شارع للمعاقين ومصاعد تتكلم.. كيف أقنعت مؤسسة «حلم» المصرية شركات كبرى بتوظيف ذوي الاحتياجات الخاصة؟

شارع للمعاقين ومصاعد تتكلم.. كيف أقنعت مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة شركات كبرى في مصر بتوظيف متحدي الإعاقة؟.. القرار ليست دوافعه خيرية فقط

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/12 الساعة 13:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/12 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش

"نعتذر لا نستطيع أن نوظفك رغم تعاطفنا معك" كانت لمياء تخشى أن تسمع هذه الكلمات مجدداً وهي تتقدم للعمل بشركة فودافون العالمية، ولكن بفضل مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة كان الأمر مختلفاً هذه المرة.

فبخطوات تجمع بين القلق والأمل، تقدمت الشابة الكفيفة لمياء أمين إلى وظيفة "call center" بشركة فودافون للاتصالات.

لم تتخيل لمياء أمين كفيفة البصر، أنها يمكن أن تجد يوماً عملاً، بعد أن عانت وواجهت الكثير من المشكلات أثناء بحثها عن فرصة عمل بعد التخرج بسبب إعاقتها البصرية.

إذ أن معظم الشركات غير مجهزة بالبرامج الناطقة أو تستخدم طريقة برايل (طريقة قراءة بارزة مخصصة للمكفوفين)، على الرغم من أن الدستور المصري ينص على تعيين 5 بالمائة من الموظفين من ذوي الاحتياجات الخاصة.

ولكن مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة كانت بمثابة النور الذي أضاء عتمة طريقها بعد أن وفرت لها عملاً من خلال توجيهها للشركات التي تتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة.

كيف غيرت مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة حياة لمياء؟

تقول لمياء أمين: "حاولت العمل في أكثر من مكان، لكن للأسف كانوا جميعاً غير مجهزين لتوفير ظروف العمل المناسبة لإعاقتي".

إحدى احتفاليات مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة/مواقع التواصل الاجتماعي
إحدى احتفاليات مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة/مواقع التواصل الاجتماعي

وتضيف قائلة ل"عربي بوست" تغيرت حياتي منذ أن علمت عن مؤسسة حلم وما توفره من فرص عمل لمثل من هم في حالتي في شركات تقوم المؤسسة بتهيئتها مسبقاً لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة، فذهبت للتعرف على المؤسسة وشرحت لهم جميع ظروفي وإمكانياتي، ثم رشحوا لي هذه الشركة".

وتابعت: "ذهبت وأنا مُتيقنة أنهم لن يقبلوني فكيف سأعمل في هذا المجال وأنا كفيفة، وخاصة بعد تجربة من البحث عن فرصة عمل لسنوات دون جدوى.

ولكن المفاجأة أنهم قبلوني، نظراً لأن الشركة كانت بالفعل مؤهلة للتعامل معنا.

 إذ كان لديهم أجهزة ناطقة ويتوفر معدات بطريقة برايل، ثم بدأنا بالتدريب الذي استمر فترة للتعود على نظام العمل".

ليست مجرد مبادرة.. خطوات محددة جعلت السوق يقبل ذوي الاحتياجات الخاصة

ويعاني ذوو الاحتياجات الخاصة في مصر كما في كثير من دول العالم الثالث، بسبب التمييز من قبل الدولة والمجتمع على السواء.

ولمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وإدماجهم في المجتمع وسوق العمل، أطلقت مبادرة مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، الأمل في نفوس الكثيرين منهم.

و"حلم" مؤسسة غير ربحية تهدف إلى تعزيز دمج ذوي الاحتياجات الخاصة بصورة كاملة في المجتمع وحصولهم على حقوق متساوية من خلال تدريبهم وتأهيلهم للحصول على فرص عمل.

ولتحقيق هذا الهدف طورت مؤسسة حلم برنامجاً لتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة لإدماجهم في سوق العمل عبر عدة خطوات توفر لهم التدريب على اللغة الإنكليزية وكتابة السيرة الذاتية، وأيضاً مهارات التواصل وعرض الأفكار.

كما تحاول مؤسسة "حلم" تغيير ثقافة مجتمع الأعمال مثل نشر الوعي بأخلاقيات التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تقوم بالمساعدة في تأهيل مقرات الشركات لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة ولتتناسب مع احتياجاتهم.

مصاعد تتكلم ومنحدرات للمقعدين

"مصاعد ناطقة ومنحدرات تسهل حركة الأشخاص المقعدين" حتى قبل تدخل لأي شركة متعاونة مع مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ستجد الطريق ممهداً أمامهم.

