لكي تكون قائداً ناجحاً.. هل يجب أن تمارس جنون العظمة على مَن حولك؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/23 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/23 الساعة 16:19 بتوقيت غرينتش
مفهوم السيكوباتية

أصبح مفهوم السيكوباتية في غرفة الاجتماعات يحظى باهتمام كبير من قِبَل الباحثين الذين يعتقدون أن أي موظف عادي يمكن أن يتحول إلى قائد إذا كان يحمل صفات القسوة والجرأة والقدرة على السيطرة.

ويعرف الأشخاص الذين يعانون من أعراض السيكوباتية بنزعتهم إلى إقصاء كل مَن يقف في طريق وصولهم للسلطة والسيطرة.

وحسب هذا الرأي، يكمن الفرق الوحيد بين المديرين والسياسيين من جهة، والمجرمين من جهة أخرى، في قدرة هؤلاء على تجنب القيام بسلوكيات غير اجتماعية بشكل علني قد تعرّضهم للسجن.

ويفتقر هؤلاء المديرون والسياسيون فعلاً للتعاطف مع الآخرين، كما أنهم على استعداد لاستخدام القوة الغاشمة للوصول لمبتغاهم، ولا يشعرون بالندم أبداً إزاء ما اقترفوه من أفعال أدت لإيذاء الآخرين.

لا يهتمون سوى بالتقليل من شأن الآخرين

وربما تكون أنت أو أحد المقربين منك قد عملت تحت إمرة رجل متصلب وشرير، لا يشعر بتأنيب الضمير أبداً عندما يجبر الآخرين على إظهار ضعفهم وخضوعهم. ويبدو هذا الشخص وكأنه لا يهتم لأي أمر سوى التقليل من شأن الآخرين، وهو لا يتردد في إيذاء مجموعة كبيرة من المنافسين له من أجل تحقيق أهدافه.

في مقال نشرته الباحثة كارين لانداي وزملاؤها في جامعة ألاباما الأميركية خلال عام 2018، تحت عنوان "هل علينا أن نخدم سادة الظلام؟"، يرى هؤلاء الباحثون أن الاعتقاد بأن قادة الشركات الكبرى يفتقرون إلى المبادئ الأخلاقية وتنطبق عليهم أعراض السيكوباتية، هو في الواقع قول مبالغ فيه.

 وتعتقد لانداي أن هذا الرأي السائد، الذي يتمتع بالجاذبية في الأوساط الشعبية والأدبية، التي تنسج دائماً قصصاً حول "السيكوباتي الناجح"، يقوم على تحليلاتٍ تتغاضى عن بعض التفاصيل المهمة.

لانداي وزملاؤها اعتقدوا أن هناك فرقاً مهماً تم تجاهله من قِبَل الكثيرين، بين ترسيخ القيادة، أي الاعتراف بالشخص كقائد من قبل أقرانه، وفاعلية القيادة. فقد يرغب الأشخاص الذين يتسمون بصفات السيكوباتية في أن يصبحوا قادة عظماء، وذلك بسبب ميولهم الجامحة نحو السيطرة على الآخرين، ولكنهم لا يتمتعون بالنجاح المطلوب عندما يصلون فعلاً إلى القمة.

المدير الشرير السيكوباتي

ولتوضيح هذا الأمر يمكن التفكير في المدير الشرير، هل تريد فعلاً العمل مع شخص من هذا النوع؟ ألم تكن لتحاول تشتيت تركيزه وإفشال جهوده لبلوغ أهدافه؟ ألن تقضي كل أوقات فراغك ووقت الغداء أو تناول القهوة في الحديث مع زملائك ونسج المؤامرات من أجل فضحه والإطاحة به، مثلما يفعل البعض بالمشاهير؟ في هذه الحالة كيف يمكن لشخص من هذا النوع أن يصبح قائداً فاعلاً وناجحاً؟

في الواقع، تتمثل الطريقة التي مكنت هذا النوع من الأفراد من الوصول إلى القمة في أنهم تمكنوا من خداع مديريهم لإقناعهم بترقيتهم، أو ربما استعملوا حيلة شيطانية أخرى، مثل الابتزاز والتهديد برفع دعاوى قضائية والتشهير بالشركة والمسؤولين عنها في حال التعرض للطرد.

وتؤكد مجموعة كارين أن هناك العديد من الفروق الأساسية التي يجب الانتباه إليها، والتي لم يتم أخذها في الحسبان خلال الدراسات السابقة.

عوامل ظهور السيكوباتية

ويتجلى أول هذه الفروق في أن فكرة السيكوباتية ليست معياراً موحداً. وعلى الرغم من أن بعض معايير السيكوباتية تستند إلى صفات معينة، إلا أن بعض الباحثين الآخرين يرون أن السيكوباتية هي صفة متعددة الوجوه، وتتضمن، من بين سمات أخرى، الرغبة في السيطرة والاندفاع، والسلوكيات الفاضحة، والشر، وانعدام التعاطف.

يوجد أيضاً عامل مهم في معادلة السيكوباتية يتمثل في القدرة على التلاعب بالآخرين، ما يسمح للشخص بالتظاهر بالطيبة والنزاهة، في حين يعمل على استغلال الآخرين والإضرار بهم من أجل الصعود إلى القمة.

