لماذا لا يوجد شعر في راحة يد الإنسان أو على أخمص قدميه؟ دراسة تكشف سرَّ ظهور الشعر أو اختفائه في سائر أنحاء الجسم

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/28 الساعة 18:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/29 الساعة 09:46 بتوقيت غرينتش
Torso of a man undoing the upper part of his shirt to show his hairy chest.

بينما يمضي البعض وقتاً طويلاً ومجهوداً وحتى يصرف مالاً للتخلص من شعر الجسم، فإن السؤال الذي يطرحه العلماء المتخصصون بعلم الوراثة والتطور هو: لماذا لا يوجد شعر أكثر على جسم الإنسان؟ شعر الإنسان شيءٌ غريب، وبالمقارنة مع معظم الثدييات الأخرى، فإن البشر عراةٌ تماماً.

حتى أن الزغب القليل الذي نملكه يأتي غير منتظم وينتشر في بقعٍ على نحوٍ غريب.

ربما تكون راحة اليد وباطن القدم أكثر مناطقنا الصلعاء الغريبة وضوحاً. لذا تُميِّزنا بشرتنا الملساء، الخالية من الشعر، عن الثدييات الأخرى، مثل الأرانب والدببة القطبية، التي يغطي الفراء مخالب كفوفهم.

صحيح أن الأمر بمثابة أحجية لا تكف عن التعقيد، لكن الباحثين ربما يكونون قد توصَّلوا الآن لتفسير سبب تغطية بعض أجزاء الجسم البشري بالشعر دوناً عن أجزاء أخرى.

بروتين Wnt مسؤول عن توزع ونمو شعر الإنسان

دراسةٌ جديدة نشرت في مجلة Cell Reports وأُجرِيَت على الفئران، كشفت وجود مسار جزيئي هام يُبقي على الأجزاء الداخلية من أقدامنا وأيادينا ملساء كبشرة طفل رضيع.

يرتكز التفسير على وجود مُرسِل جزيئي صغير، يسمى بروتين Wnt، وهو معنيٌّ بحمل معلومات تخص بزوغ وتباعد ونمو شعر الجسم، ونقلها بين الخلايا.

في ضوء ذلك قالت سارة ميلر، كبيرة الباحثين وأخصائية الأمراض الجلدية بجامعة بنسلفانيا لمجلة Cosmos العلمية الأسترالية: "نعلم أن إشارات Wnt ضرورية لتطوُّر بصيلات الشعر. إذ تنتج عن تثبيطها بشرةٌ ملساء، بينما يؤدي إرسالها بين الخلايا إلى تكوين المزيد من الشعر".

في المناطق الملساء يوجد مثبط لهذا البروتين فلا ينمو الشعر

صورة تظهر وجود غياب مُثبِّط DKK2 لدى الفئران والأرانب/ Cell Reports
صورة تظهر وجود غياب مُثبِّط DKK2 لدى الفئران والأرانب/ Cell Reports

وأضافت: "اكتشفنا في هذه الدراسة أن بشرة الإنسان في المناطق الملساء تُنتِج بطبيعتها مُثبِّطاً يمنع بروتين Wnt من القيام بوظيفته".

هذا المثبط يُدعى (Dickkopf 2 (DKK2، وعند إزالته من الفئران تماماً، لاحظ الباحثون أمراً مثيراً للفضول.

فبينما استمر نمو شعر الفئران المُعدَّلة وراثياً في جميع المناطق الصحيحة، بدأت المناطق العارية عادةً في كفوفهم بتنبيت القليل من الشعر.

عادةً ما تكون المنطقة الأخمصية من القدم خالية من الفراء في الفئران الطبيعية، ولكن في الـ 40  فأراً المُعدَّلة وراثياً، وجد الباحثون بصيلات شعر ناضجة ومكتملة تماماً، مُدمَجة في تلك المنطقة.

وحتى مع اقتلاع تلك الشعيرات، نمت بثور الشعر الكثيف غير المعتادة مجدداً، تماماً مثل الفراء الطبيعي.

وعندما حوَّل الباحثون انتباههم إلى الأرانب، لاحظوا حدوث شيء مشابه.

فكما هو الحال مع الدببة القطبية، ينمو شعر الأرانب أيضاً على باطن أقدامهم، ربما للحفاظ على دفء أصابعهم أثناء عبورهم المناطق الثلجية والجليد.

وهذا المثبط يغيب لدى الحيوانات ذات الفراء

في هذه الحالة، يتضح أن مُثبِّط  DKK2 -أو بالأحرى غياب هذا المُثبِّط- ينهض بدورٍ مهم.