فالمؤسسة تساعد الشركات على توفير كل العوامل اللازمة لعمل ذوي الاحتياجات الخاصة.

كما تقوم المؤسسة بعقد جلسات تدريب مع أرباب العمل والموظفين لنشر الوعي بأساليب وطرق التعامل مع ذوي الإعاقة، وتهيئة مكان عمل ملائم يتناسب مع احتياجاتهم وتحديد مهاراتهم حتى يتمكنوا من استغلالها بشكل أفضل.

وأثمرت هذه الجهود عن استعداد أكبر لدى الشركات ووجهات العمل للتعامل مع هذه الفئة من المجتمع وتعيينهم في وظائف لديها.

مليون مشاهدة لمعاناة هؤلاء الناس

ومن ضمن نشاطات مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة التوعوية فيلم فيديو قصير أنتجته المؤسسة، ولاقى رواجاً كبيراً وصل إلى مليون مشاهدة في خلال 6 أيام على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

ويعرض الفيديو مواقف مستوحاة من الحياة اليومية تتطرق للأذى النفسي الذي يتعرض له ذوو الاحتياجات الخاصة عندما يتعامل معهم الأصحاء بشفقة ومساعدتهم بأسلوب خاطئ.

ويعرض الفيلم طرق المساعدة الصحيحة التي لا تسبب الأذى سواء البدني أو النفسي لهم.

وها هم يذهبون للمطاعم والأسواق المعدة لهم

كما أطلقت مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة تطبيق "انطلق" على الهواتف الذكية.

وهذا التطبيق الأول هو من نوعه في مصر الذي يُمكن ذوي الإعاقة من التعرف على الأماكن المجهزة لاستقبالهم من مطاعم ومراكز تسوق وشركات.

وتقول مديرة "حلم" آمنة الساعي ل"عربي بوست" إنهم قاموا بالفعل بتجهيز 200 مكان في مدينة القاهرة لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة.

وفازت مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بهذا التطبيق بجائزة مؤتمر الـ Zero Project كأفضل ابتكار عالمي في مجال الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة، وذلك للعام التالي على التوالي.

إذ سبق أن فازت المؤسسة بلقب أفضل مؤسسة في مجال الممارسة المبتكرة لعام 2017 بشأن العمالة والعمل والتعليم المهني والتدريب للأشخاص ذوي الإعاقة.

وتستهدف مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مشاركتها في المؤتمر في عام 2019 تقديم حلول لمشكلة الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة بمصر وذلك بسبب نقص الأماكن التي تدعم ميزات إمكان الوصول.

إذ أنه وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يمثل الأشخاص ذوو الإعاقة نحو 15٪ من سكان البلدان النامية بما في ذلك مصر، الأمر الذي يفترض أن تتاح لهم نسبة مماثلة من المرافق.

وعن بداية تكوين المؤسسة.. قالت آمنة الساعي، رئيسة مؤسسة "حلم" لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة: "البداية كانت عقب زيارة لألمانيا عام 2010 وتحديداً لمعرض يدعى Dialog Museum تقوم فكرته على التجول في أركانه وأنت مغمض العينين والاعتماد على مرشدين من المكفوفين، ما جعلني أنتبه لمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر".

وأضافت "عدت إلى مصر وبداخلي قرار بضرورة عمل أي شيء يساعد تلك الفئة"

وكانت أول الصعاب التي واجهتني، غياب الوعي والدراسات عن حالاتهم، حسبما تقول آمنة.

وقالت "الكثيرون حاولوا إقناعي بأنني لن أتمكن من إحداث تغيير في المجتمع، ولكنني في خلال عام ونصف تمكنت بمساعدة من معي في عمل الكثير".

حفظنا أماكن المطبات في شوارعنا، ولكن ماذا عن المناطق الجديدة؟

تتحدث لمياء آمين عن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر والتي تمتد إلى الشوارع قائلة "أنها كانت تتوق إلى الحياة في مكان "يحترم آدميتها" ويوفر لها السير في الشوارع بلا خوف ودون الاعتماد على الآخرين.

وأضافت لمياء "أنه بالرغم من أننا تعودنا على السير في طرق مصر، وتقريباً حفظنا الشوارع والمطبات والأماكن المزدحمة، لكن الأماكن الجديدة تسبب لنا أزمة حقيقية".

ولذا أولت مؤسسة الحلم الشوارع اهتماماً خاصاً.

والآن أصبح هناك شارع لذوي الاحتياجات الخاصة ومئات الأرصفة المجهزة لهم

"نعم تحقق الحلم لقد أصبح هناك شارع لذوي الاحتياجات الخاصة بجوار جامعة القاهرة"، حسبما قال رامز ماهر، العضو المؤسس والرئيس التنفيذي لمؤسسة "حلم" لـ"عربي بوست".