إضافة إلى ذلك، ليس من السهل تعريف مفهوم ترسيخ القيادة، حيث إن الأفراد قد يحصلون على ترقيات ويتمكنون من تولي مناصب في مراكز أعلى ليتمتعوا بالنفوذ والقدرة على التأثير، ولكن هذا الأمر قد لا يستمر لأكثر من عامين أو ثلاثة. بعد ذلك، ربما يسأم أصحاب القرار منهم، وبالتالي قد يغادرون الوظيفة قبل تعرضهم للطرد.

والأمر مطابق بالنسبة لفاعلية القيادة حيث لا يوجد لهاً أيضاً تعريف محدد. فهل يمكن اعتبارك قائداً فاعلاً؛ لأن الآخرين يحبونك ويريدون العمل معك؟ أو لأنك تمتلك رؤية صلبة لمستقبل المؤسسة؟

 قد تتصرف بطريقة سيئة للغاية مع كل العاملين معك، مثل فريق المتطوعين الذي تشرف عليه، ولكن بشكل ما ينجح هذا الفريق في الحصول على أكبر قدر من التبرعات للحملة المطروحة.

جنس الشخص بين القيادة والسيكوباتية

وبعيداً عن هذه المسائل المنهجية والتعريفية، ترى لانداي وزملاؤها أن جنس الشخص قد يلعب دوراً في العلاقة بين القيادة والصفات السيكوباتية، ففي النهاية من المعروف أن النساء يحظين باحترام أقل في المناصب الرفيعة، وأنهن يحصلن على تقييم أدنى وينظر إليهن على أنهن أقل قدرة على السيطرة والتحكم، وهي صفة قد تكون ضرورية حتى تشق المرأة طريقها نحو أعلى الهرم الوظيفي.

 وعادة ما تفتقر النساء للقدرة على إظهار نفس السلوكيات المظلمة التي يظهرها الرجال.

وبعد دراسة معمقة لكل الأعمال التي نشرت حول مظاهر السيكوباتية وعلاقتها بالقيادة، تمكنت الدكتورة لانداي وزملاؤها من العثور على 46 حالة متفردة، تتضمن بيانات حول ترسيخ القيادة، والقيادة غير الرسمية، والفاعلية، وأخيراً قيادة التغيير، وهي تعني نوع القادة الذين يلهمون الأشخاص في مجال عملهم بناء على مبادئ أخلاقية.

وقد كان فريق البحث مهتماً ليس فقط بالعلاقة بين القيادة والسيكوباتية لدى الرجال والنساء، بل أيضاً باختبار فرضية أن يكون الاتصاف بقدر معقول أو متوسط من السيكوباتية أمراً يشير إلى التمتع بصفات القيادة.

السيكوباتية وترسيخ القيادة

وبناء على حجم البيانات التجريبية الضخم، توصل فريق العمل إلى وجود علاقة إيجابية ضعيفة بين صفات السيكوباتية وترسيخ القيادة، وعلاقة سلبية ضعيفة بين السيكوباتية وفاعلية القيادة. ومثلما هو متوقع، حقق الأشخاص الذين يتسمون بقدر كبير من السيكوباتية نتائج أضعف في القدرة على قيادة التغيير.

ولكن عند إضافة معيار جنس الفرد إلى هذه الدراسة، تغيرت الأمور بشكل ملحوظ، حيث إن النساء اللاتي يتسمن بالسيكوباتية لم يظهرن أي دلالة على أنهن قياديات، على عكس الرجال السيكوباتيين. وبنفس الشكل، عند تقييم الفاعلية، حصلت للنساء اللاتي يتصفن بقدر كبير منها على تقييم سلبي، أما الرجال فقد حصلوا على تقييم إيجابي.

بناء على ذلك، تبدو العلاقة بين القيادة والسيكوباتية بشكل عام مرتبطة بشكل كبير بجنس القائد. وفي النهاية، من الواضح أن التمتع ببعض القدر من السيكوباتية مفيد للقادة في كل جوانب وظيفتهم، ومن بينها قيادة التغيير.

ويجدر التحذير من أن تبني هذه الصفات بشكل مبالغ فيه قد لا يعني بالضرورة أن تكون النتائج إيجابية، حيث لا تتعزز حظوظ الأفراد في أن يصبحوا قادة، أكثر فاعلية، أو أكثر قدرة على التغيير، إلا إذا كانت صفات السيكوباتية متوفرة فيهم بمستويات متوسطة وليست كبيرة.

ويختلف الأمر بالنسبة للنساء تماماً، حيث إن صفات السيكوباتية تعطي مفعولاً عكسياً، وينظر إليها على أنها صفة شخصية لا يجدر إظهارها في مكان العمل. فعادة ما تعبر النساء في المنزل عن صفاتهن السيكوباتية بشكل عفوي، ولا ينظر إلى الأمر على أنه سلوك غير اجتماعي، بل يعتبر مجرد تعبيرات عاطفية، ربما يكون سببها المشاعر المكبوتة في مكان العمل.

الخلاصة:

لا توجد علاقة مباشرة بين السيكوباتية والوصول لمراكز القيادة لدى الإنسان، في حين أن النساء يواجهن صعوبة أكبر من الرجال في تحقيق النجاح إذا كن يتسمن بهذه الصفات. ولكن حتى الرجال إذا كانت أعراض السيكوباتية موجودة لديهم بقدر كبير، فقد يواجهون صعوبة في تسلق السلم نحو القمة. في الأثناء، قد يكون التحلي ببعض اللطف مفيداً جداً في كل الأحوال، لإحراز التقدم نحو المراكز التي قد ترغب في بلوغها في حياتك.

 

تحميل المزيد