القاهرة أول مدينة في العالم تستقبل أوبر باص.. «عربي بوست» يخبرك بمدى فاعلية الخدمة التي يأمل المصريون أن تنقذهم من جحيم الميكروباص

القاهرة أول مدينة في العالم تستقبل أوبر باص .. «عربي بوست» يخوض التجربة، فهل تنقذ المصريين من فوضى الميكروباص أم تتحول لمجرد موضة جديدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/13 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/13 الساعة 07:42 بتوقيت غرينتش
شركة أوبر/ مواقع التواصل الاجتماعي

كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً بينما كان محمد واقفاً في ميدان التحرير في قلب القاهرة، ولا يستطيع إيجاد وسيلة مواصلات في ذروة الزحام، فقرر فتح تطبيق أوبر لتجربة خدمة أوبر باص.

لم تكن صدفة أن تقرر شركة أوبر أن تجعل القاهرة أول مدينة في العالم تستقبل خدمة أوبر باص، تمهيداً لتعميمها في مدن أخرى، وهي الخدمة التي تسميها الشركة عالمياً خدمة Uber Pool، وإن كانت تسميها في مصر أوبر باص.

فالعاصمة المصرية التي تعد أكبر مدينة في العالم العربي، وإحدى أكبر مدن العالم، مشهورة بزحامها، ومعاناة سكانها مع وسائل المواصلات، وازدادت وطأة هذه المعاناة مع ارتفاع أسعار الوقود.  

يعاني سكان القاهرة من رعونة سائقي الميكروباصات / iStock
يعاني سكان القاهرة من رعونة سائقي الميكروباصات / iStock

ويشكو المصريون من تردِّي خدمات النقل الجماعي الحكومية، وسوء سلوك سائقي خدمات النقل الجماعي الخاصة، ما يضطر مئات الآلاف لشراء سيارات خاصة لتتفاقم أزمة المرور بشكل سنوي.

وترتبط الباصات أو الحافلات الصغيرة التي تسمى في مصر ميكروباص بسمعة شديدة السوء، مقارنة بوسائل المواصلات الأخرى.

إذ لا يلتزم سائقو تلك الحافلات بقواعد المرور، ويسيرون بسرعات جنونية في شوارع القاهرة المزدحمة، إلا أن أغلب المصريين يعتمدون عليها في التنقل، بسبب رخص أسعارها، وتغطيتها لكافة خطوط السير تقريباً، عكس وسائل المواصلات الأخرى.

تجربة محدودة عبر خطَّين، ولكن مع عرض شديد الإغراء

تقوم الشركة  منذ شهر سبتمبر/أيلول 2018، باختبار الحافلات الصغيرة في القاهرة، في عدد محدود من الخطوط، حيث تعمل أوبر باص في شوارع القاهرة حالياً من خلال خطَّي سير، من مدينة نصر إلى المهندسين والعكس، مروراً بوسط المدينة، ومن مصر الجديدة إلى المهندسين والعكس، مروراً بوسط المدينة.

وأصبح يمكن للركاب طلب الحافلات عبر تطبيق أوبر، الذي يوجِّههم بدوره إلى نقطة تجمُّع مع ركاب آخرين تتطابق وجههاتهم.

ويتيح التطبيق لمستخدميه خيار الدفع من خلاله، أو الدفع نقداً إلى السائق مباشرة.

خلال الأيام القليلة الماضية، تابع محمد عشرات الإعلانات من أوبر على منصات شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة، كفيسبوك وتويتر وإنستغرام، بالإضافة إلى لافتات إعلانية ضخمة في شوارع القاهرة، تدعو المصريين إلى تجربة خدمة "أوبر باص".

وعندما وجد محمد نفسه في وسط ميدان التحرير حائراً وسط الزحام، بدا له أوبر باص الخيار الأفضل بين أوبر العادي المكلف مادياً، وبين الميكروباص الذي يهدر الآدمية.

