبدالقادر رئيس المجلس الوطني الانتقالي، فيما عُرف ببرلمان المرحلة الانتقالية، بعد أن حلَّ جنرالات الجيش البرلمان في عام 1992، وقرّروا إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في إثر فوز ساحق للإسلاميين بها.
كان من بين مؤسسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي عام 1997، الذي فاز في السنة نفسها بالانتخابات التشريعية، وبعد هذا بنحو خمس سنوات، عام 2002، عيَّنه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عضواً في مجلس الأمة، ضمن الثلث الرئاسي الذي يختاره الرئيس، في مقابلة الثلثين الآخرين اللذين يتم اختيار أعضائهما بالاقتراع غير المباشر.
رئيس مجلس الأمة منذ عام 2002
وفي عام 2002 أيضاً انتُخب عبدالقادر بن صالح بالإجماع رئيساً لمجلس الأمة "مجلس الشيوخ"، بعد تعيينه من قبل السيد رئيس الجمهورية ضمن الثلث الرئاسي، ومنذ حينها أصبح عبدالقادر رئيساً لمجلس الأمة، ليكون الرجل الثاني في الدولة، ويصبح دستورياً الشخص المخول بقيادة البلاد لفترة انتقالية بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.
خلال هذه الفترة كان عبدالقادر بن صالح مُمثلاً لرئيس الجمهورية في العديد من القمم والمؤتمرات الدولية، فمثَّل بلادَه في القمة العربية التي انعقدت في تونس في 31 مارس/آذار، كما حظي بتقلّد عدد من الأوسمة، مثل وسام جيش التحرير الوطني، ووسام الاستحقاق الوطني.
الرجل الثاني الذي لا يتكلم إلا لماماً
في 2013 بعد الحديث عن احتمال رحيل بوتفليقة عن الحكم، نتيجة إصابته بجلطة في الدماغ ومكوثه في مستشفى في باريس، حدث جدل في الأوساط الإعلامية حول شرعية تولي بن صالح للرئاسة بالنيابة عن بوتفليقة، وكانت الأصوات المعارضة لعبدالقادر تدَّعي أنه مغربي الجنسية أصلاً، وتم تجنيسه في سنوات الستينات، وهذا مانع لتولي الرئاسة في الدستور الجزائري.
لكن بن صالح كذّب ذلك، وأكد أنه جزائري المولد والجنسية، كما جاء في سيرته الرسمية المنشورة في موقع مجلس الأمة.
وكتبت صحيفة "الوطن" الجزائرية عنه في عام 2015، أنه "يعرف كيف يكون مفيداً في الأوقات المناسبة، ولا يتكلم إلا لماماً عن مسائل متعلقة بإدارة شؤون الدولة".
خلال المرحلة الرئاسية الانتقالية سيكون على عبدالقادر بن صالح تنظيم انتخابات رئاسية في فترة حساسة، بعد أن شهدت الجزائر منذ أكثر من شهر حركة احتجاجات من متظاهرين يصرّون على رحيل كل النظام، الذي كان عبدالقادر واحداً من رموزه ووجوهه البارزة.