كيف تجعل صوتك مسموعاً وسط زحمة الصراخ؟ الخطابة العلنية فن وهذه شروط إتقانها

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/22 الساعة 23:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/23 الساعة 01:27 بتوقيت غرينتش
الخطابة العلنية أساسية في عالمٍ يتطور فيه فن الترويج الذاتي باستمرار

تتسارع دقات القلب خوفاً ويتعرق الجبين واليدان ويجف الحلق، وقد تخرج الكلمات خاطئة كلياً. هذه بعض عوارض التوتر المصاحبة للخطابة العلنية. قد يبدو التحدث أمام الجمهور مهارةً خانقة نوعاً ما، لكن الخطابة العلنية فن لم يندثر بل أصبح يتخذ أشكالاً أخرى.

وأصبحت هذه المهارة بنداً أساسياً في رحلة العثور على عمل عادي في زمن يتطلب إدلاء مواقف وآراء على المنصات الإلكترونية والدفاع عنها على مدار الساعة.

الخطابة العلنية فن أساسي في عالمٍ يتطور فيه فن الترويج الذاتي باستمرار

إذ لم تعد مهارات التحدث تنحصر في مجالات السياسة والمحاماة والإعلام، وتحولت تلك المهارات تدريجياً إلى بند أساسي في قائمة المهارات التي يضعها أصحاب الأعمال عند بحثهم عن موظفين.

ربما تكون أهم بالنسبة للعاملين لحسابهم الخاص، والذين يطمحون إلى الحصول على عمل أو مال، أو مجرد الوصول إلى مكانة وظيفية أعلى في عالمٍ يتطور فيه فن الترويج الذاتي باستمرار.

وهو خبر سيئ لكل شخصٍ من بين 4 أشخاص، يخشى التحدث أمام الجمهور، حسب استطلاع أجرته جامعة Chapman في عام 2014، وفق ما نشرته  صحيفة The Guardian البريطانية.

والجيل الحالي يبتكر وسائل جديدة للنقاش وعقد المناظرات

على سبيل المثال، قبل 20 عاماً كان مؤتمر TED مؤتمراً سنوياً للتكنولوجيا غير معروف إلى حدٍّ كبير، ويُعقد في مدينة فانكوفر الكندية.

أما الآن، فهو علامة تجارية عالمية؛ إذ يقدم محاضرات مدتها 20 دقيقة يلقيها خبراء في كل شيء، من الهندسة المعمارية إلى النشوة الجنسية، وتجاوز عدد تحميلها مليار مرة.

ومن ملفات البودكاست ومدونات الفيديو إلى المنتديات الليلية السريعة عبر الإنترنت والتي تعقدها الحركات النسوية، حيث بإمكان أي شخص أن يأخذ الميكروفون ويتحدث، يطوِّر الجيل زد أو Z (الذي يلي جيل الألفية) طرقاً جديدة للتحدث والنقاش وعقد المناظرات وزيادة الخبرة المهنية.

والحملات على الشبكات الاجتماعية تطلبت من المرأة أن تقول شيئاً ما

فيف غروسكوب، ممثلة كوميديا ارتجالية ومؤلفة كتاب How to Own the Room: Women and the Art of Brilliant Speaking  الذي سيصدر قريباً.

تدير فيف ورش عمل لتدريب النساء على التحدث أمام الجمهور: "يشعر بعض الناس بالقلق من أن يصبحوا على شاكلة الأشخاص المغترِّين بآرائهم، ولكنني أعتقد أن هذا التفكير قد عفى عليه الزمن؛ إذ أصبح بإمكان الجميع الآن بث مقاطع الفيديو طوال اليوم على موقع يوتيوب أو على قصص إنستغرام، وهناك جيلٌ كامل لا يخشى التحدث بصوته ولا يستوعب حتى مبدأ "لا تتحدث من دون إذن" الذي ساد في خمسينيات القرن الماضي".

وأضافت: "يريد الأشخاص أن يكونوا محط اهتمام الجميع، لكنَّهم لا يريدون أن يكونوا بغيضين، فلتدع الآخرين يتحدثون أيضاً".

واعتبرت أنَّ ما يقلقهم هو أن يفعلوا ذلك بطريقة لافتة بما يكفي لينصت إليهم الناس.

وأضافت: "في هذا الوقت الذي يلي حملة  #MeToo، لا تقلق المرأة كثيراً بشأن ما ستقوله. فهي تعرف بالضبط ما تريد قوله، وستتحدَّث عنه ولو قليلاً، لكنَّها تريد قول ذلك بطريقةٍ قوية".

وهذا يثير أسئلةً مهمة حول من لديه المهارات والفرصة للتحدث. فمن الناحية النظرية، بإمكان أي شخص ترشيح نفسه ببساطة للتحدث على منصة TED، أو المشاركة في اجتماع.