وقدَّمت الشركة الأمريكية المتخصصة في نقل الركاب عبر الهاتف عرضاً خاصاً على كل رحلاتها، من خلال خدمة "أوبر باص"، بسعر موحد يبلغ 5 جنيهات (حوالي 30 سنتاً) مهما بلغ زمن أو مسافة الرحلة، وهو عرض زهيد حتى بالمعايير المصرية.

عربي بوست يخوض تجربة أوبر باص

"عربي بوست" قرر خوض التجربة بشكل عملي، لمعرفة مدى فاعليتها، وردود فعل العملاء تجاهها.

وما إن فتح مراسل "عربي بوست" التطبيق، حتى وجد تنويها يوضح مميزات خدمة "أوبر باص"، أهمها توفير كبير في الأموال والوقت، موضحاً أنه خلال 5 دقائق سيعثر التطبيق على رحلة مناسبة مع آخرين متجهين إلى الوجهة ذاتها.

حدَّد المراسل موقعه على الخريطة في ميدان التحرير، وكذلك الوجهة المتجه إليها في منطقة المهندسين، فظهرت أمامه عدة اختيارات، تتضمن أوبر سكوتر وسعرها يتراوح ما بين 15 إلى 20 جنيهاً (الدولار يساوي حوالي 18 جنيهاً)، وأوبر إكس وهي الخدمة العادية، وسعرها يتراوح ما بين 22 إلى 30 جنيهاً، وأوبر باص بتكلفة 5 جنيهات.

ضغط المراسل على اختيار "أوبر باص"، وانتظر نحو دقيقة حتى ظهرت أمامه تفاصيل الرحلة، متضمنة اسم وصورة السائق ورقم الحافلة ومكان الالتقاء، الذي كان على بعد خطوات من ميدان التحرير.

إنه عالم مختلف تماماً عن جحيم الميكروباص

تحرَّك مراسل "عربي بوست" في اتجاه السيارة التي عرفها من لوحة أرقامها، وعلامة أوبر باص المكتوبة بخط كبير وعريض على جانب الحافلة، التي توقفت ونزل منها راكب.

دخل وجلس على مقعده داخل الحافلة المكيفة التي تتسع لـ13 راكباً، ذات مقاعد وثيرة ومساند للرأس تحمل شعار أوبر.

وكان أغلب الركاب يمسكون بهواتفهم الذكية، فيما أغمض آخرون أعينهم بجوار الستائر التي تحجب أشعة الشمس.

سلك سائق الحافلة خط سيره باتجاه ميدان عبدالمنعم رياض، ومنه إلى كورنيش النيل، ثم كوبري قصر النيل الشهير الذي يتقدمه على الجانبين تمثالان للأسدين الشهيرين، ومرَّ إلى جانب أوبرا القاهرة في الجزيرة، في طريقه إلى شارعي التحرير ومحيي الدين أبو العز، انتهاءً بميدان لبنان في منطقة المهندسين.

ارتفاع أسعار الوقود يضر خدمة أوبر التقليدية ويفيد أوبر باص

داخل الحافلة، تجلس سلمى أنور، الموظفة في أحد البنوك الخاصة في منطقة المهندسين ترتب أوراقها استعداداً للنزول، قرب فرع البنك الذي تعمل به.

تقول الفتاة المحجبة البالغة 25 عاماً، التي تسكن في منطقة وسط البلد، إنها "اعتادت على ركوب التاكسي، ولكن بعد ظهور تطبيقات أوبر وكريم لجأت إليهما، لأنهما أفضل وأكثر أماناً".

ولكن بعد ارتفاع أسعار البنزين والسولار خلال الأشهر القليلة الماضية أصبحت تعريفة ركوب أوبر وكريم مبلغاً كبيراً على ميزانية سلمى.

توضح سلمى أنها "حاولت ركوب المترو، ولكن الزحام الشديد والتحرش كانا من أسباب ابتعادي عنه، لا أستخدمه إلا مساءً، عندما يكون الضغط عليه من الركاب أقل".