ففي بشرة الأرانب الأخمصية، وجدت الدراسة أن مُثبِّط DKK2 لا يُعبَّر عنه بمستوياتٍ عالية، وربما هذا هو السبب وراء نمو الفراء في تلك الأماكن.

جاءت النتائج غير متوقعة. إذ اعتقد الباحثون عند بدء إجراء الدراسة لأول مرة، أن مُثبِّط  DKK2 قد يكون مسؤولاً عن نمط بصيلات الشعر التي تنمو في الجسم.

لكن النتائج الجديدة تشير إلى أن دور المُثبِّط هو العكس من ذلك.

يعتقد الباحثون الآن أن وجود DKK2 مسؤولٌ عن إبقاء أجزاء معينة من الجسم خالية من الشعر.

ولكن عندما يغيب، ينمو الشعر في أماكن غير معتادة

لذلك، في حالاتٍ معينة يغيب فيها هذا المُثبِّط، يُترَك مسار إشارة Wnt للقيام بوظيفته، مُفعِّلاً الخلايا الجذعية المناسبة، والتي تسمى β-catenin، مما يؤدي لتطوُّر بصيلات الشعر في الأماكن التي لا ينبغي نموها فيها.

أما بالنسبة لسبب حدوث ذلك، تعتقد ميلر وفريقها البحثي أن وجود أو غياب DKK2 ربما يكون مبنياً على مزايا تطورية.

على سبيل المثال، بينما تحتاج الأرانب والدببة القطبية إلى كفوف مشعرة للنجاة، فإن امتداد شعر الإنسان إلى الأيدي والأقدام من شأنه أن يزيد من صعوبة حياتنا، فضلاً عن فوضويتها.

إذاً لماذا البشر أقل شعراً من الحيوانات؟

في هذه المرحلة، لا يزال من غير الواضح على وجه الدقة لماذا تطوَّرَت أيادي وأقدام ملساء للبشر، ولكن هناك القليل من الافتراضات حول ذلك.
يقترح البعض احتمالية أن يكون ذلك نوعاً من الانتقاء الجنسي، بينما يقول آخرون إن الأمر له علاقة أكبر بالتنظيم الحراري، إذ انتقلنا معيشياً من الغابات إلى سهول السافانا المُشمسة؛ بينما لا يزال آخرون يعتقدون أن عُرينا يحمينا من الطفيليات الخارجية، مثل القمل وغيره من الحشرات المزعجة.

هناك حتى أولئك الذين يعتقدون أن الأمر يخلو من أيِّ مزية تطوُّرية، إذ أنه مجرد سمة مستترة صغيرة مخادعة شقَّت طريقها للمستقبل.
بغض النظر عن أيٍّ من تلك التفسيرات هو الصحيح، الأكيد أنه إذا امتدت الاكتشافات الجديدة للبشر، فهذا يعني أنه مع تغيير وراثي طفيف واحد فقط، يمكننا حمل الشعر على النمو في الأماكن الملساء من أيدينا وأقدامنا.

هل يساعد هذا الاكتشاف على منع نمو الشعر أو ربما تعزيزه؟

على هذا النحو، يأمل القائمون على هذه الدراسة أن تساعدنا أبحاثهم ذات يومٍ في اكتشاف طريقة لمنع نمو شعر الجسم أو حتى تحفيزه.
يمكن أن يكون هذا النوع من العلاج مفيداً للغاية في عددٍ مُتنوِّعٍ من المشكلات الصحية، بما في ذلك الصلع لدى الذكور، وقد يمكن استخدامه كذلك للمساعدة في علاج مرضى الحروق والأشخاص الذين يعانون من مشاكل مرضية في البشرة، مثل الصدفية.

من جانبها تقول ميلر: "في حين أن الحاجة لإجراء المزيد من الأبحاث ضروريةٌ لتعزيز فهمنا لهذا المسار، تشير نتائجنا إلى أنه يمكن استخدام العلاجات القادرة على خفض مستويات إشارات Wnt /βt-catenin في البشرة، لمنع نمو الشعر غير المرغوب فيه، و/أو لعلاج بعض أورام الجلد".

وأضافت: "العكس صحيح أيضاً، إذ يمكن استخدام عوامل تنشيط Wnt لتعزيز نمو الشعر في البصيلات الخاملة في بعض الحالات، مثل الصلع لدى الذكور، فقط إذا ما وصلت إشارات هذا البروتين بكمياتٍ محدودة، وآمنة، وقيد التحكُّم".

تحميل المزيد