ولكن من الناحية العملية، نادراً ما يكون الأمر بهذه البساطة.

وعلى المرأة إظهار الثقة واستخدام صوت عميق

عندما كانت رئيسة وزراء بريطانيا، نُصِحَت الراحلة مارغريت ثاتشر بخفض نبرة صوتها بدرجةٍ إذا أرادت أن يؤخذ كلامها على محمل الجد.

لكن، ربما ما زال لزاماً على المرأة أن تعمل بجديةٍ أكبر من الرجل لتظهر واثقة بنفسها في أثناء وجودها على المنصة، وفقاً لما ذكره بحث يشير إلى وجود ارتباط لا شعوري بين الأصوات العميقة والقيادة.

ووجدت إحدى الدراسات التي أُجريت على 792 من الرؤساء التنفيذيين الذكور، المنتسبين إلى جامعة ديوك البريطانية، أنَّ أصحاب الأصوات المنخفضة والعميقة ترأسوا شركاتٍ أكبر وجنوا المزيد من الأموال.

هيلاري كلينتون مثالٌ على الحاجة للتغيير

وقالت غروسكوب إنه ما زالت هناك بعض المقاومة غير المعلنة لتلقي محاضراتٍ على يد أشخاص لا يتناسبون مع الفكرة السائدة حول القيادة.

وتقول: "من الواضح أن هيلاري كلينتون متحدثة ممتازة، ولكن، كما كتبت جنيفر بالميري (مديرة الاتصالات بحملة كلينتون)، تلقت كلينتون طوال مسيرتها نصائح مستمرة حول كيفية تغيير أسلوب حديثها. وكانت تجيب دائماً بقولها: (فلتخبروني فقط عمَّن ينبغي أن أتحدث مثله، أخبروني من هو ذلك المثالي؟) ولم تكن هناك إجابة قط".

لا بأس بقليل من التوتر.. على طريقة المتحدثة المحترفة أوبرا

وأضافت غروسكوب أنَّ الخوف من الانتقاد ليس سبباً للهروب من العروض التقديمية. فالحل يكمن في العثور على أسلوب التحدث الذي يناسبك.

وقالت: "من الخطأ تماماً الاعتقاد بأنَّك إذا كنت خائفاً من شيء ما، فهذا مؤشر على أنك لست مناسباً له".

واستطردت قائلة: "إذا كنتم تذكرون ذلك الخطاب الذي ألقته أوبرا في حفل جوائز غولدن غلوب (حول حملة Me Too# )، الذي وُصِف على مستوى العالم بأنَّه خطاب عبقري".

وقالت عنه أوبرا بعد ذلك إنَّ أحد الأسباب التي جعلت هذا الخطاب رائعاً جداً هو أنَّها شعرت بتوتر شديد جفَّت معه الكلمات في حلقها.

وكانت بالكاد قادرة على تحريك شفتيها، ولذا كان عليها أن تتحدث ببطء حتى تستطيع تجاوز الأمر.

وتقول غروسكوب إن التخطيط المسبق لكيفية التعامل مع المواقف التي قد تسير على نحوٍ خاطئ يجدي نفعاً كبيراً، وكذلك بعض الحيل البسيطة مثل التحدث بنبرةٍ أبطأ من الطبيعي، أو أداء تمارين التنفس قبل اعتلاء المنصة.

لكن، يمكن القول إنَّ أفضل وسيلة للسيطرة على الخوف هي الممارسة، وكلما بدأت مبكراً، كانت النتائج أفضل.

والحل هو تدريب الأطفال على فن الخطابة

كانت الخطابة، أو فن الإقناع الشفهي، تُدرَّس للطلاب اليونانيين والرومانيين القدماء بصفتها مهارة أساسية تمكنهم من المشاركة في الحياة المدنية، في ثقافةٍ كانت فيها النصوص المكتوبة ما زالت شكلاً جديداً نسبياً من أشكال التواصل.

وحتى يومنا هذا، يظل الإلمام ببعض المعلومات حول شيشرون (الكاتب الروماني وخطيب روما المميز) أو ديموستيني (رجل دولة إغريقي وخطيب مميز) عنصراً أساسياً في التعليم العام الكلاسيكي بالمدارس العامة البريطانية.

إذ تحدث جيسي نورمان، النائب السابق الذي ينتمي إلى حزب المحافظين البريطاني والذي درس في مدرسة Eton College، ذات مرة عن هيمنة تلك المدرسة على السياسة.

وعزا سبب ذلك إلى تفوقها في السماح للتلاميذ بأخذ زمام المبادرة في "مجالاتٍ مثل البلاغة والشعر والخطابة والأداء العام".