فرحت سلمى بتجربة أوبر باص، إذ إن رحلتها تتكلف حوالي 10 أو 12 جنيهاً (حوالي نصف دولار)، مقابل 25 جنيهاً (حوالي دولار ونصف الدولار) عندما كانت تطلب سيارة خاصة من أوبر أو كريم.

ولكن المشكلة أن الخدمة ما زالت محدودة

إلا أن سلمى تشكو من قلة عدد الحافلات التي تعمل في شوارع القاهرة، وأيضاً قلة خطوط السير التي لا تغطي مناطق كثيرة في القاهرة.

وتقول: "كثيراً ما أطلب رحلة مع أوبر باص، وأجد رسالة أن المنطقة التي أتواجد بها لا يغطيها أوبر باص".

أما حسن سعد، فكان يمسك بهاتفه المحمول ويلعب اللعبة الشهيرة Pubg، منتظراً وصول الحافلة إلى المحطة النهائية في ميدان لبنان بحي المهندسين بالجيزة (غرب القاهرة الكبرى).

وزير الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر شاركت في إطلاق خدمة أوبر باص/مواقع التواصل الاجتماعي
وزير الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر شاركت في إطلاق خدمة أوبر باص/مواقع التواصل الاجتماعي

يقول سعد (33 عاماً)، ويعمل مهندساً في إحدى شركات البترول إن "سيارته معطلة، وكان عادة يستخدم أوبر أو كريم في مثل هذه المواقف، ولكنه شاهد إعلاناً بالصدفة على فيسبوك عن خدمة أوبر باص بسعر موحد 5 جنيهات، فقرر تجربتها".

يقول: "كان لديّ موعد في مجمع التحرير لتجديد جواز سفري، وموعد آخر في منطقة المهندسين للقاء صديق، فقررت تجربة أوبر باص، ووجدت أن الخدمة جيدة مقارنة بسعرها".

السائق قليل الكلام، وممنوع حتى من الحديث مع الصحافة

سائق الحافلة، ويدعى محمد عبدالمنعم، يقود السيارة بصمت تام، لا يتحدث مع الركاب إلا عندما يوجه إليه أحدهم سؤالاً حول محطة التوقف المقبلة أو عندما يدفع الحساب.

رفض عبدالمنعم، الذي يبدو أنه في الأربعينيات من عمره، الحديث باستفاضة، حتى بعد معرفة هويتنا الصحفية.

يقول: "لا نتحدث مع الصحافة أو الركاب إلا للضرورة، بسبب تعليمات الشركة".

ولكنه قال بإيجاز إنه يعمل في الفترة الصباحية من الساعة الثامنة وحتى الساعة الرابعة، إذ "إنها فترة الذروة لركاب أوبر باص".

وتسير نحو 12 مليون مركبة في شوارع مصر، من بينها 7 ملايين سيارة خاصة، وتتصدر القاهرة القائمة بنحو 4 ملايين سيارة، إضافة لأكثر من مليون ونصف المليون في الجيزة، ما يعني أن نحو نصف سيارات البلاد تسير في القاهرة الكبرى فقط، حسبما أشارت الإحصاءات الرسمية الصادرة مؤخراً.

السفارة الأمريكية تحتفي بالمنتج الذي صنع خصيصاً للقاهرة والحكومة المصرية تشجع التجربة

وأعلنت شركة أوبر، مطلع ديسمبر/كانون الأول 2018، إطلاق خدمة أوبر باص لأول مرة في العالم في مدينة القاهرة، في انتظار توسيعها إلى مدن وعواصم أخرى، وذلك خلال مؤتمر صحافي بحضور الرئيس التنفيذي لأوبر دارا خسروشاهي، ووزيرة الاستثمار المصرية سحر نصر.

وقال خسروشاهي إن "الشركة ترغب في زيادة عدد مستخدميها على مستوى العالم من 100 مليون إلى مليار مستخدم، وإن خدمة أوبر باص الجديدة كانت جزءاً من هذه الخطة".