يقول ماهر "كان تجهيز شارع لذوي الاحتياجات الخاصة بمثابة حلم لنا، والآن أصبح هذا الشارع موجوداً بجوار جامعة القاهرة العريقة".

وتقول آمنة الساعي "استطعنا تهيئة المئات من الأرصفة لتكون سهلة الاستعمال بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة، كما أطلقنا تطبيق يساعدهم على معرفة الأماكن المخصصة لاستقبالهم من مطاعم وعيادات وغيرها".

عدد هائل للمعاقين في مصر

"عدد المعاقين في مصر كبير ويجب أن تخصص لهم الأماكن والمرافق المناسبة".

يقول رامز ماهر "يوجد 15 مليون معاق في مصر، رغم أن البعض يصدم من ضخامة هذا الرقم، لأنه لا يرونهم نظراً لأن أغلب المعاقين محبوسون في منازلهم بسبب عدم توفر المرافق وفرص العمل المناسبة لهم".

وحسب الجهاز المركزي للإحصاء والتعبئة فإن نسبة ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون نحو 10.67% من إجمالي عدد السكان "بدءاً من 5 سنوات فأكثر، ويبلغ عدد سكان مصر حالياً نحو 100 مليون نسمة".

ويقول ماهر "إننا نسعى لمساعدة المعاقين للنزول من منازلهم، والذهاب إلى أعمالهم أو مشاركتهم في الحياة العادية، من خلال تأهيل ذوي الإعاقة لسوق العمل"

المؤسسة تجهز منحدرات للمقعدين في الشوارع وأماكن العمل / مواقع التواصل الاجتماعي
المؤسسة تجهز منحدرات للمقعدين في الشوارع وأماكن العمل / مواقع التواصل الاجتماعي

وأضاف "إن المؤسسة تركز  إحدى المشاكل الرئيسية، وهي أن الطرق غير ممهدة في مصر لذوي الاحتياجات الخاصة".

وتابع قائلاً: "هناك شركات عالمية أنفقت ملايين، لكي تكون مصانعها متاحة لأصحاب الإعاقات"

وأضاف"نحن نعمل معهم لكي نوفر لهم هذه الملايين، ونساعد تلك الشركات لتعميم نسبة الـ5% من المعاقين التي نص عليها الدستور في كل الشركات، وندرب العاملين في الشركة للتعامل معهم".

وقال "لقد أصبحت مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة مثل مستشار لأي شركة وجهة حكومية تقدم الخدمات الأساسية لكي تكون متاحة للمعاقين".

ويبدو أن اتجاه بعض الشركات لتهيئة بيئة العمل لذوي الاحتياجات الخاصة ليس لأسباب خيرية فقط، بل لأسباب اقتصادية تتعلق بصالح العمل.

إذ تقول لمياء الأمين بثقة بناء على تجربتها الشخصية "إننا نتعامل مع الكمبيوتر مثلنا مثل أي شخص عادي وربما أسرع".

والدولة بدأت تمد يدها للمؤسسة

"التعاون مع الدولة لم يصل لأقصى مدى، ولكن هناك بوادر طيبة"، حسب مديرة مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

تكريم لأحد متحدي الإعاقة/مواقع التواصل الاجتماعي
تكريم لأحد متحدي الإعاقة/مواقع التواصل الاجتماعي

إذ تقول"إن محافظ الجيزة اللواء محمد كمال الدالي استقبل وفد المؤسسة بشكل جيد وتحمس للغاية للعمل معنا، وساعدنا كثيراً".

وعن أبرز المشاكل التي تواجه ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، تقول الساعي "لا يوجد وعي كاف في المجتمع المصري بالأشكال المختلفة للإعاقة ولا بأساليب التغلب عليها.

"وبالتالي لا توجد غالباً محاولات لإيجاد الحلول"، حسب مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

إذ تقول "مثلاً الشخص الكفيف يمكن إيجاد حل لمشكلاته بتوفير برامج ناطقة على الحاسوب، والطفل الذي يعاني من عسر القراءة "dyslexia" ليس طفلاً غبياً أو متخلفاً لكنه يحتاج إلى تعامل خاص من جانب المعلمين، ولكن أغلب المدارس في مصر لا تؤهل المعلمين للتعامل مع هذه الإعاقة".

ولكن نجاح مؤسسة حلم لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة يثبت أنه يمكن إيجاد هذه الحلول لمن يبحث عنها.

علامات:
تحميل المزيد