بعض المدارس البريطانية تنظم حلقات للمناظرة

لم تعد المدارس مثل Eton College تحتكر تدريس أهم مهارةٍ تُكتسب من تعلُّم فن المناظرة، ألا وهي تطوير مهارات التفكير الناقد اللازمة لصياغة النقاشات في المقام الأول.

إذ إن مدرسة Godwin للناشئين تُعَد مدرسةً ابتدائية كبيرة تعمل في منطقة فقيرة نسبياً في فورست غيت شرقي لندن.

وأكثر من خُمس تلاميذها يتلقون وجباتٍ مدرسية مجانية وأكثر من ثلثهم لا يدرسون الإنكليزية كلغة أولى.

ومع ذلك، فازت منذ عامين بكأس مناظرات المدارس الوطنية التي نظَّمتها منظمة Debate Mate غير الربحية التي تعقد جلسات مناظرة يديرها طلابٌ من أفضل الجامعات في مدارس المناطق الفقيرة.

وتحث على الفصاحة والثقة.. وليس فقط العلامات الأكاديمية

تقول سين براون مديرة المدرسة: "تهتم مدرستنا بإعداد التلاميذ لتحقيق النجاح الأبدي، وتُظهِر الكثير من الأبحاث أن النتائج الأكاديمية ليست الشيء الوحيد المهم".

وتوضح: "صحيحٌ أنَّها مهمةٌ للغاية بالطبع، لكن من المهم أيضاً تعليم الأطفال والشباب الفصاحة والثقة، سواء في مقابلات العمل، أو مقابلات الالتحاق بالجامعة، أو عند إنشاء شركة خاصة بهم، والرغبة في الحصول على قرض لإنشائها".

وأردفت قائلة: "الأمر لا يتعلق فقط بما تخطه على الورق؛ بل الطريقة التي تقدم بها نفسك أيضاً. تساعد جلسات المناظرة على رفع الثقة وزيادة الفصاحة، وقد رأينا الفرق الذي أحدثته مع أطفالنا".

وتعدد المديرة فوائد هذه المناظرات بما يلي:

  • تعزز تقدير الأطفال لذاتهم
  • تعلم الأطفالنا أنهم قادرون كأي شخص آخر على جذب انتباه الآخرين
  • تعلمهم تكوين المفاهيم كذلك.
  • تشعرهم بالثقة والرضا عن أنفسهم
  • يشعرون بأن لهم الحق في أن يُنصَت إليهم
  • تعلُّم كيفية جمع الأدلة، وكيفية التنبؤ ومناقشة الحجج المُعارِضة مناقشة شفهية.
  • تحسّن كتاباتهم وتشجعهم على اتباع طرق تفكير مختلفة.

الإصغاء جيداً للآخرين مهارة هامة تحضيراً للرد

وأوضحت جيسيكا رولف ديكس، المعلمة السابقة والمديرة الإدارية لمنظمة Debate Mate، أن المدرسة تتبع نظاماً يسمى نقاط المعلومات.

هذه النقاط تتمحور حول المقاطعات التي تحدث من الجانب الآخر، وإذا لم يتقبلها التلميذ فلا يحصل على درجات عالية.

عليه إذاً أن يستمع ثم يصبح لزاماً عليه أن يرد. وهذه المهارة هي إحدى المهارات التي ستفيده عند التحاقه بالجامعة أو القوى العاملة.

قدرة تشجع على عدم الانسحاب عند التعرض للضغوط والتصدي للتحديات بطريقة غير تصادمية.

وبالنسبة لبعض الأطفال الأكبر سناً، فإنَّ تعلُّم توقع المعارضة والرد عليها هو ممارسة مبكرة للتقدم على الخصوم في المناقشة، وربما كان هذا هو السبب في أن جلسات المناظرات التي كانت تعقد في الجامعات المرموقة كانت أشبه بتدريباتٍ للساسة.

وهذه نصائح قائد عمالي بريطاني كان من عامة الشعب

لا يملك نائب حزب العمال ووزير التعليم السابق كيفن برينان الخلفية التقليدية التي قد يتوقع البعض أن يمتلكها رئيسٌ سابق لاتحاد طلاب أوكسفورد. فقد كان ابن أحد عمال الصلب وطاهية في إحدى المدارس، وكلاهما ترك المدرسة قبل سن السادسة عشرة، وكان هو أول طفل من مدرسته يلتحق بجامعة أوكسفورد.