وأضاف: "هذا منتج صنعناه للقاهرة خصيصاً، وسيكون الآن أيسر الطرق لاستخدام تكنولوجيا أوبر للتحرك في أنحاء المدينة… أنا فخور بشكل خاص أن تكون القاهرة أول مدينة على مستوى العالم تقوم بإطلاق أوبر باص".

واحتفت السفارة الأمريكية في القاهرة بإعلان أوبر على تويتر.

وتقدم أوبر أيضاً خدمات ركوب الدراجات النارية في مصر، وغيرها من المركبات منخفضة التكلفة، مثل المركبات ذات العجلات الثلاث (التروسيكل)، والتوك توك، في أجزاء من إفريقيا، وكذلك الدراجات الكهربائية، ودراجات السكوتر في الولايات المتحدة وأوروبا.

وتدرّ وسائل النقل هذه أرباحاً هامشية للغاية لشركة أوبر، التي تخسر مليارات الدولارات سنوياً، لكن الشركة ترى أنَّها طرق مهمة لتوسيع قاعدة مستخدميها وللتصدي للازدحام في المراكز الحضرية، وتُعَدُّ مصر سوقاً مهمة في منطقةٍ تنافسية لشركة أوبر.

شركة كريم تقرر دخول المنافسة.. فعدد السيارات القليل في مصر يسع الجميع

وتزامن إعلان إطلاق أوبر باص في شوارع القاهرة، مع إعلان شركة كريم لنقل الركاب ومقرها دبي بتشغيل 4 خطوط باصات بشكل تجريبي، في القاهرة الكبرى.

وتعمل الخطوط حالياً من مدينة السادس من أكتوبر وحتى المهندسين، والعكس، ومن الجامعة الأمريكية في التجمع الخامس وحتى كورنيش المعادي، والعكس.

على أن تبدأ الخدمة الساعة 6 صباحاً، وحتى الثامنة مساءً، بسعر 25 جنيهاً للرحلة.

التوكتوك وسيلة مواصلات شائعة بالمناطق الشعبية ولكنها غير ملائمة للطبقى الوسطى / iStock
التوكتوك وسيلة مواصلات شائعة بالمناطق الشعبية ولكنها غير ملائمة للطبقى الوسطى / iStock

وقالت مديرة خدمة النقل الجماعي في "كريم باص" هدير شلبي، إن "الازدحام المروري يكلف مصر حوالي 10 مليارات دولار سنوياً، بما يمثل نحو 4% من الناتج المحلي للدولة، وفق دراسة أعدها البنك الدولي".

وأضافت في مؤتمر صحافي أن عدد السيارات في مصر ليس كبيراً "فكل ألف مواطن مصري، منهم 45 شخصاً فقط لديه سيارة، وهو ما جعلنا نفكر في الاستثمار في النقل الجماعي".

وقالت: "أظهرت الدراسات التي أجريناها أن 89% من المصريين ليست لديهم القدرة على استخدام وسائل النقل الفردي".

وأوضحت هدير أن الشركة بدأت خدمات النقل الجماعي من القاهرة "لأنها أكبر مدينة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك هي أكبر المدن التي تعمل بها الشركة، ولأن هناك احتياجاً قوياً لخدمات النقل الجماعي المميز".

وحتى من يمتلك سيارته الخاصة عليه أن يخوض حرباً يومية

وهو ما وافقت عليه الأستاذة الجامعية مي محمد، البالغة 37 عاماً، التي قالت: "لدي سيارة خاصة، لكنني أخوض حرباً يومية تستنزف قواي للوصول لعملي في جامعة القاهرة".

وأضافت الأستاذة المحجبة: "ليس لدي خيار آخر غير قيادة سيارتي، بسبب تردّي خدمات النقل الجماعي، وارتفاع تكلفة سيارات الأجرة. وبالتالي فأوبر باص بات منقذي الوحيد حالياً".

وتابعت ضاحكة وهي تهم بالنزول "أستخدمه كل يوم حالياً. ربنا يديمه علينا نعمة".

علامات:
تحميل المزيد