لم يعد تصحيح العيوب الجينية للأجنة البشرية حلماً بعيد المنال، إذ أوضح العلماء من خلال دراسة حديثة، أن تصحيح العيوب الجينية للفئران أصبح ممكناً!
وذكرت صحيفة The Guardian البريطانية أن العلماء استخدموا صيغةً من أداة التحرير الجيني Crispr-Cas9 لإحداث طفرةٍ في جينٍ كان سيتسبَّب بفشلٍ قاتلٍ في كبد الفئران.
وبعد أن تبينت فاعلية هذه الطريقة مع الفئران بعد ولادتها، أثبتت آخر الدراسات إمكانية إجراء التعديل هذا على الأجنة البشرية. وأكد العلماء أن تطبيقها على البشر سيستغرق بعض الوقت.
ونقلت الصحيفة عن د. ويليام بيرانتو، جرَّاح الأطفال والأجنة، قوله "هذه دراسة كان الغرض منها إثبات المفهوم، أي أنها الدراسة الأولية، وهناك دراسات أخرى على نماذج الفئران، بالإضافة إلى نماذج حيواناتٍ كبيرة الحجم يلزم أن تُجرَى قبل مجرَّد التفكير في تعميم هذه الطريقة بالعيادات البشرية".
الطريقة الجديدة لن تعالج جميع الأمراض
من جانب آخر، ذكر بيرانتو أن هذه الطريقة لن تُستَعمَل لعلاج معظم الاضطرابات الجينية. وأضاف: "المرض الأمثل الذي يمكن علاجه بهذه الطريقة هو المرض الذي يُسَبِّب خطورةً كبيرةً على حياة الإنسان قبل مولده أو بعده مباشرة، وليس له علاجٌ فعَّالٌ في الوقت الراهن".
وكتب فريقٌ من الباحثين في الولايات المتحدة تقريراً لمجلة Nature Medicine يفيد بأنَّهم تمكنوا من إجراء سلسلة من التجارب بهدف استكشاف ملامح التحرير الجيني على أجنة الفئران.
يجري ذلك عن طريق استخدام صيغة مصَحَّحة من أداة كريسبر بإمكانها تعديل "الأزواج القاعدية"، أي الجزيئات التي تتزاوج لتشكيل درجات التركيب اللولبي المزدوج للحمض النووي.
ولكنها لا تقطع سوى سلسلة واحدة من الحمض النووي أثناء التعديل.
وأضاف بيرانتو: "نظرياً، هذا أكثر أماناً ويجنبنا عدداً كبيراً من المخاوف المُعلنة حديثاً بشأن أداة كريسبر الأصلية".
حل جذري لمرض مميت
وبعد إظهار إمكانية إجراء التعديل في منطقةٍ محدَّدةٍ من الحمض النووي لخلايا الكبد في أجنة الفئران، ركَّز الفريق على حالةٍ تُعرَف باسم فرط تيروزين الدم الوراثي من النوع 1.
وهي مرضٌ جينيٌّ يعيق الجسم عن امتصاص حمضٍ أمينيٍّ يُدعَى التيروزين بالقدر الكافي، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يُعالَج.
وقال بيرانتو: "نسبة حدوثه في البشر هي 1 في الـ100 ألف تقريباً"، مضيفاً أنه في ظل توافر العقاقير لعلاج هذه الحالة، فيمكن أن تكون أمراضٌ كبدية أخرى مرشحةً بقوةٍ للعلاج.
وذكر الفريق أنهم قد أخذوا فئراناً لديها طفرة جينية نتجت عنها حالةٌ مشابهةٌ لفرط تيروزين الدم الوراثي من النوع 1 ووَلَّدوها، بينما أعطوا الأمهات باستمرارٍ عقاراً يُدعى النيتيزيون.
ثم حَقَن الفريق 26 جنيناً بفيروسٍ يحمل تعليماتٍ جينيةً لصنع أداة التحرير الجيني، و27 منها بنفس الفيروس ولكن دون المعلومات الموجَّهة للأداة.
وبعد الولادة، لم تعد الفئران الوليدة تتلقَّى العقار، وراقب الفريق ما حدث.
وقال بيرانتو، "ماتت جميع الفئران التي لم تتلقَّ علاجاً بعد 21 يوماً".
أما الفئران التي حُقنت بالعلاج فقد استطاعت الصمود حتى الانتهاء من الدراسة بعد ثلاثة أشهرٍ.
تطبيق الدراسة على البشر يشكل تحدياً ضخماً
من جانبه، رحَّب روبين لوفيل بادج، رئيس قسم علم أحياء الخلية الجذعية وعلم الوراثة النمائي في معهد فرانسيس كريك، بالدراسة.
وأكد أهمية إجراء العلاج قبل نمو جهاز المناعة بما يكفي للتعرف على الفيروسات المُستَخدَمة كأجسامٍ دخيلةٍ، أي أنه لا يعمل على ردعها.
وأضاف بادج أن وسائل التحرير الجيني الأساسية مهمة جداً؛ حيث إن 50% من الأمراض الوراثية تُعزَى إلى عمليات إحلالٍ للأزواج القاعدية المنفردة.
وأردف قائلاً: "ينبغي أن نشدِّد على أن هذه دراسة أُجرِيَت على الفئران. وستشكِّل محاولة تطبيق أي نوعٍ من المعالجة الجينية على الأجنة البشرية تحدياتٍ ضخمةً".