لكن برينان تعلم خلال حياته عدة نصائح منها:

  • ينبغي أن تكون قادراً على الخطابة والتحدث واستخدام لغةٍ قادرة على إقناع الناس.
  •  معظم الأشخاص الذين التحقوا بالجامعة لم يكونوا عباقرة، ولكنَّ الكثيرين منهم كانوا يتمتعون بدرجة كبيرة من الثقة بالنفس لا تُفسِّرها دائماً خلفياتهم التعليمية.
  •  استخدام القليل من الفكاهة لتوضيح وجهة النظر.
  • استخدام القليل عن إيقاعات الكلام.

اشتغل برينان بالتدريس فترة من الوقت بعد تخرجه، وعقد مناظرات في المدرسة المتكاملة التي كان يعمل بها.

وقال: "ما حاولت فعله هو أن أقول: صحيحٌ أنَّ القدرة على عرض وجهات نظرك بشأن السلام العالمي أو أي شئ آخر مهمة، ولكن ما يهم حقاً هو إذا تحدَّى شخصٌ ما وجهات نظرك، فهل يمكنك الدفاع عنها؟ لأن هذا يعني أنك تفهمها".

هذه هي القدرة على مواجهة الحجج المعارضة وتفنيدها، بدلاً من مجرد الاستمرار في النقاش، والتي يمكنها التمييز بين أولئك الذين لديهم فكرٌ سياسي حقيقي ومن ليس لديه أي فكر .

الخطابة السياسية تراجعت عندما توقف الزعماء عن كتابتها بأنفسهم، والدليل ترامب وماي

وقالت ماري بيرد، الباحثة المنتمية إلى المدرسة الكلاسيكية، في إحدى المحاضرات التي ألقتها بمناسبة مسلسل  Figures Of Speech الذي أطلقه مسرح ألميدا، إنَّ الخطابة السياسية بالمعنى الدقيق للكلمة اندثرت عندما توقف السياسيون عن كتابة خطاباتهم بأنفسهم.

وأضافت: "كان بإمكان الجماهير التمييز بين القائد الذي يعبر عن أفكاره الخاصة والقائد الذي يقتبس أفكار شخص آخر".

ولا يوجد زعيم في العصر الحديث يمتلك الوقت الكافي لكتابة جميع الخطابات التي يلقيها بطبيعة الحال. ومع ذلك، يمكن القول إنَّ الخطب السياسية الكبيرة المنمقة لم تعد مهمةً بقدر ما كُنَّا نعتقد.

فتحدث تيريزا ماي بصوتٍ مبحوح في أثناء إلقاء خطاب بأحد المؤتمرات الحزبية، وسقوط بعض تجهيزات المنصة من حولها لم ينجح في إنهاء شعبيتها العام الماضي  2017، في حين أنَّ أداءها الأفضل كثيراً في العام الجاري 2018،  لم يُعِد تحسين شعبيتها بطريقة سحرية كذلك.

ويعد الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، متحدثاً سيئاً للغاية، ولكن ربما ترى قاعدته الجماهيرية في ذلك علامةً على مصداقيته.

والتألق أمام الكاميرا بندٌ إضافي

بيد أنَّ التألق في المناظرات التلفزيونية، حيث يتعين على السياسيين التفكير بسرعةٍ، قد يقلب الأوضاع.

وباختصار، فالانفعالات الشديدة التي تحدث في أثناء المناقشات البرلمانية لديها القدرة على الانتشار كذلك.

وفي الوقت نفسه، فالخطابات المُعَدَّة سلفاً التي تثير الانبهار لا تقتصر على مجرد الترويج للسياسات أو إثارة الانبهار الشعبي؛ بل مواجهة الجمهور بفاعلية.

فتصريح مارغريت ثاتشر بأنها "ترفض التغيير"؛ وخطاب استقالة روبن كوك على خلفية حرب العراق، كلها أمثلة على المتحدثين الذين يثيرون أكثر من مجرد مناقشة عادية.

وقال برينان: "الخطابات التي تحاول فيها بصدق أن تقنع الجموع وتغيِّر رأيهم تكون أكثر إثارة، أمَّا إذا كان كل ما تفعله هو توجيه موعظة للمؤمنين وإثارة عواطفهم، فهذا مختلفٌ عن أن يحاول القائد أن يقود الناس إلى مكانٍ لم يعرفوا أنهم يرغبون في الذهاب إليه حين تكون هناك قضيةٌ محورية على المحك".

إذ يوجد فرق شاسع بين المواعظ والخطب التي تهدف للتغيير

وربما يكون هذا هو الفرق في النهاية بين إلقاء خطبة عصماء ومحاولة حيازة إعجاب الناس. فالنوع الأول يثير أعصاب المتحدث. لكنَّ النوع الثاني لا يثير شعوراً كاملاً بالارتياح بين الناس. وهذا ما يجعل السؤال عمَّن ستكون له الأولوية في اعتلاء المنصة مهماً للغاية.

والآن، مَن يخشى مَن بالضبط؟